أيام قرطاج لفنون العرائس تنجو من الإلغاء لتحتفي بشيخ العرائسيين التونسيين

إيطاليا ضيف الشرف ومعلقة تنتصر لأطفال غزة.
السبت 2024/01/27
تظاهرة سنوية تحقق إقبالا كبيرا

بعد إلغاء العديد من التظاهرات الفنية والثقافية التونسية تضامنا مع القضية الفلسطينية، ظل انعقاد العديد من التظاهرات الأخرى محل شك وانتظار، إلا أن وزارة الشؤون الثقافية اختارت المضي قدما وتنظيم عدد من المهرجانات مع إحداث تعديلات مهمة تلفت الأنظار لما يحدث في قطاع غزة منذ أشهر.

تونس - منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، اتخذت وزارة الشؤون الثقافية التونسية مواقف جدية حيال ما يعانيه الأشقاء في فلسطين، لكنها تبدو في بعض الأحيان مواقف غير مفهومة، فبينما اختارت إلغاء تظاهرات مهمة ينتظرها الكثير من الفنانين سنويا، رأت أنه من الأفضل التعديل في برمجة تظاهرات أخرى، وبعضها انعقد دون تعديلات كبيرة.

أحدث هذه المهرجانات التونسية التي نجت من الإلغاء، هو أيام قرطاج لفنون العرائس الذي خرجت هيئته الخميس لتعلن انعقاده رسميا في نسخة خامسة تحيي ذكرى شيخ العرائيسيين التونسيين الراحل الأسعد المحواشي وتحمل اسمه، تحتضنها مدينة الثقافة في العاصمة، في الفترة الممتدة بين الثالث والعاشر من فيفري القادم.

وإلى جانب أيام قرطاج لفنون العرائس، اختارت سلطة الإشراف عقد دورة استثنائية من مهرجان الأغنية التونسية سيكون محورها “المقاومة الفلسطينية” وذلك من الرابع عشر إلى السادس عشر من مارس المقبل، وما لا يمكن تفسيره هو المعايير التي تختار من خلالها وزارة الشؤون الثقافية عقد مهرجان وإلغاء آخر. كيف نلغي مهرجانا تضامنا مع قضية إنسانية ونعقد الآخر أيضا للتضامن معها؟ إلى حد الآن أكبر إلغاء كان لأيام قرطاج السينمائية، رغم أنه كان من الممكن إحداث تغييرات في برمجة الدورة الملغاة تراعي الأوضاع في غزة كما حدث ولا يزال يحدث مع مهرجانات أخرى.

وبالحديث عن الدورة القادمة من أيام قرطاج لفنون العرائس برر البعض انعقادها بأنها موجهة بنسبة أكبر للأطفال، وبأن الدولة تراهن عليها لإحداث حركية ثقافية وفنية تزامنا مع العطلة النصفية الأولى التي عادة ما يلجأ خلالها الأطفال إلى الترفيه وشحن طاقاتهم قبل العودة إلى الدراسة. وما يمكن أن يحسب لهذه الدورة، هو احتفاؤها بالمحواشي الذي يعد واحدا من أهم المتخصصين في فن العرائس ومن أشهر مصمّمي الدمى في الوطن العربي، وهو من بين أهم المؤسّسين لفن العرائس في تونس.

◙ المحواشي أحب العرائس فأحبته، وسخر عمره ليصنع حكايات ودمى تبني الأجيال، واستطاع أن ينال وعن جدارة لقب شيخ العرائسيين
◙ المحواشي أحب العرائس فأحبته، وسخر عمره ليصنع حكايات ودمى تبني الأجيال، واستطاع أن ينال وعن جدارة لقب شيخ العرائسيين

 بدأ الراحل تجربته الفنّية عام 1986، والتحق بالمركز الوطني لفنّ العرائس في تونس العاصمة منذ تأسيسه عام 1993، حيث عمل فيه لفترة قاربت خمسة وعشرين عاما. وخلال تجربته تلك، قدّم عددا كبيرا من الأعمال المسرحية كتابة وإخراجا وتمثيلا، من بينها “من العشق ما قتل”، و”الديناصورات”، و”أنا سندريلا”، و”السيّد والعبد”، و”الكسوة”، و”لقاء”، كما قدّم العديد من الورش التدريبية في صناعة وتحريك العرائس.وكان آخر أعماله مسرحية “ما يرواش”، وهي من “إنتاج المركز الوطني لفنّ العرائس”، ونص ودراماتورجيا وإخراج محمد منير العرقي.

أحب المحواشي العرائس فأحبته، وسخر عمره ليصنع قصصا وحكايات ودمى تبني الأجيال وتؤثر فيها، توجهها وتلقنها الحكم والقيم، فاستطاع أن ينال وعن جدارة لقب شيخ العرائسيين، الشيخ بما تحمله هذه الكلمة من معان، فهو شيخ حكيم علم ولم يتخل عن التعلم، حتى إنه شجع زملاءه المسرحيين على الخروج بعالم الدمى من الأعمال الموجهة للطفل إلى فضاءات أرحب تخاطب الفكر الإنساني وتستفز الكبار للتفكير في فلسفة الوجود، عبر عمل مسرحي عرائسي أثبت أنه من أهم ما أنتجه المسرح التونسي ألا وهو مسرحية “ما يراوش”.

وإلى جانب الأسعد المحواشي، تكرم النسخة الخامسة من المهرجان المؤلف والرسام والمخرج والمنتج التونسي المتخصص في صور الأطفال منصف الكاتب الذي رافقت أعماله أجيالا مختلفة من التونسيين. وقد لا يعرف غير المتخصصين منصف الكاتب، لكنهم سيدركون عبقريته إذا ما عرفوا إنتاجاته للتلفزيون، فهو كاتب للعديد من المسلسلات الكلاسيكية التونسية التي لا تزال تعرض منذ العشرات من السنوات، ومنها مسلسل “غالية”، وهو أيضا مخرج مسلسل “ضيعة محروس” الموجه للأطفال والذي لا يزال مؤثرا في تنشئة أجيال.

وستتنوّع البرمجة بين عروض للأطفال والكهول وإقامات فنية وورشات في صنع وتحريك العرائس ومعارض ومسابقات، منها ورشة “روح النخلة” التي يشرف عليها حسان المري. هذه الورشة تعتمد على بقايا النخلة من حطب وجريد لرسكلتها واستعمالها في صنع عرائس. بالإضافة إلى ورشات تصميم وصنع عرائس الطاولة، وعروسة القفاز للأطفال، وعرائس الفم المتحرك للأطفال وللكهول، والورشة النموذجية في مسرح خيال الظل والتي يشرف عليها

عامر المثلوثي، إلى جانب ورشات أخرى تحت إشراف مختصين وهم وليد الوسيعي ورجاء عطية من تونس وعبدالحميد حسني ومحمد فوزي بكار من مصر وجيهان اللجمي ونجيبة نوري وميساء السعيدي من أبناء المركز الوطني لفن العرائس بتونس. وبعد احتفائها بإسبانيا في الدورة السابقة، جاء دور إيطاليا وفناني العرائس الإيطاليين ليعرضوا أعمالهم أمام الجمهور التونسي، حيث تحل إيطاليا ضيف شرف هذه الدورة، وستقدم الفرق الإيطالية المشاركة للجمهور باقة من الأعمال المخصصة لجميع الأعمار.

وستستقبل هذه الدورة أكثر من 100 فنان عرائسي من تونس وخارجها، وستشهد البرمجة عروضا في محافظات تونس، في حين تعد جمهورها بتقديم 21 عرضا للأطفال و6 عروض للكبار، من 18 دولة بما في ذلك تونس وهي البرتغال، هولندا، المجر، إسبانيا، ألمانيا، اليونان، البرازيل، المملكة المتحدة، التشيك، فرنسا، إيطاليا، بولونيا، النمسا، المملكة العربية السعودية، العراق، الإمارات العربية المتحدة وسوريا.

◙ الدورة تستقبل أكثر من 100 فنان عرائسي من تونس وخارجها، وستشهد البرمجة عروضا في محافظات تونس

وتنظم الدورة الخامسة عروضها العرائسية و"الماستر كلاس" وورش العمل في مدينة الثقافة، وفي دار المسرحي في باردو، وفي قاعة الفن الرابع، وفي المسرح الوطني بالحلفاوين. ولفتت المديرة الفنية لأيام قرطاج لفنون العرائس شاكرة رماح إلى أن الدورة الخامسة للمهرجان ستتضمن أيضا معرضا لحرفيين ومؤسسات مختصة في صناعة العرائس، كما ستنظم مسابقة وطنية لتحريك العرائس في الثامن من فيفري المقبل.

وستكون تونس حاضرة بخمسة أعمال هي “ما يراوش” لمنير العرقي و"المنفى" لنادر بلعيد و”القرش اللطيف” لمحمد البرهومي و"معا نعيش" لعمر بن سلطانة و"جحا وعبابث الخرافة" لحبيب العياري، وفقا لوكالة تونس أفريقيا للأنباء.

ومن ميزات هذه الدورة الخامسة معلّقتها التي جاءت باللون البنفسجي وتضمنت عروسة صنعت خصيصا في المركز الوطني لفن العرائس لتكون في المعلّقة وهذه العروسة تشبه الطفل الفلسطيني يوسف الذي استشهد في القصف على غزة وعرفه العالم بـ"أبيضاني وحلو، وشعره كيرلي". ومن خلال هذه العروسة والحمامتين البيضاويتين حملت المعلّقة حسب تعبير مصممتها رسالة سلام إلى العالم واحتفت بالطفل الفلسطيني.

وبعثت أيام قرطاج لفنون العرائس لتكون نافذة مفتوحة على العالم تستقبل كل العرائسيين والمتفرجين انطلاقا من سن الطفولة المبكرة حتى الشيخوخة، فكل هذه الفئات العمرية يستهدفها فن العرائس وهو ما يرسخه المهرجان الذي يسعى لأن تكون عروضه للصغار والكبار على حد السواء. ويهدف هذا المهرجان الذي ينظمه المركز الوطني لفن العرائس أيضا إلى أن يكون واجهة للإنتاج المسرحي التونسي وفضاء للترويج لهذا الفن.

14