أين المثقف القدوة
في أوج اندفاع حركات التحرر الوطني في أفريقيا من أجل كسر أغلال الاستعمار الأوروبي قال قائد أفريقي إنه “لا يكفي أن تؤلف أغنية حتى تشارك في الثورة الأفريقية، وإنما ينبغي أن نصنع هذه مع الثورة الشعبية، ثم تأتي الأغاني من تلقاء نفسها”.
وفي تقدير هذا القائد فإنه “ليس هناك أيّ مكان في خارج هذه المعركة للفنان وللمثقف الذي ليس منخرطا هو نفسه” في عملية التحرير والتحرر.
من المفترض إذن أن النخب المثقفة تعمل وفق مشروع واضح المعالم، مسلح بالمنهج والخطة، وتتدخل بشجاعة وفعالية في عدد من الحقول مثل محو الأمية الحرفية، والفكرية، والجمالية، والاجتماعية والسياسية، والقانونية، والمهنية، والبناء الاجتماعي، والعلوم الإنسانية بمختلف أنماطها، وفي مجال تنظيم المجتمع، وفي السياسة نظريا وممارسة.
إن معنى التدخل الذي ينبغي أن يبادر به المثقفون لا يعني مجرّد إبداء الرأي الشفوي، أو المكتوب في وسائل الإعلام، أو في التجمعات المختلفة، ولا يجب أن يختزل في ممارسة الانتقاد الشكلي لتبرئة الذمة، بل هو يعني النزول إلى الميدان لتغيير كل أشكال التخلف.
من المفترض مسبقا أن النخب تتشكل من أفراد مثقفين مثل الأســاتـذة، والمــفكــريـن، والعـلمـــــاء، والأدبـــــاء، والمهندسين، ورجـال الـديـن المصلحيـن وغيرهـم، ويكـون شغلهـم الشاغل هو تحليل ونقـد ثقافـة مرجعيـات وأسباب الإعاقـة الحضارية، ثم الانطلاق فـي بنـاء الوعي الجـديـد، وتخصيب فعالية المعـرفة سعيـا إلى تشكيـل الإنسـان الجديد، والمحيط الاجتماعي العصري، وقـيـادة المـجتمع باتجـاه العـقـل والتنـويـر.
في الغرب يدعون النخب المثقفة والعلمية بـ“المتحدات” العلمية، والفكرية، والثقافية، والفنية، وهي تتكفل بإبداع نماذج المعرفة المتطورة التي تتحول إلى أسلوب ومنهج في الحياة الوطنية، ومما يؤسف له فإن هذا النوع من المتحدات الثقافية والفكرية والعلمية الفعالة لا وجود لها عندنا، والدليل على ذلك هو أننا لا نرى أمامنا مثقفين يلعبون دورا قياديا لصياغة الوعي النقدي الجديد، ونشر المعرفة المتطورة، والدفاع عن فكرة تحديث العقل والسلوك، عدا أفراد قليلين منهم يعاقبون بشتى أنواع الحصار وغالبا ما يتعرضون للتهميش والنبذ.
إن معظم المثقفين الجزائريين المكرّسين في المشهد الثقافي، مثلا، غير مشغولين بتعليم الشعب، وقيادته نحو التقدم، بل هم لا يدافعون عن أيّ شيء، بل يكتفون إما بمدح السلطة أو طلب عفوها، أو الرضوخ لمنطقها ونماذجها الثقافية والتربوية، التي لعبت ولا تزال تلعب الدور السلبي في تصفيح التخلف الذي يخنق المجتمع.
كاتب من الجزائر مقيم بلندن