أولاد الحفيانة

الترجمة الحرفية تعني “أبناء حافية القدمين”، لكن الدلالة الاجتماعية تختلف فحافية القدمين، وفق قصيدة نزار قباني التي غناها كاظم الساهر، ترسم صورة لامرأة بورجوازية “ترقص حافية القدمين”، فيما تعني “الحفيانة” بالاصطلاح المحلي التونسي المرأة الفقيرة التي تكابد لأجل تمكين أبنائها من النجاح في الحياة، وهي عادة تنتمي إلى المناطق المهمشة التي أغفلتها الدولة الوطنية قبل الثورة وبعدها.
“أولاد الحفيانة” باتوا الآن في مواقع متقدمة بالدولة، لكنهم يشعرون أنهم دائما مستهدفون، وتسكنهم نظرية المؤامرة. في كل خطوة يرون أمامهم صورة أحد البورجوازيين من سكان الساحل أو بلْدية العاصمة (السكان الأصليون) يتآمر عليهم، ويفتك مكانا هم أجدر به، كما أن الدولة تعاديهم، ولهذا تجدهم أول من يتظاهر ضدها بمناسبة وغير مناسبة.
كما أنهم يعاملون رجال الشرطة كأعداء لكونهم يمثلون الدولة ويتمثلون عنفها وعجرفتها، رغم أن هؤلاء أغلبهم من أبناء “الحفيانة”. وللمناسبة، فتونس احتفت الجمعة بعيد حرق محمد البوعزيزي لنفسه منذ عشر سنوات بسبب “إهانة” قيل إن شرطية وجهتها إليه.
وانطلقت شرارة “ثورة البوعزيزي” من سيدي بوزيد لتمتد إلى مدن الداخل الأخرى وتتحول إلى ثورة على الدولة المركزية التي يقولون إنها تحتقرهم وتذلهم ولا تهتم لأوضاعهم.
وهذه العقدة تأسست منذ ثورة علي بن غذاهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين جمع من حوله القبائل ليثوروا على مخلفات الحكم العثماني رافضين دفع الجباية للباي والخضوع لسلطته. وبن غذاهم هذا من قبيلة (عشيرة) ماجر البربرية التي كانت تتمركز بالمناطق الجبلية الوعرة لتكون بمنأى عن سلطة الدولة. ونجح الباي في اعتقاله وسجنه في كراكة حلق الوادي الشهيرة إلى أن توفي فيها.
عاد الجدل مؤخرا عن هذا الصراع بعد الإعلان عن أسماء الولاة (المحافظين) وبقية المسؤولين المحليين، وضمت القائمة أعدادا من “أولاد الحفيانة”. وثار النقاش بسبب أن بعضا من الولاة الذين تم اعتمادهم ليست لديهم خبرة في الإدارة والقيادة، والأصل في اختيار مثل هذه الوظائف أن يكونوا من مدرسة متخصصة بتخريج كفاءات الدولة.
وقوبل هذا الاحتجاج بموجة غضب من “أولاد الحفيانة” الذين كانت حجتهم أن الدولة كانت تمنعهم من هذه المناصب في السابق فكيف لهم أن يمتلكوا الخبرات، معتبرين أن الأمر ليس سوى مؤامرة لإرباك أي سلطة تريد الرهان عليهم.
عقدة “أولاد الحفيانة” في مواجهة “بوصباط” (صاحب الحذاء)، كناية عن المسؤول الغني والقوي بسلطة الدولة، ستظل العقدة التي تمنع تونس من أن تستقر وتتطور ما لم تفكها، وتتصالح مع المناطق المنسية بعيدا عن ثنائية سلطة الساحل ورعية الهامش.