أوبرا دمشق تحتفي بمطربة "العيون السود"

شام كردي تغني وردة التي جمعت بفنها بين المغرب العربي ومشرقه.
السبت 2021/11/13
شام كردي تطرب الجمهور السوري بأعذب أغاني وردة

ظهرت الفنانة الراحلة وردة الجزائرية مع جيل عمالقة الفن العربي، وساهمت في رسم مزاج الفن العربي الغنائي عموما، ونافست مع غيرها لتتبوأ مكانة مرموقة. عملت مع كبار المبدعين، وتنقلت بين أنواع الفنون من غناء وسينما ومسرح وتلفزيون. الفنانة التي غادرت عالمنا منذ نحو تسع سنوات كانت مكرّمة حديثا في أوبرا دمشق، حيث حضرت بتاريخها الغنائي المشرق عبر صوت الفنانة السورية شام كردي.

دمشق - احتفت دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) مؤخرا بالسجل الغنائي الزاخر للفنانة الراحلة وردة الجزائرية، وذلك من خلال حفل تكريمي لمطربة “العيون السود” قدّمته الفنانة السورية شام كردي بمرافقة موسيقية من فرقة قصيد الأوركسترالية بقيادة المايسترو كمال سكيكر. وكان مخطّطا تقديم الحفل منذ أشهر في الذكرى التاسعة لوفاة وردة (22 يوليو 1939 - 17 مايو 2012)، لكن تم تأجيله إلى نوفمبر الجاري بسبب جائحة كورونا.

وشام كردي فنانة سورية تعوّدت غناء الطرب الأصيل، وقدّمت على امتداد العديد من السنوات حفلات غنائية كرّمت فيها قامات فنية عربية كبيرة مع الموزّع الموسيقي والمايسترو السوري كمال سكيكر، حيث قدّما الحفل الأخير محتفييْن بالفن الجزائري والمصري خصوصا والعربي عموما عبر مجموعة من الأغاني الشهيرة لوردة بدءا من لحنها الاحترافي الأول “دق الحبيب دقة” وصولا إلى اللحن الشهير “حرّمت أحبك”.

سجل غنائي متنوّع

وردة الجزائرية عرفت معنى الثورة وهي طفلة، وعانقت المجد طويلا بصوتها الطربي، كما تألقت في السينما والدراما التلفزيونية

غنّت الفنانة السورية في الحفل أغنية “دق الحبيب دقة” من زجل محمد علي فتوح وألحان محمد محسن، ثم “اسأل دموع عنيّ” من زجل صالح جودت وألحان محمد عبدالوهاب، تلتها أغنية “بيسألوني عنك” من كلمات عبدالوهاب محمد وألحان سيد مكاوي، ثم “العيون السود” من تأليف وألحان بليغ حمدي، ثم “وحشتوني” لسعيد موسى وبليغ حمدي، و”شعوري نحيتك” لعبدالوهاب محمد وسيد مكاوي، وأخيرا “حرّمت أحبك” لعمر بطيشة وصلاح الشرنوبي. كما قدّمت الفرقة موسيقى أغنية “في يوم وليلة” لمحمد عبدالوهاب.

وظهرت كردي في غنائها لروائع وردة بحضور واثق منذ تقديمها اللحن الأول “دق الحبيب دقة” الذي لا يعرفه جمهور الفنانة الراحلة كثيرا، ولكنه لحن يتميّز بحالة طربية ووجدانية خاصة، ثم قدّمت “اسأل دموع عنيّ” الذي يعرفه الجمهور “السمّيع”، وكانت حالة تفاعل الجمهور تتصاعد كلما اقتربت كردي من الأغاني الشهيرة لوردة.

ومع أغنية “بيسألوني عنك” صار الجمهور أكثر حيوية وبلغ التفاعل مداه في “العيون السود” ثم “وحشتوني” وصولا إلى آخر إنتاجات وردة الغنائية، وهي “حرّمت أحبك” التي توجّهت من خلالها إلى جمهور الشباب متخلية نسبيا عن حالة الطرب التي كانت تقدّمها منذ بداياتها.

وتقول شام كردي لـ”العرب” عن حفلها والأجواء التي أحاطت به “كنت سعيدة بالحفل، كوني أقدّم تكريما لقامة فنية عربية كبيرة وهي التي لها الكثير من العشاق في سوريا والعالم العربي، كان التكريم لفنها الذي قدّمته عبر مسيرة طويلة قدّمت خلالها أنواعا من الفن الجميل، ويسعدني أنني الأولى التي تكرّم الفنانة وردة في سوريا”.

وعن طبيعة البرنامج الغنائي الذي قدّمته في الحفل وامتداده على مسيرة حياة وردة  الكاملة بيّنت الفنانة السورية “حاولت أن أغني ما قدّمته وردة خلال عمرها الفني كله لكي يكون الجمهور على اطلاع على التغيّر والتطوّر. وردة الجزائرية فنانة كبيرة قدّمت أغاني كثيرة، ولو كرّمناها كل سنة فإن ذلك لا يكفي، لأنها قدّمت الكثير من الأغاني، أتمنى أن يحضّ هذا التكريم غيري من المغنيات على تقديم غنائها بشكل أو بآخر، لأنها فنانة كبيرة وتستحق ذلك”.

وعن تفاعل الجمهور معها تقول “تفاعل الجمهور بالشكل الذي كان عليه في الحفل يحمّلني مسؤولية كبيرة، ويجعلني متأكّدة من أنه لا بد من تقديم المزيد من العمل لكي نصل إلى أفضل النتائج لترسيخ هذه القامات الكبيرة، وتقديم هذه الحفلات هو وسيلة هامة لكي يبقى هؤلاء الكبار في بال المتلقي تقديرا لما قدّموه من فن نبيل وأصيل”.

نجومية عربية

تكريم سوري لقامة غنائية عربية مرت بدمشق
تكريم سوري لقامة غنائية عربية مرت بدمشق

الكثير من الجمهور العربي يعرف وردة الجزائرية التي تنتمي إلى جيل المطربات العربيات اللواتي قدّمن الفن الأصيل بشكله الطربي الأصيل، وهي التي ظهرت في زمن أم كلثوم مع مطربات أخريات مثل سعاد محمد وشهرزاد وفائزة أحمد وليلى مراد وشادية وغيرهنّ.

ومنذ طفولتها عاشت وردة حياة خاصة تقاذفتها يد القدر فيها نحو العديد من الاتجاهات؛ ففي الجزائر كانت تنقل مناشير الثوار ضد الاحتلال الفرنسي دون أن تعي خطورة هذا الأمر على حياتها ومستقبلها، حيث عمل والدها على اتباع هذه الوسيلة لكي يتجاوز رقابة الاحتلال وأعوانه.

وعندما اكتشف أمر مساندته للثوار وإخفائه السلاح في بيته حكم على كليهما بالإعدام، وهي التي تحمل الجنسية الفرنسية وولدت في باريس، فما كان من العائلة سوى الهرب إلى لبنان.

وتعوّدت الفتاة الصغيرة الموهوبة قبل هذه الحادثة الغناء في فندق والدها في باريس، حيث كانت تغني لمشاهير الطرب العربي، وهناك لفتت نظر الإذاعي الجزائري أحمد التيجاني مشلاف الذي كان يعمل مديرا للبرامج في إذاعة فرنسية موجهة للشرق العربي، فطلب من والدتها تقديم برنامج غنائي معه. ودرّبها على الغناء الفنان التونسي الصادق ثريا وكانت أغنية أم كلثوم “سلوا قلبي” أول ما تعلمته.

شام كردي: لو كرمنا وردة الجزائرية في كل عام، فإن ذلك لا يفي قيمتها الفنية

ولاحقا اصطحبتها والدتها التي تتحدّر من أصول لبنانية إلى بيروت وهناك بدأت العمل، فاستمع لها الملحن السوري محمد محسن الذي اصطحبها معه عام 1959 إلى دمشق لتقدّم عدة أغان في إذاعة دمشق، ثم قدّم لها أول لحن احترافي من زجل محمد علي فتوح حمل عنوان “دق الحبيب دقة”.

وخلال إقامتها في دمشق قدّمها محسن لصاحب ملهى “إشبيلية”، وطلب منه أن تغني فيه دون أجر، فإن نجحت الحفلات تعاقد معها. وقدّمت وردة عشر حفلات متتالية جذبت الجمهور إليها، والذي بات يحضر حفلاتها بزخم، فسارع صاحب الملهى إلى التعاقد معها، وقدّم لها محسن لاحقا العديد من الأغاني.

ومع تنامي مدّ الثورة الجزائرية قدّمت وردة أغنية “كلنا جميلة” التي تتغنّى بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، والتي ألفها ميشيل طعمة ولحنها عفيف رضوان، قالت فيها: “جميلة.. جميلة/ كلنا جميلة.. البطلة النبيلة.. كلنا فداها/ سجن الأعادي بطلة بلادي/ وظنوا جميلة لا يوجد سواها/ كلنا جميلة.. كلنا فداها.. كلنا جميلة”.

سمع الأغنية كل العرب من خلال إذاعة دمشق، وسمع عنها الرئيس جمال عبدالناصر لاحقا، وصادف أن التقت خلال الفترة ذاتها الفنان محمد عبدالوهاب في لبنان فقدّم لها لحن “خد عيوني وقلبي”.

وفي بداية ستينات القرن العشرين كان بدء مرحلة البث التلفزيوني في الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا). وكان من ضمن تحضيرات إطلاق البث تقديم أوبريت “وطني الأكبر” الذي وضع شعره أحمد شفيق كامل ولحنه محمد عبدالوهاب، وقُدّم عبر مجموعة من المطربين العرب، وهو النشيد الذي كان قُدّم سابقا في احتفالية إنشاء السد العالي.

وعندما سمع الرئيس عبدالناصر بأغنية “كلنا جميلة” التي أُهديت إلى الثورة الجزائرية طلب إضافة مقطع خاص بوردة الجزائرية كتحية للثورة الجزائرية، وهو ما تمّ، وقدّمت وردة الأوبريت بمشاركة عبدالحليم حافظ وصباح وشادية ونجاة الصغيرة. كذلك قدّمها حلمي رفلة المنتج السينمائي الشهير في السينما من خلال فيلم “ألمظ وعبدو الحامولي” في أول ظهور سينمائي لها.

الحفل احتفى بالسجل الغنائي لوردة، بدءا من أولى أغانيها “دق الحبيب دقة” وصولا إلى آخر إنتاجاتها “حرّمت أحبك”

وبعد انطلاقة قوية في المشرق العربي، وخاصة في مصر، ولظروف شخصية ابتعدت وردة الجزائرية عن الغناء لعدة سنوات حيث تزوّجت وأنجبت ولديها. وفي الذكرى العاشرة للاستقلال عام 1972 طلبها الرئيس الجزائري هواري بومدين للغناء في احتفالات الدولة الكبرى، وهو ما مثل بداية عودتها إلى الغناء.

وبعد انفصالها عن زوجها عادت إلى الغناء مجدّدا وارتحلت إلى مصر، فارتبطت فنيا وشخصيا بالفنان بليغ حمدي وشكّلت معه ثنائيا عربيا خالدا، وقدّما معا العشرات من الألحان التي بقيت حاضرة في وجدان الجمهور العربي العريض.

وقدّمت وردة الجزائرية المئات من الأغاني العربية وتعاملت مع كبار الملحنين، من بينهم رياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمد القصبجي ومحمود الشريف ومحمد محسن ومحمد فوزي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل وحلمي بكر، ومن الشعراء: بيرم التونسي وعلي مهدي وحسين السيد وعبدالوهاب محمد وأحمد شفيق كامل ومحمد علي فتوح وعمر بطيشة.

وإلى جانب تقديمها العديد من الأعمال الغنائية قدّمت أفلاما سينمائية على غرار “أميرة العرب” و”حكايتي مع الزمان” و”صوت الحب” و”آه يا ليل يا زمن” و”ليه يا دنيا”، وقدّمت للتلفزيون مسلسلات “أوراق الورد” و”آن الأوان” و”الوادي الكبير” الذي شارك فيه المطرب السوري الراحل حديثا صباح فخري. أما مسرحيا فقدّمت عملا واحدا حمل عنوان “تمر حنة” من إخراج جلال الشرقاوي.

15