أوقات الأزمات.. بقعة الضوء التي تكشف أهمية الأحلام في حياتنا

أنماط الحلم تتوافق مع جوانب الصحة العقلية والبدنية، حيث تشير الأحلام إلى حالة الشخص إذا ما كان يعاني من الاكتئاب.
الجمعة 2018/06/01
عندما نعاني من القلق نتشبث بأحلامنا
 

يواجه علماء النفس العديد من القيود في تفكيك رموز الأحلام، خاصة في الأسلوب الذي يعتمد على تفسير الكلمات وإسقاطاتها على حياة الفرد في الواقع. ومع ذلك، هناك خطوط عامة وإشارات شبه متفق عليها في ما يتعلق بدلالة مجموعة من الكلمات أو الإيحاءات التي ترد في أحلام الناس والتي يمكن اعتمادها كمدخلات موثوقة لولوج عالم تفسير الأحلام حتى إذا كان ذلك في حدود ضيقة، يمكننا أن نعتمدها باعتبارها أبسط الطرق وأكثرها وضوحا لتأويل ما تنطوي عليه الأحلام من أحداث وشخوص ورموز تتعلق بحياة الناس في اليقظة.

من غير المستبعد أن تكشف لنا الدراسات المستقبلية عن وسائل أكثر تطورا لاستشفاف مستويات أعمق من المعاني والدلالات التي ترد في الأحلام. ومثل بقية أهل الاختصاص، يرى د. كيلي بولكيلي عالم نفس في ولاية كاليفورنيا الأميركية ومدير برنامج قاعدة بيانات “النوم والأحلام”، وهو أرشيف رقمي ومحرك بحث مصمم خصيصا لتعزيز الأبحاث العلمية في مجال الأحلام، أن أسلوب استخدام تقنيات بحث من هذا النوع للبحث عن كلمات لغرض تحديد أنماط ذات معنى في أحلام الناس، قد يسمح للآخرين بإعادة اختبارها والتحقق منها.

وفي بحث تجريبي قام به بولكيلي مؤخرا في هذا المجال، تم تحديد أكثر الإشارات التي ترد في الأحلام قوة ومعنى والتي يمكن أن تتطابق مع وقائع وأحداث أوقات اليقظة في حياة الناس، أهمها تلك المتعلقة بالشخصية، العلاقات الاجتماعية والثقافة.

أما في ما يتعلق منها بالشخصية، فقد أظهرت نتائج البحث بأن الأحلام تعكس بدقة النشاط الرئيس للفرد ومهنته الحقيقية؛ فإذا كان هذا الشخص معلما، كاتبا، طبيبا، مهندسا، طالبا أو جنديا، فإن هذا قد يظهر مباشرة من خلال محتوى الحلم فقط، في حين، تتوافق أنماط الحلم مع مختلف جوانب الصحة العقلية والبدنية حيث تشير الأحلام إلى حالة الشخص إذا ما كان يعاني من اكتئاب أو قلق، عندما يعاني من إصابة أو صدمة أو عندما يواجه المرحلة التي ستنتهي فيها حياته قريبا، ولعل هذه النقطة تحديدا تحوي الكثير من الأمثلة التي سمعنا عنها ربما من أشخاص مقربين، شهدوا نهاية حياتهم بالكيفية والتوقيت اللذين أشارت إليهما أحلامهم في فترة قصيرة سابقة على موتهم، كما أن هناك علاقة ما قد تبدو قوية في بعض الحالات بين ظهور تعبيرات خاصة بالموت في حلم الإنسان وبين ما يواجهه من مخاوف في يقظته تتعلق بالموت تحديدا.

فضلا عن ذلك، فإن بعض جوانب الشخصية يمكن أن تنعكس بدقة في الأحلام سواء أكانت اجتماعية، متوازنة، أو مضطربة بما في ذلك المزاج العاطفي. كما تعكس مشاهد الحلم العلاقات الاجتماعية الأكثر أهمية في حياة الإنسان.

ويؤكد بولكيلي أن تكرار ظهور شخص معين في أحلامنا، قد يزيد من احتمالية وجود علاقة عاطفية تربطنا به، سواء أكان هذا الشخص موجودا وقريبا في الحياة الواقعية أو غير موجود، وبصرف النظر عن مشاعرنا تجاهه، سلبية كانت أم إيجابية، حيث أن الوقوع في الحب والعلاقات الرومانسية عموما له بصمة واضحة في محتوى الأحلام.

صورتنا الداخلية عما نكونه أو نحسه إنما نجدها معكوسة بشكل أو بآخر في أحلامنا
صورتنا الداخلية عما نكونه أو نحسه إنما نجدها معكوسة بشكل أو بآخر في أحلامنا

إلى ذلك، تظهر الاهتمامات، الهوايات وأسلوب العيش بوضوح ضمن إشارات ورموز الحلم؛ فالأشخاص الذين يستمتعون بالقراءة، ممارسة الرياضة، الاستماع إلى الموسيقى أو عزفها، ممارسة الفن التشكيلي أو ارتياد المسرح وقاعات السينما، قد يجدون توارد صور وأحداث تتعلق باهتماماتهم هذه ضمن نطاق أحلامهم، حيث يظهر كل ما هو متعلق بممارسات اليقظة في صورة حلم مواز إلى حد ما وربما مطابق تماما للواقع، كما قد يستمع البعض إلى قطع موسيقية أو أغان بعينها لتكون خلفية لأحداث الحلم، وهي الموسيقى ذاتها التي يحبها في الواقع.

وهناك أحلام تتعلق بالاعتقادات الدينية والمخاوف المتعلقة بعالم الروحانيات، وبعض الناس تكشف أحلامهم عن جزء كبير من تعمقهم في التقاليد الدينية، في حين تعكس أحلام البعض الآخر طبيعة علاقتهم بالتقاليد الدينية فتظهر فضولهم، ثم مشاعرهم الانتقائية في هذا الخصوص والتي تشير في الحقيقة إلى مستوى منخفض من الاهتمام بالدين في حياة اليقظة.

ومن جانبها، ترى د. روزاليند كارترايت؛ أستاذة ورئيسة قسم علم النفس والمتخصصة في دراسات النوم والأحلام وحركة العين السريعة في كلية طب لوقا في جامعة أكستر البريطانية، أنه في أوقات الأزمات، يسلط الضوء أكثر على الوظيفة المهمة التي تلعبها الأحلام في حياتنا، فالأحداث التي نعتبرها إيجابية أو سلبية، التي تحدد بدايات الأشياء أو نهاياتها لا فرق، كلها توجه ثقلها إلى نظام الأحلام في حياتنا، فعندما نخسر وظيفة، نعقد صداقة، نشتري منزلا أو أن نمر بأي تغيير كان في حياتنا في الواقع، فإن صورتنا الداخلية عما نكونه أو نحسه إنما نجدها معكوسة بشكل أو بآخر في أحلامنا.

وطالما كنا نواجه صراعا نفسيا في حياتنا الواقعية، فنحن نلجأ في الغالب إلى الأحلام، لا إراديا، لنعيد ترتيب الأحداث ربما أو لنبحث عن ذكرياتنا أو آمالنا البعيدة في محاولة للتأقلم مع التغيير الذي حصل في حياتنا في اليقظة، فنحن أكثر عرضة للتشبث بأحلامنا طالما نعاني من القلق وعدم الاستقرار النفسي، أما إذا كانت حياتنا تسير بشكل سلس فإن الأحلام نادرا ما تطرق أوقات نومنا أو أنها قد تأتي بشكل سلس وهادئ، كما هي حياتنا في اليقظة.

ويؤكد ميلتون كريمر الباحث الأميركي في علم الأحلام، أن الحلم السيء يشبه ارتفاع درجة حرارة جسد الإنسان، وهو أحد الأعراض التي تدل على أن هناك خطأ ما أو أن الأمور لا تسير على ما يرام، فهو إشارة استغاثة ورسالة رمزية من عقلنا النائم (اللاوعي) إلى عقلنا المستيقظ (الوعي)، ومن الخطر بمكان أن نهملها فضلا عن تجاهل محتواها ورموزها.

21