أمهات لأبناء الأقارب: نساء حرمن من الإنجاب يقمن بتربية أبناء أشقائهن

يتعامل البعض من النساء مع تحذيرات الأطباء من الحمل والإنجاب في سن متأخرة بجدية كبيرة، حيث يربطن بينه وبين مخاطر إصابة الطفل بالتوحد وزيادة معدلات الإجهاض، فيقرّرن عدم الإنجاب ويتخذن من أبناء أقاربهن أولادا لهنّ. وقد تختلف هذه التجربة من سيدة إلى أخرى لكنها تتشابه في كونها تمنح المرأة صفة الأمومة وتشغلها عن التفكير في ما حرمت منه إما بسبب التقدم في العمر أو لأسباب صحية أو تأخر قطار الزواج وتفضيل العزوبية.
يرى علماء النفس أن الأمومة غريزة تسعى كل امرأة إلى إشباعها، وأن كل امرأة تحتاج طفلا في حياتها لأسباب متعددة.
وتعتبر المعالجة النفسية ناهد المصري أن توصيف العلاقة التي تجمع الأم بطفلها تختلف من موقف إلى آخر، فهناك “رابطة الأمومة” وهي مرتبطة بعمليتي الحمل والولادة، وهناك “غريزة الأمومة” وهي غريزة فطرية بيولوجية تبدأ من الطفولة وهي هرمونية وجينية، وتتطور مع العمر عند الأنثى، وهناك “حب الأمومة” وهذا الحب قد يوجد عند الأنثى حتى لو لم تنجب أطفالا.
هذه الأسباب وغيرها دفعت عددا من النساء اللواتي حرمن من الإنجاب إلى تربية أبناء أقاربهن وخصوصا أشقائهن كأولادهن. وسواء كان ذلك بالتبني أو بمجرد تحمل مسؤوليتهن فإنهن قد خطين خطوة تنقذ أسرهن من الانهيار إن كنّ متزوجات أو تشغل وقتهن إن كن عازبات. وترى المصري أن ذلك يدل على أن عاطفة الأمومة هي فطرية بيولوجية في البداية، لكنها تصبح مكتسبة اجتماعيا بعد أن تنجب.
وتشير إلى أن الكيان الطبيعي للأسرة يتألف من أب وأم وأطفال، ويكون عدد الأطفال وتوقيت الإنجاب برضا الزوجين، ولكن عندما يكون الزواج قائما على حاجة أو رغبة الإنجاب فقط فهنا يعتبر هذا الكيان معرضا للانهيار، لأن أصل الزواج ليس قائما على الأولاد فقط، بل على أسس عديدة كالحب والاحترام والمشاركة والمودة والرحمة أيضا، لذا فإن غياب القدرة على الإنجاب قد يكون سببا للاضطرابات النفسية عند الأنثى في حال ربطت مفهوم السعادة أو الاستقرار بوجود أطفال.
وتقول نعيمة الخمسينية التي لم تنجب لمشاكل بالرحم إنها تربي ابن أختها التي تكفلت به منذ ولادته بعد اتفاق مع أختها أثناء فترة حملها على أن يكون الجنين لها.
وتضيف لـ”العرب” أنها حاولت لعدة سنوات إنجاب طفل لكنها لم تقدر لأسباب صحية وكان زواجها معرضا للطلاق لأن رغبة زوجها في الحصول على طفل كانت شديدة.
وتشير إلى أنها استطاعت تربية ابنها بشكل جيد تماما كما لو كانت أمه البيولوجية، وهو ما مكنها من عيش تجربة الأمومة بكل تفاصيلها.
وتشير عزيزة الخماسي الأربعينية التي لم تتزوج لأسباب خارجة عن إرادتها، إلى أنها سعيدة جدا بالاعتناء بابني أخيها فهي من تتكفل بمصاريفهما الدراسية وهي من تنظم أمور حياتهما في أدق تفاصيلها.
وتؤكد عزيزة أنها ألغت فكرة الزواج من تفكيرها منذ سنوات بعد أن وجدت في رعايتهما ما كانت تفتقد إليه من عطف وحنان.
وتضيف أن هناك الكثير من البيوت تنعم بالأطفال ولا توجد فيها سعادة، وقد نجد فيها حالات طلاق، مما يعني أن وجود الأطفال أو غيابهم لا يؤثر على العلاقة الزوجية، إنما تقبل الطرفين لهذا الأمر أو رفضهما له هو ما يحدد صحة العلاقة وبالتالي الصحة النفسية للأنثى.
ويعتبر خبراء علم النفس أن هناك أدوارا كثيرة ربطت بين الأنثى والطفل، مع أو دون رابط أمومة، مثل المرأة المنجبة التي تحمل وتولد الطفل لكن لا ترعاه أو تتركه لسبب قاهر، والمرأة المرضعة التي ترضع طفلا لم تنجبه مع طفلها مقابل أجر، والمرأة المربية التي تتولى رعاية وإطعام وحماية والاهتمام بطفل لم تنجبه، والمرأة الأم التي تحمل وتنجب وتربي وتهتم بكافة تفاصيل الطفل. وتقول المصري إنه في الحالة الأخيرة تكون الأمومة كاملة.
وتضيف المعالِجة النفسية “من هذا المنطلق فإن المرأة التي لم تنجب لا يمكن أن تكون ناقصة أو مشوهة، فهي، وإن خسرت إحدى خصائصها بأن تكون أمّا بيولوجية لطفل، تمتلك خصائص وأدوارا عديدة يمكنها القيام بها، حتى لو لم تحمل الطفل في رحمها”.
وتعتبر المصري أن طبيعة المرأة تتألف من ثلاثة كيانات، وهي الأنثى والزوجة والأم، وبالتالي فإن طغى كيان على آخر تتغير عاطفة المرأة وسلوكها.
وبرأيها فإن الزوجة التي تحب زوجها وتقدره ويكون محور حياتها واهتماماتها وسعادتها لن تتأثر بغياب الأطفال عن حياتها، وبالتالي لن تميل إلى تعويض عاطفة الأمومة برعاية أبناء الأقران أو الأقارب أو الأخوة.
أما المرأة الأم، التي لا تسعد إلا باكتمال عناصر الأمومة، فلا يمكنها أن تعيش دون هذه العاطفة، وإلا ستشعر بالنقص، وبالتالي ستحاول أن تبحث عن أطفال ترعاهم وتتبادل معهم عاطفتها إما عبر الرعاية الكاملة أو المشاركة مع أهالي الأطفال.
ويعتبر علماء الاجتماع أن تربية الطفل والعناية بشؤونه مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا يستهان بها، هذا بالإضافة إلى أنها مهمة متنوعة الوظائف والواجبات والمجالات، فالتربية تعني من جهة الرعاية الصحية والغذائية والنظافة بالطفل، ومن جهة أخرى تعني التربية التعليمية وتوريث الأخلاق والثقافة، وكل هذه المسائل تفرض واجبات خاصة على من يربي طفل ليس له بالإضافة إلى الواجبات العاطفية.
ويرى خبراء علم النفس أن بين الطفل ووالديه الحقيقيين رابطا أو علاقة عاطفية غريزية أو فطرية قد لا تكون ظاهرة أو واضحة، مشيرين إلى أن تربية الطفل من قبل أقاربه قد لا تحقق هذا الرابط بينه وبين المربي، وبالتالي لن تكتمل عملية التربية من حيث جانبها المتعلق بالبعد والعمق العاطفي والنفسي للطفل.
وقال الدكتور أحمد الأبيض المختص التونسي في علم النفس إن تربية أبناء الأقارب فيها جوانب سلبية فقد يمن الطرف المانح على الطرف الآخر وقد يتدخل عند معاقبة الطفل. وقد يحدث أن تتدخل الأم الأصلية إذا عاقبت الأم بالتبني طفلها وتنتج عن ذلك مشاكل بين الأختين، هذا فضلا عن أن الأم التي تربي طفلا ليس ابنها قد تعيش بشعور يظل يرافقها دائما وهو احتمال أن يبعد عنها ويعود إلى أبويه الطبيعيين.
وأشار الأبيض إلى أن الجانب الإيجابي في المسألة هو السهولة (يسر في الأخذ ويسر في العطاء)، ذلك أن الذي يمنح ابنه لقريبته يكون مرتاح البال مطمئنا عليه.
وأضاف لـ”العرب” أن المرأة التي تبذل من جهدها ووقتها في تربية طفل قد تشبع حاجتها من الأمومة. وأنه يمكن أن يكون سندها في فترة الشيخوخة.