إحياء نبيذ جزائري بنكهة فينيقية

نقص اليد العاملة يشكل معضلة مشتركة بالنسبة للعديد من المزارعين، حيث أصبح الجزائريون يمتنعون عن أداء هذا العمل، رغم وفرة الإنتاج.
الثلاثاء 2020/09/08
وفرة في الإنتاج ومعضلة في القطاف

يعمل منتجو النبيذ في محافظة سيدي بلعباس، غرب الجزائر، على إحياء السوق واستعادة مكانتها كمركز للصناعة. لكنهم في حاجة لتدخل الدولة لدعم مزارعي الكروم الذين يشكون من غياب اليد العاملة مقابل وفرة محاصيل العنب وجودتها.

سيدي بلعباس (الجزائر) – يملأ مزارعون في الريف الجزائري صناديق كبيرة بالعنب الأحمر والأخضر لنقله لاحقا إلى مصنع النبيذ.

وتحاول الدولة، التي كانت يوما ما واحدة من أكبر مُصّدري النبيذ لأوروبا، إحياء إنتاجها القديم من المشروبات الكحولية ودعم منتجيها المحليين.

واشترى حمدوش دحمان، وهو منتج للنبيذ عمره 43 سنة، في الآونة الأخيرة أربعة أقبية للنبيذ، ولديه مزرعة كروم مساحتها مئة فدان تقريبا، في محاولة لمواكبة الطلب المتزايد في الداخل والخارج.

ويتحدث مزارع اسمه محمد عن ظروف الزراعة الملائمة في البلاد لكنه يشكو من قلة الأيدي العاملة الراغبة في العمل، قائلا “يتوفر لدينا كل ما نحتاجه في عملية الزراعة حتى الماء، لكننا نفتقد اليد العاملة، فهي غير موجودة، للأسف لم يعد الناس يرغبون في العمل اليدوي”.

وهذا النقص في اليد العاملة يشكل معضلة مشتركة بالنسبة للعديد من المزارعين، حيث ردد مزارع آخر يدعى طيب، نفس الشكوى، مؤكدا “في السابق، كان الناس يتهافتون على العمل، لكنهم أصبحوا الآن يمتنعون عنه وفي المقابل يريدون الحصول على المال بأيسر السبل ودون تعب.. تقريبا هم لا يعملون أبدا”.

وتملك الجزائر سوقا للنبيذ خاصا بها، بالإضافة إلى أنها لعبت دورا هاما في تاريخ صناعة النبيذ، حيث يرجع النبيذ الجزائري إلى الفينيقيين وقد استمر خلال حكم الجزائر من قِبل الإمبراطورية الرومانية، فقد قام الرومان باستغلال الظروف المناخية التي تتميز بها الجزائر، والسهول الممتدة من الشرق إلى الغرب، والأرض الخصبة التي تسمح بمثل هذه الزراعة.

وقبل ثورة التحرير الجزائرية كانت تُمثل الجزائر جنبا إلى جنب مع المغرب وتونس ما يقرب من ثلثي النبيذ في التجارة العالمية.

أما في الوقت الحالي فلم تعد الجزائر رائدة في مجال صناعة النبيذ في ظل ظهور دول أخرى تصدرت هذا المجال مثل ألمانيا وجنوب أفريقيا لكن وبالرغم من ذلك فلا زالت تُحافظ على صناعة النبيذ ولو بكمية صغيرة خاصة في ظل توفرها على أزيد من 70 مصنعا مختصا في هذه الصناعة.

أجود أنواع النبيذ وأفخرها تنبع من هنا
أجود أنواع النبيذ وأفخرها تنبع من هنا

كما أن معظم المسؤولين في الحكومة الجزائرية يرون أنه من غير الملائم أن تعتمد الدولة في اقتصادها على صناعة النبيذ وهي دولة إسلامية مما دفع بالحكومة إلى الضغط على أصحاب الأراضي ودفعهم نحو تحويل أراضيهم أو على الأقل زرعها بالحبوب أو عنب المائدة.

وكشف دحمان أن “الجزائر تعتبر من قديم الزمان، واحدة من كبار مصدري النبيذ في العالم.. كنا ننتج حوالي 22 مليون هكتولتر في الأربعينات والخمسينات حتى الستينات، والآن خسرنا السوق.. فنحن ننتج حوالي 400 ألف هكتولتر في السنة”.

ويقع مصنع النبيذ ومزرعة الكروم في محافظة سيدي بلعباس (غرب الجزائر)، التي كانت في وقت من الأوقات مركزا لهذه الصناعة. ويقول العاملون فيها إن إنتاج النبيذ توقف تقريبا في سيدي بلعباس التي كانت معقلا للإسلاميين المسلحين في الحرب التي استمرت عشر سنوات في حقبة التسعينات.

وهناك الكثير من المناطق التي تختص بصناعة النبيذ في الجزائر لعل أبرزها تلك التي تقع في محافظات مثل عين تموشنت، المعسكر، مستغانم، سيدي بلعباس ثم تلمسان.

لكن رجل الأعمال، الذي يملك هو وشقيقه شركة سبافي للنبيذ، يقول إنهما يعملان بجد لاستعادة السوق، لافتا “نريد إعادة إحيائها لكننا ننتظر تدخل الدولة لزراعة العنب لأننا بالفعل في حالة صعبة مقارنة بالطلب.. لدينا السوق المحلي والسوق الدولي، لدينا السوق الداخلي والسوق الخارجي”.

وتستخدم الشركة، التي تأسست سنة 2004، حوالي 40 قبوا قديما لصنع النبيذ الذي يعتقدون أنه على درجة فريدة من الجودة.

وتحدث دحمان عن جودة العنب، قائلا “نوعية العنب ممتازة ومليئة بالعصير وحلوة.. ونسبة السكر عالية فيها”.

مساع لاستعادة المكانة والمنافسة في الساحة العالمية
مساع لاستعادة المكانة والمنافسة في الساحة العالمية

ويرى معشو، وهو موظف في شركة سبافي للنبيذ، أن الأقبية القديمة والتقليدية أفضل من الجديدة، موضحا “القبو التقليدي القديم أحسن من القبو الجديد لأنه عال وبارد.. الأشياء القديمة أحسن من الأشياء الجديدة.. وحتى الخزان لا يسرب أما الجديدة فيحدث فيها تسريب.. هذا القبو يعمل منذ 1939 وما زال يعمل بصورة جيدة”.

وقالت الحكومة في يوليو الماضي إن الاقتصاد الجزائري انكمش 3.9 في المئة في الربع الأول من العام الحالي بعد نمو 1.3 في المئة خلال نفس الفترة من عام 2019، تحت ضغوط إجراءات العزل بسبب فايروس كورونا المستجد وضعف قطاع النفط والغاز.

وتراجع النمو في معظم القطاعات منذ أن فرضت السلطات إجراءات العزل في وقت سابق من هذا العام بهدف الحد من انتشار كورونا.

لكن الحكومة تقول إنه من المقرر الإعلان عن “خطة إنعاش اجتماعي واقتصادي” جديدة الشهر المقبل.

ويأمل دحمان أن تساهم صناعة النبيذ في تعزيز الاقتصاد وتحسين أوضاع المزارعين.

وكان الوزير الأول عبدالعزيز جراد، أكد في زيارة أداها في يوليو الماضي إلى سيدي بلعباس، على ضرورة إعطاء الفلاحة المكانة التي تستحقها وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع، مبرزا ضرورة العودة لهذا القطاع الموفر لمناصب العمل والثروة.

ووفقا لوكالة الأنباء الجزائرية، قال جراد إن “إنتاجنا الفلاحي متنوع وذو جودة. يجب تثمين القطاع من خلال تشجيع الاستثمار وتجنيد الوسائل الضرورية وكذلك استغلال مساحات زراعية كبيرة”.

مزارع الكروم تشكو نقص اليد العاملة لقطاف خيراتها
مزارع الكروم تشكو نقص اليد العاملة لقطاف خيراتها

 

20