"أولاد بسم الله"

وحدث أني ركبت في المترو في ليلة من الليالي.
وقادتني الصدفة إلى الجلوس مقابل امرأة. فجأة بعد انطلاق المترو الذي كان فارغا إلا من بعض الأشخاص يجلسون متباعدين، تملّكت المرأة حالة غريبة.. ظننت أنه سيغمى عليها فسألتها “هل أنت بخير” لتنطق المرأة فجأة “هناك جيش من أولاد بسم الله معك”.
صعقت لوهلة.. لكني انخرطت في نوبة ضحك وقلت “نشاءالله لباس″.
عدت إلى بيتي وأنا أفكر في “أولاد بسم الله” هؤلاء الذين لم أؤمن بهم يوما. يؤمن التونسيون في غالبيتهم بوجود أولاد بسم الله، بينهم الذي يرجح أنهم يقصدون بهم الجن.
المهم أمضيت ليالي وأنا أتخيل “أولاد بسم الله” يقفزون فوق سريري أو يأكلون من طبقي.
وسرعان ما أصبح الأمر مثيرا للسخرية، أصبحت أركب سيارتي وأترك الباب مفتوحا لبرهة ليركبوا جمعيا وأتخيل أن المكان لا يتسع لهم جميعا لكثرتهم وأنخرطُ في نوبة ضحك.
لكن ما هذا الجنون.. لقد وصل الأمر حد مخاطبتهم أحيانا “هيا اظهروا”.
تحوّل الأمر من موقف ساخر إلى تمني الحصول على قوى أولاد بسم الله الخارقة.
الحقيقة أن حلم إيمان حصول البشر على قدرات خارقة حلم قديم قدم خطيئة آدم وحواء الأولى.
قادتني الصدفة إلى قراءة أجزاء من كتاب كارل ويكلاند أستاذ التشريح بجامعة إلينوي “ثلاثون عاما بين الموتى” الذي احتوى حوارات عديدة تمت عن طريق جلسات تحضير “أولاد بسم الله”.
مثل تلك الظواهر وغيرها تندرج تحت علم حديث يسمى “باراسيكولوجي”. يبدو الاسم في ظاهره مثيرا.
ويعرف باراسيكولوجي على أنه العلم الذي يهتم بدراسة ظواهر ما وراء الطبيعة وعلوم ما وراء العقل والعلوم الروحية.. أو الخوارق باختصار.
يؤكد ويكلاند في كتابه أنه وجد أشخاصا لهم قدرة وسائطية وهي قابلية لاستقبال الأرواح في أجسادهم وقد سماهم “الوسيط الروحي”.
وخلص العالم إلى أن هذا الوسيط الروحي لديه قدرات خاصة لأنه أصبح وسيطا بين عالمي الجن والأنس، فتظهر عليه قدرات عالم آخر هو عالم الجن.
وكل وسيط له قدرة معينة تزيد أو تقل حسب الزمن أو الظروف المحيطة به.
مع ذلك.. ومع كل هذا التطور مازال الباراسيكولوجي محل نزاع وجدال ونقد.
ولم يزل هناك الكثير من الناس الذين يعتقدون بأن كل هذا محض صدف وكذب وهرطقة.
وعلى الجانب الآخر نجد من يعتقد يقينا بوجود تلك الظواهر الخارقة.. وهناك من جنّد أموالا طائلة بلغت الملايين من الدولارات لكل من يأتي بنتيجة بحث تثبت علمية ذلك.. وقد وصل الأمر إلى تدخل مخابرات عالمية للقيام بتجارب لا تزال محلّ سرية تامة.
الحقيقة أن لا حقيقة مطلقة في عالمنا، هناك أشياء كثيرة تتجاوز المنطق وقدرتنا على الفهم.