أول روبوت بخلايا جذعية قادرة على مواصلة الحياة

"كائنات حية" من صنع البشر قابلة للبرمجة وأداء وظائف كثيرة، وهي صديقة للبيئة وأكثر أمانا عند استخدامها في جسم الإنسان لكونها آلات بيولوجية.
الأحد 2020/01/26
روبوت زينوبوتس المكون من خلايا جذعية لأداء وظائف غير مسبوقة… تصميم الكمبيوتر والروبوت الحيوي الفعلي (الصورة: سام كريغمان جامعة فيرمونت)

دخلت آفاق صناعة الروبوتات ومحاكاة قدرات البشر وتداخل الوظائف والأدوار مرحلة جديدة هذا الأسبوع بعد الإعلان عن نجاح فريق من العلماء الأميركيين في “خلق” روبوت من خلايا جذعية ضئيلة الحجم قابلة للبرمجة والتوجيه لأداء وظائف غير مسبوقة.

الاختراق العلمي جاء من فريق علماء مشترك من جامعة فيرمونت وجامعة توفتس الأميركيتين، الذين استخدموا خلايا جذعية من ضفادع لتطوير “أول روبوت حي” يمكنه تجديد الخلايا ذاتيا.

جوشوا بونغارد: هذه آلات حية جديدة. ليست روبوتات تقليدية ولا نوعا معروفا من الحيوانات. إنها فئة جديدة من صنع البشر: كائن حي قابل للبرمجة
جوشوا بونغارد: هذه آلات حية جديدة. ليست روبوتات تقليدية ولا نوعا معروفا من الحيوانات. إنها فئة جديدة من صنع البشر: كائن حي قابل للبرمجة

الفريق العلمي أطلق على الروبوتات الضئيلة، التي يقل حجم كل منها عن ميلليمتر واحد، اسم زينوبوتس Xenobots وذلك في اشتقاق مباشر من اسم الضفدع الأفريقي ذي المخالب “زينوبوس لايفيس” الذي أخذ العلماء منه الخلايا الجذعية لتطوير الروبوتات الحيوية الجديدة.

وقد اختزل جوشوا بونغارد وهو أحد الباحثين البارزين في جامعة فيرمونت في بيان صحافي ذلك الفتح العلمي بالقول “هذه آلات حية جديدة… ليست روبوتات تقليدية ولا نوعا معروفا من الحيوانات. إنها فئة جديدة من صنع البشر: كائن حي قابل للبرمجة”.

ويسمح الحجم الضئيل للروبوتات الحية بأداء وظائف جديدة لم تكن في الحسبان مثل التنقل داخل الأجسام البشرية مع إمكانية برمجتها للمشي والسباحة، وهي قادرة على البقاء على قيد الحياة لمدة أسابيع دون طعام، والعمل معا في مجموعات لأداء وظائف معقدة.

كائن حي جديد

وقال العلماء إن روبوتات زينوبوتس هي “أشكال للحياة جديدة تماما” وأن كونها مصنوعة من الخلايا الجذعية التي هي خلايا غير متخصصة، يجعلها قادرة على التطور والتحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا بحسب الأدوار التي تقوم بها.

وقد تمت عملية تطويرها من قبل فريق العلماء على عدة مراحل، بدأت بانتزاع الخلايا الجذعية الحية من أجنة الضفادع، ثم تركها لتمر بمرحلة الحضانة. وقاموا بعد ذلك بقص الخلايا وإعادة تجميعها في أشكال جسدية محددة، تم تصميمها من قبل جهاز كمبيوتر عملاق لتأخذ أشكالا “لم يسبق لها مثيل في الطبيعة” على حد تعبير فريق العلماء

الضفدع الأفريقي زينوبوس لايفيس، مصدر الخلايا الجذعية لروبوت زينوبوتس الذي يعد بقفزة نوعية في الطب التجديدي وهزيمة الشيخوخة
الضفدع الأفريقي زينوبوس لايفيس، مصدر الخلايا الجذعية لروبوت زينوبوتس الذي يعد بقفزة نوعية في الطب التجديدي وهزيمة الشيخوخة

.

وذكر الباحثون أن الخلايا بدأت بعد ذلك في العمل بمفردها، حيث تجمعت خلايا الجلد لتشكل بنية الروبوت، في وقت سمحت فيه خلايا عضلة القلب للروبوت بالتحرك من تلقاء نفسه.

وأكدوا أن روبوتات زينوبوتس تمتلك حاليا القدرة على الشفاء الذاتي، حيث تمكنت من الالتئام الذاتي واستمرت في الحركة بعد أن قام العلماء بتقطيعها إلى أجزاء.

ولا تنطوي روبوتات زينوبوتس على أي مكونات مما تضمه عادة الروبوتات التقليدية، فهي لا تضم هيكلا خارجيا ولا أي مكونات معدنية أو بلاستيكية أو دوائر إلكترونية. وهي تبدو مثل قطعة صغيرة من اللحم الوردي المتحرك.

ويقول فريق العلماء الذي خلق تلك الروبوتات إن في ذلك يكمن سر اختراقها العلمي الفريد وأن ذلك التكوين هو ما كانوا يهدفون إليه. وأضافوا أن هذه “الآلة البيولوجية” يمكن أن تحقق أشياء وتقوم بوظائف لا تستطيع أي روبوتات نموذجية من الصلب والبلاستيك القيام بها.

روبوتات زينوبوتس الحيوية

*مكونة من خلايا جذعية وقابلة للبرمجة

* يمكن برمجتها لأداء وظائف عديدة

* يمكنها الشفاء الذاتي عند تمزقها

* نقل العقاقير داخل جسم الإنسان

* إصلاح العيوب الخلقية

* تحفيز الأنسجة وتطوير الطب التجديدي

* يمكنها إعادة برمجة الأورام الخبيثة

* إزالة الترسبات من شرايين البشر

* آلات بيولوجية أكثر أمانا للجسم

* دور واعد في بحوث هزيمة الشيخوخة

* قادرة على تنظيف النفايات المشعة

* جمع المواد البلاستيكية الدقيقة في المحيطات

وأشارت الدراسة التي نشرت هذا الأسبوع في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة إلى أن الروبوتات التقليدية “تتحلل بمرور الوقت ويمكن أن تنتج آثارا ضارة على البيئة والصحة”، في حين أن روبوتات زينوبوتس صديقة للبيئة وأكثر أمانا عند استخدامها في جسم الإنسان لكونها آلات بيولوجية.

وجرى تمويل البحوث التي قدمت لتطوير هذا الاختراق العلمي من قبل وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة في الدفاع (دي.أي.آر.بي.أي) وهي وكالة اتحادية تشرف على تطوير التقنية للاستخدام العسكري، تابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

وظائف غير مسبوقة

وذكرت الدراسة أن زينوبوتس يمكن أن تُستخدم في مجموعة واسعة من الوظائف والمهام، التي من بينها تنظيف النفايات المشعة وجمع المواد البلاستيكية الدقيقة في المحيطات ونقل الأدوية داخل الأجسام البشرية أو حتى السفر داخل شرايين البشر لإزالة الترسبات المسببة لتصلب الشرايين وغيرها من أمراض الأوعية الدموية. ويمكن لتلك الروبوتات أن تعيش في البيئات المائية دون وجود مغذيات إضافية لعدة أيام أو أسابيع، وهو ما يجعلها وسيلة ملائمة بدرجة غير مسبوقة لتوصيل العقاقير إلى الأعضاء التي تحتاجها داخل الجسم البشري.

ومن الخيارات التي تتيحها روبوتات زينوبوتس لفريق الباحثين تكوين أشكال بيولوجية محددة ثلاثية الأبعاد عند الحاجة وحسب الطلب، لكي يتمكنوا من إصلاح العيوب الخلقية، وكذلك إعادة برمجة الأورام وتحويلها إلى نسيج طبيعي.

كما يمكن أن تستخدم في تجديد الأنسجة بعد تعرضها إلى إصابات أو حالات تلف أو أمراض انتكاسية، بل يمكن أيضا أن يكون لها دور حاسم في البحوث التي تسعى لهزيمة الشيخوخة.

وتشير الدراسة التي نشرت بشأن هذا الاختراق العلمي إلى أن روبوتات زينوبوتس يمكن أن يكون لها “تأثير هائل على تطور الطب التجديدي، الذي يسعى إلى إعادة بناء الأنسجة وتحفيز التجديد في أجزاء الجسم لتعود إلى ذروة الشباب المطلقة”.

وذكر فريق العلماء أن روبوتات زينوبوتس لن تستطيع التكاثر، لكنها تتميز بأنها تأتي محملة مسبقا بمصدر غذائها من رواسب الدهون والبروتين، مما يسمح لها بالعيش لمدة تزيد قليلا على أسبوع. ويمكن أن يزيد عمرها إلى عدة أسابيع في البيئات الغنية بالمغذيات.

من المتوقع أن يكون الاستخدام الأكثر إثارة للروبوت الحيوي في السباق العلمي نحو تجديد الشباب قد ينتزع صدارة جميع السباقات العلمية والتكنولوجية، التي تتنافس لاستقطاب اهتمام جميع سكان العالم.

ويعد هذا المحور العلمي الأكثر لأنه لا يعد فقط بمعالجة معظم الأمراض، بل يعد ذات يوم بتجديد الجسد وإبقائه في شباب دائم، وهو ما يعني إطالة العمر لفترة قد لا تكون محدودة.

آفاق واعدة ومقلقة

مرونة حيوية لأداء وظائف غير مسبوقة (الصورة دوغلاس بلاكيستون – جامعة توفتس)
مرونة حيوية لأداء وظائف غير مسبوقة (الصورة دوغلاس بلاكيستون – جامعة توفتس)

كما يمكن أن يكون لهذا الاختراق العلمي دور في مشاريع تكامل الدماغ البشري مع الذكاء الاصطناعي، التي يتصدرها مشروع الملياردير المغامر إيلون ماسك، والتي تتنافس مع العديد من المشاريع الأخرى.

ينطلق ماسك في ذلك المشروع من تأكيده بأن الروبوتات الخارقة ستفكر حتما في التحكم بحياة البشر وأنها ستقضي علينا ذات يوم إن لم تتكامل عقولنا مع الذكاء الاصطناعي وترتبط بالكمبيوتر لنتمكن دوما من التفوق عليها.

ويمكننا ببساطة أن نتخيل وجود الكثير من المشاريع السرية، التي تقودها وتمولها أجهزة الاستخبارات ووزارات الدفاع وتعد من الأسرار القومية بسبب علاقتها بسباقات التسلح والتوازنات بين الدول العظمى.

وقد تكون هناك تجارب عسكرية من قبل دول شمولية لا تمنعها أي قواعد أو ضوابط قانونية أو أخلاقية عن خلق جنود خارقين لحماية الأمن القومي لتلك الدول وبقاء الأنظمة الحاكمة.

وتتعاظم الأهمية العسكرية للوصلات بين المخ والآلة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في وقت تتزايد فيه التحذيرات التي تطالب بتشديد الإجراءات التي تضمن التحكم البشري في كل الأوقات على هذه التكنولوجيات.

وفي الخلاصة فإن الاختراق الذي تمثله روبوتات زينوبوتس يمكن أن يفتح آفاقا لا حصر لها لتداخل الآلة بجسد الإنسان.

17