إخوان ليبيا يختارون قيادة أكثر راديكالية لمرحلة حُبلى بالتحديات

انتخب حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا القيادي عبداللطيف البناني رئيسا للحزب خلفا لمحمد صوان، وذلك في وقت تعرف فيه البلاد تحديات كثيرة حاول الحزب عرقلة بعضها على غرار الانتخابات المقرر تنظيمها في 24 ديسمبر المقبل، لكن القيادة الجديدة للحزب توصف بأنها أكثر راديكالية حيث يُعد البناني أحد صقور العدالة والبناء.
طرابلس – وجّه إخوان ليبيا رسالة إلى شرق البلاد مساء السبت بانتخاب أحد أبنائهم رئيسا جديدا لحزب العدالة والبناء الذراع السياسية للجماعة، وهو عماد عبداللطيف البناني المولود في بنغازي في العام 1960، وأحد مؤسسي فرع جماعة الإخوان بها قبل أن يغادرها في اتجاه سويسرا حيث استقر به المقام منذ العام 1995 في مدينة زيورخ.
وترشح لرئاسة الحزب عدد من قياداته من بينهم عبدالرزاق سركن وشكري الخوجة وماجدة الفلاح، وتم الالتجاء إلى دور ثان تم حسمه لفائدة البناني على حساب سليمان عبدالقادر المراقب العام السابق لجماعة الإخوان الليبية وهو بدوره من مواليد بنغازي في العام 1966 ولكن من أسرة تنحدر أصولها من مصراتة.
وحصل البناني على 231 صوتا من أصل 399 شاركوا في التصويت، ومن المقرر أن تمتد عهدته لأربعة أعوام خلفا لمحمد صوان الذي تزعم الحزب مدة 9 سنوات. وكان البناني قد عمل لفترة وجيزة كمهندس طيران بمطار بنينا ببنغازي في أوائل التسعينات، قبل أن ترصد أجهزة النظام السابق نشاطه وعلاقته بالتنظيم الدولي ومن ارتبطوا بعلاقات وطيدة مع راعي ثروة الإخوان واستثماراتهم يوسف ندا وأبناؤه.
وكان من العناصر الناشطين في الخارج ممّن أظهروا دعمهم لمشروع “ليبيا الغد” بقيادة سيف الإسلام القذافي والذي انطلق في العام 2006 وانخرط فيه الإخوان. وفي العام 2011 وبعد الإطاحة بالنظام بدأ البناني مرحلة تجميع ناشطي الجماعة وقادهم إلى تنظيم مؤتمرهم الأول في بنغازي في نوفمبر من العام ذاته تحت غطاء إعلامي واسع لاسيما من قناة “الجزيرة” القطرية.
وفي مارس 2012 شارك البناني في تأسيس حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان الليبية والذي آلت رئاسته إلى محمد صوان، وعاد إلى مزاولة أعماله الاقتصادية خاصة مع شركة “لورد إنرجي” التي يديرها ناظم إبن يوسف ندا، ويقع مقرها في مدينة “لوغانو” السويسرية والتي يضم مجلس إدارتها يوسف همت ابن علي غالب همت أحد الزعماء التاريخيين لشبكات الإخوان المسلمين الأوروبية، إضافة إلى العديد من قيادات تنظيم الإخوان السويسريين والإيطاليين؛ مثل ديفيد بيكاردو وعمر ناصرالدين، ونظيرتها شركة “جلينكور” لتجارة موارد الطاقة والتعدين التي تعتبر المسوق الحصري لثلث إنتاج ليبيا من النفط الخام منذ عام 2016، والتي تعتبر قطر من أبرز المستثمرين فيها، وهو ما يجعل من البناني واحدا من أبرز المقربين من الدوحة وممن يتبنون رؤية نظامها للوضع في ليبيا، وفي يونيو 2017 أدرجه مجلس النواب تحت رقم 38 ضمن 75 شخصية ليبية إخوانية على قائمة الإرهاب.
البناني حصل على 231 صوتا من أصل 399، وستمتد عهدته لأربعة أعوام خلفا لصوان الذي تزعم الحزب 9 سنوات
ويعتبر البناني من صقور الإخوان المحسوبين على التيار القطبي ومن المقربين للمنهج الفوضوي الذي يتزعمه المفتي المعزول المقيم في تركيا الصادق الغرياني.
كما أنه من الداعين إلى الحرب على الجيش وتشكيل حرس وطني يقوم مقامه، في إشارة إلى اقتراح سبق أن طرحته قطر في 2011 يتمثل في تشكيل حرس وطني “ثوري” من الميليشيات يعود إليه تأمين الحدود والمؤسسات السيادية بدل القوات المسلحة النظامية.
والخميس الماضي افتتح حزب العدالة والبناء مؤتمره الاستثنائي بطرابلس والذي استمر لثلاثة أيام بهدف انتخاب قيادة جديدة بعد أن قرر رئيسه محمد صوان التخلي عن منصبه، ضمن ما اعتبرته مصادر مقربة منه خطوة للانسلاخ عن الحزب والترشح كمستقل للانتخابات القادمة.
وقال صوان في بيان مصور بثه على موقع الحزب إنه “يعتبر السنوات العشر التي قضاها على رأس الحزب وسط ظروف غاية في الصعوبة، هي رصيد يدعوه للانطلاق بشكل جديد في العمل السياسي”، مؤكدا أنه لن يترشح إلى منصب رئاسة الحزب لدورة أخرى تحت أي تعديل أو شرط، محاولا تبرير ذلك بأنه لفتح المجال أمام قيادات الحزب.
وأوضح صوان أن دعوته للمؤتمر هي دعوة استثنائية وكان من المقرر عقده عام 2018 ولكن تم تأجيله بسبب الظروف التي مرت بها البلاد، وفق قوله، وتابع أن “الهيئة العليا للحزب أقرت بتأجيل المؤتمر العام ولكن النظام الأساسي يسمح لي كرئيس حزب بأن أدعو إلى عقد المؤتمر، وكنت مصرا على عقده وتجديد قيادات الحزب وكوادره”.
ويرى مراقبون أن هدف صوان هو استباق ما ينتظر الحزب الإخواني من هزيمة مدوية في الانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، نتيجة العزلة التي يواجهها سياسيا واجتماعيا، والسعي لترشيح نفسه مستقلا عن دائرة مصراتة التي ينتمي إليها.
ويضيف هؤلاء أن موقف صوان غير مفصول على الوضع الصعب الذي يواجهه إخوان ليبيا، والذي دفع بهم في أوائل مايو الماضي إلى التظاهر بالتخلي عن الجماعة، واستبدالها بجمعية تحمل اسم “الإحياء والتجديد”.
وقالت الجماعة في بيانٍ لها إنه “في هذه المحطة الفاصلة من عمر الوطن وبعد جولاتٍ من الحوار، توصلت جماعة الإخوان في ليبيا إلى ضرورة الاجتهاد والتجديد الذي كان دافعه الحرص على الاستجابة لحاجات الوطن ومتطلبات المرحلة” وفق زعمها، مشيرة إلى أن “جمعية الإحياء والتجديد ستمارس عملها في شتى مجالات العمل العام، والعمل على التغيير من بوابة العمل المجتمعي”.
وصّرح مختار المحمودي نائب رئيس “جمعية الإحياء والتجديد” أن الاستغناء عن اسم جماعة جاء بعد تعرضها لحملة تشويه شرسة منذ حكم معمر القذافي وباتت كل التهم تلصق بها.

واعتبر أن أهداف الجماعة الإستراتيجية ما زالت كما هي، لكن الأهداف التكتيكية تتغير بتغير معطيات الواقع بالإضافة إلى الاسم والشعار، لافتا إلى أن جماعة الإخوان الليبية عقدت عدة مؤتمرات وطرحت القضايا المتعلقة بحملات التشويه، وارتأت أن “نخرج من ربكة الاسم حتى نعيد حركتنا داخل مجتمعنا الطيب، وهذا ما حدث”.
وبعد أن حاولت الجماعة تغيير جلدها بتغيير الاسم والشعار، جاء دور جناحها السياسي حزب العدالة والبناء الذي سيعمل على تغيير واجهته الرسمية بعد قرار رئيسه محمد صوان بالانسحاب من رئاسته وفسح المجال لقيادة جديدة.
ويُرجع محللون مستجدات الحزب إلى الفشل في تعطيل تطبيق خارطة الحل السياسي وعجزهم عن الدفع بتأجيل الانتخابات التي بات موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر القادم شأنا أمميا ودوليا غير قابل للتراجع عنه، إضافة إلى انهيار منظومة الإسلام السياسي في ليبيا وفقدانها لثقة الشارع.
وكان حزب العدالة والبناء قد تأسس في مارس 2012 ليكون واجهة سياسية للتيار الإخواني، واستفاد من العزل السياسي والفوضى التي سادت البلاد في سياق ما سمي بالربيع العربي في الانتخابات التي جرت في يونيو من العام ذاته، لكنه انهزم أمام قوى التحالف الوطنية بزعامة محمود جبريل.
وعاد قبل أن يقود الإسلاميون انقلابا من داخل المؤتمر الوطني العام (الهيئة التأسيسية) عبر الاستيلاء على أغلب الكتل المستقلة سواء بالترهيب أو الترغيب، وبعد هزيمتهم في انتخابات البرلمان في يونيو 2014 قاد الإخوان انقلابا ميدانيا على النتائج من خلال منظومة فجر ليبيا ما أدى إلى حالة الانقسام في البلاد.
لكن ونتيجة للدعم الذي يجدونه إقليميا ودوليا، تم فرض الإخوان في مؤتمر الصخيرات، ودُعي صوان للتوقيع على الاتفاق الحاصل في ديسمبر 2015 رغم الاعتراضات حول شخصه وحزبه، واعترف مؤخرا بأن التنظيم يسعى لاستنساخ تجربة الصخيرات في المفاوضات، لافتا إلى أن الحزب هو المسؤول عن انقلاب “فجر ليبيا” سنة 2014 وما تسبب فيه من الفوضى وانقسام المؤسسات.
صوان يريد استباق ما ينتظر الحزب الإخواني من هزيمة مدوية في الانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، نتيجة العزلة التي يواجهها سياسيا واجتماعيا، والسعي لترشيح نفسه مستقلا عن دائرة مصراتة التي ينتمي إليها
وقال صوان إن حرب “فجر ليبيا” حققت جزءًا من هدفها، وأن الجزء الآخر تحقق في مفاوضات الصخيرات، مشددا على أن كليهما كان يهدف إلى انتزاع الشرعية من الحكومة والبرلمان المنتخب ديمقراطيا سنة 2014، وتابع أنه دعم تلك الحرب التي أحرقت العاصمة طرابلس ووقوفه على كل تفاصيلها، وقيامه بتسييل 700 مليون دينار سرا وبالمخالفة من مصرف ليبيا المركزي لرئيس الحكومة الموازية حينها خليفة الغويل كدعم للحرب.
وقبيل المؤتمر قال القيادي في العدالة والبناء عبدالمجيد عمر العويتي إن “الحزب تعرض للعديد من المعوقات الضخمة التي وضعت للحد من إيجابيته ووطنيته وتواجده الدائم، فكان اقتحام وحرق مقاره في أكثر من مرة، وإقفال فروعه وترهيب أعضائه في أكثر من مدينة وبلدة، ووصل الحد الأقصى لأنواع التضييق المستخدمة مع الحزب إلى الاغتيال الجسدي لبعض قياداته وأعضائه”، لكن منتقدي التيار الإخواني يرون أن الحزب يمثل منذ تأسيسه مشروع تبعية للخارج، وهو ينبع من فكر جماعة دخيلة على المجتمع، وقد سبق أن تم حظر نشاطها خلال العهدين الملكي والجماهيري بسبب ميولاتها العنفية وتورطها في الإرهاب وارتباطها بأجهزة مخابرات أجنبية
وقد فسّر العويتي علاقاته بالخارج قائلا ”للحزب مساندون وأصدقاء من المحيطين الإقليمي والدولي، فكان له حظ وفير في تقارب ممتاز مع دول صديقة كالعلاقة بالدولة التركية ومكوناتها السياسية وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية وأيضاً تشاور على أعلى المستويات مع دولة قطر الشقيقة صاحبة اليد البيضاء في دعم ربيع العرب وثواره، وكذلك التواصل مع المحيط المغاربي ممثلاً في أحزاب سياسية كبرى وشخصيات سياسية برلمانية وحكومية”.
ومن المنتظر أن تكون مرحلة رئاسة عماد البناني للحزب مؤشرا على الاتجاه نحو مسار أكثر راديكالية في مواجهة العزلة السياسية والاجتماعية التي يواجهها إخوان ليبيا، لاسيما في ظل التوجه نحو الانتخابات العامة التي تؤكد استطلاعات الرأي أن حزب العدالة والبناء لن يحظى فيها بنتيجة توافق تطلعاته للهيمنة وبسط النفوذ وتنفيذ سياسة التمكين التي يبدو أنها تتلاءم بالنسبة إلى الإسلام السياسي مع حالة الفوضى والحرب أكثر من حالة الأمن والسلام.