أوساط حقوقية تستنكر الحملة الواسعة ضد تقرير لجنة الحريات في تونس

  الاتحاد الوطني للمرأة يندد بالتعصب الأيديولوجي، واتهامات رجال الدين تهدد بإفشال الإصلاحات الاجتماعية والتشريعية.
السبت 2018/06/23
الدفاع عن الحريات.. معركة مستمرة

تونس -  استنكرت أوساط حقوقية في تونس الهجمة التي تتعرض لها لجنة الحريات الفردية والمساواة المكلفة منذ صيف 2017 بالنظر في ملف الحريات في تونس، واعتبرت حملة الإدانة الموسعة التي تتعرض لها اللجنة محاولة لإفشال إصلاحات اجتماعية وقانونية تضمنها تقريرها الأخير.

وفي الوقت الذي أشاد فيه حقوقيون بمقترحات اللجنة الأخيرة مثل إلغاء الإعدام ومنع استخدام حرية التعبير للدعوة إلى الكراهية وإلغاء التمييز في الجنسية وفي الميراث وعدم تجريم المثلية الجنسية ورأوا أنها تعزز التجربة الديمقراطية بالبلاد، يرفض رجال الدين والمحافظون هذه المقترحات بشدة واعتبروها استهدافا لكل ما جاء به فقهاء الشريعة الإسلامية.

ونشرت اللجنة في 8 يونيو الجاري تقريرها الذي جاء في 230 صفحة متضمنا مقترحات لتنقيح المبادئ المستلهمة من الشريعة الإسلامية والمعتمدة في الدول العربية والإسلامية ومشاريع قوانين جاهزة لإحالتها على البرلمان. ومن المواضيع الحساسة التي تطرق إليها التقرير، إلغاء مدة العدّة بالنسبة للمطلقات والأرامل اللواتي يردن الزواج من جديد، وينص مقترح اللجنة في هذا الصدد وفي خطوة أولى على إلغاء هذه المدة في حالتي فقدان الزوج أو وفاته قبل عملية البناء.

وشكّل إلغاء التمييز في المواريث أحد أهم مقترحات التقرير الذي وصفه الخبراء بأنه “ثورة قانونية” بالنسبة للبنت في حال وجود ابن وضمان المساواة بينهما. وأقر أعضاء اللجنة في تصريحات لوسائل الإعلام بأن دستور 2014 ساعدهم كثيرا في صياغة المقترحات وخاصة أنه ينص على حرية الضمير والمعتقد. لكن بمجرد الإعلان عن مضامينها تعرضت اللجنة إلى انتقادات لاذعة، رغم مساعي تونس للحفاظ على حرية التعبير. ويقول المراقبون إن الأحزاب الدينية وموجة الإسلام السياسي التي اجتاحت البلاد بعد ثورة يناير مسؤولة عن حالة التعصب الفكري ورفض الاختلافات.

وأدان الاتحاد الوطني للمرأة التونسي الخميس الحملة التي تتعرض إليها لجنة الحريات الفردية والمساواة، واستنكر “عودة الخطاب التكفيري والسّلوكات التحريضية والأفكار المتطرفة الدّاعية إلى الكراهية والتعصّب للرأي الواحد”، مشددا على أن “هذه الممارسات من شأنها أن تضرب الحريات الفردية والحق في الاختلاف في الرأي وتروّج لانتشار العنف بجميع أشكاله”.

راضية الجربي: نرفض أن تتعرض الحوارات الفكرية إلى التهديد الذي يشجع على العنف
راضية الجربي: نرفض أن تتعرض الحوارات الفكرية إلى التهديد الذي يشجع على العنف

وقالت راضية الجربي رئيس الاتحاد الوطني للمرأة لـ”العرب” إن  “الاتحاد يرفض أن تتعرض الحوارات الفكرية إلى التهديد”، مشيرة إلى أن “الخطابات التحريضية ستعيدنا إلى مربع العنف”.

وكانت تنسيقية دينية في تونس رفضت ما جاء في تقرير للجنة الحريات التي أطلقها الرئيس الباجي قايد السبسي بهدف مراجعة قوانين ترتبط بالميراث والحريات ومسائل أخرى دينية ووصفت مقترحات اللجنة بـ”الإرهاب الفكري”.

ووصفت التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة، المبادرة الرئاسية “بالفتنة” واعتبرت ما جاء فيها معاديا للإسلام. وقال نورالدين الخادمي الوزير السابق للشؤون الدينية وعضو التنسيقية “المبادرة مركبة ومعقدة. ولا يمكن للجنة تتكون من عدد محدود من الأعضاء أن تبت فيها لوحدها”.

وتابع الخادمي “المبادرة ذات أرضية دينية باعتبارها ترتبط بالقرآن والعدة والسنة والطلاق والميراث، نحن ندعو المفتي إلى أن يكون له موقف واضح وألا يلتزم الصمت”. ومن جهتها اعتبرت فاطمة شقوت أستاذة بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية أن ما تضمنه التقرير من مقترحات خطيرة فيه تطاول على القرآن الكريم واصفة إياه بـ”تقرير المساواة بين الفضيلة والرذيلة”، غير أن المفكر عبدالمجيد الشرفي صرح بأن اللجنة أجرت لقاءات مع الزيتونيين لكنها لم تلمس أي رأي اجتهادي مضيفا أن كل ما قد رصده هو “اجترار للإرث الفقهي”، ملاحظا أن اللجنة “راعت المواقف الدينية من مسألة الحريات الفردية”.

ووفقا لتصريح صحافي لعضو اللجنة إقبال الغربي تعتبر لجنة الحريات أن مقاربتها “ليست معاكسة لروح الإسلام ولا يوجد تأويل وحيد للقرآن وقد انتهجنا قراءة تقدمية”.

وانتهجت اللجنة طريقة عمل تشاركية إذ خضعت مقترحاتها إلى استشارة العديد من القوى السياسية والقوى المدنية والنشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ونخبة من الباحثين في علم الاجتماع والعلوم السياسية وأساتذة جامعة الزيتونة. وعبرت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة، بشرى بلحاج حميدة عن استيائها من صمت الأحزاب والنخب السياسية إزاء ما تتعرض له اللجنة.

وقالت بلحاج حميدة لإذاعة محلية خاصة إن حركة النهضة هي الحزب السياسي الوحيد الذي تفاعل مع تقرير الحريات. ودعت باقي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني على هامش ندوة لتقديم التقرير، إلى التفاعل مع التقرير بالنقد والمقترحات والنقاش.

وتؤيد مجموعة من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان مقترحات اللجنة. وأكدت 34 منظمة وجمعية منضوية صلب “التحالف المدني من أجل الحريات الفردية” دعمها لما تضمنه لمختلف مقترحات التقرير واصفة إياها بـ”مقترحات تشريعية لافتة ومعززة للديمقراطية وللدولة المدنية”. وأكدت الجربي تشبث الاتحاد النسائي بدعم التقرير.

ورأت أنه خطوة جديدة لتعزيز مكاسب المرأة التونسية وتكريس الحقوق الفردية. واعتبرت التقرير بمثابة ثورة ثقافية بعد ثورة الحرية التي خاضها التونسيون في 2011.

ولجنة الحريات الفردية والمساواة تم إنشاؤها في 13 أغسطس من العام 2014 تم تكليفها بتقديم إصلاحات تشريعية تتعلق بالحريات الفردية بناء على مرجعية الدستور المدني لعام 2014.

وتتكون اللجنة من 9 شخصيات يعدون من كبار المفكرين التونسيين مثل عبدالمجيد الشرفي ونشطاء المجتمع المدني مثل صلاح الدين الجورشي وبشرى بلحاج حميدة ودرة بوشوشة ومن أخصائيين في القانون الدستوري مثل سليم اللغماني وأخصائيين في الفكر الإسلامي والشريعة وأصول الدين مثل إقبال الغربي.

4