"أمل حياتي".. دراما تمزج بين الحب والتضحية والصعود

قصص "إلاّ أنا" يسلط كل جزء فيها الضوء على مشاكل النساء والمجتمع بمشاركة مجموعة من الفنانين والفنانات.
الثلاثاء 2020/09/22
عطاء يواجه بالجفاء

تحاول بعض الأعمال الدرامية التجديد في الشكل والمحتوى، بما يتناسب مع طبيعة الجمهور وتلبية الأذواق المختلفة. وتحرص على التنوّع لمنع إصابة المشاهد بالملل والتضخم من تكرار العمل على ثيمة واحدة، لأنه لم يعد يتحمل مطا أو تطويلا، أو تكرارا لقصص جرى عرضها سابقا.

القاهرة - لمست سلسلة “إلاّ أنا” وترا اجتماعيا مهما، وهي تتكوّن من ست قصص اجتماعية، حقّقت رواجا في مصر مؤخرا، بعد الانتهاء من عرض ثلاث حكايات، وهي: “حكاية موسى” و”سنين وعدت”، و”أمل حياتي”، وتعرض الحكاية الرابعة حاليا “أمر شخصي”، ويتبقى عرض الحكايتين الخامسة “أبيض وردي” والسادسة “ضي القمر”.

تعتمد القصص على مشاركة مجموعة من الفنانين والفنانات، ولكل منها أبطال ومؤلف ومخرج مختلف، ويسلط كل جزء الضوء على مشاكل النساء والمجتمع مثل أزمة الميراث وتحمل المسؤولية والكفاح في العمل والطلاق والعنوسة ونظرة الناس وغيرها من القضايا الجريئة التي توضح مدى أهمية قضايا المرأة.

دراما هادئة

انتهى عرض قصة “أمل حياتي” على قناة “دي.أم.سي” مؤخرا، بطولة حنان مطاوع وبيومى فؤاد وسلوى عثمان ونور محمود ونانسي صلاح وشاهيستا سعد، ومن تأليف أمين جمال وشريف يسري، وإخراج أحمد حسن.

يتناول العمل صعود فتاة من الطبقة المتوسطة، اسمها “أمل”، وجسّدت شخصيتها الفنانة حنان مطاوع، تتولى مسؤولية العناية بأشقائها من والدها، وزوجة أبيها، وشقيقها الرابع من والدتها، ودخلت في العديد من الصراعات التي مضت بصورة سريعة.

ومع أن أمل فتاة لم تكمل تعليمها ظلت تكافح حتى تلبي احتياجاتهم دون انتظار مقابل، ولاقى هذا العطاء قدرا كبيرا من الجفاء من بعض الأشقاء والشقيقات، وهو ما ساعد المخرج على بسط خيوط الشخصيات وتحريكها بمرونة كبيرة.

بدت أمل نموذجا للفتاة الطيبة القوية، وعكست تجارب كثيرة موجودة في المجتمع، غير أن هذا العمل تجاوز دراما الخير والشر التقليدية، واستوحى من الشارع قصصا شعبية، تطرّقت إلى تفاصيل دقيقة جديرة بجذب الانتباه، لأن مكنون كل شخصية كان مليئا بالحيوية، والصعود والهبوط في التجاوب مع متطلبات كل دور.

"أمل حياتي" قدّم رسالة مهمة للمُشاهد مفادها أن الخلاف لا يعني القطيعة والخصام التام، فهناك دائما بدائل عديدة للوصل

قدّم المؤلفان أمين جمال وشريف يسري، دراما هادئة في تعامل أمل مع المشكلات التي واجهتها، إنسانيا وعاطفيا وماديا، وتخطت بسلاسة العقبات التي يمكن أن تواجهها أي فنانة مخضرمة، بالاعتماد على البساطة والتلقائية، والقدرة على التنقل من حالة مزاجية إلى أخرى دون أن يشعر المشاهد بوجود افتعال في الانفعال أو الهدوء، ما أكّد أن مطاوع درست دورها بإتقان.

جاءت تطورات العمل متماسكة، فلم يتفوّق الخير على الشر بانتصار الأول وهزيمة الثاني فقط، لكن بتغيير السلوك والنظرة العامة لجميع أفراد الأسرة، الذين جحدوا فضل أمل وأنكروا دورها في تربيتهم، واضطروا في النهاية إلى المراجعة والقيام بجرد حساب أعادهم إلى صوابهم.

تحت وطأة الجفاء، تركت أمل المنزل لتعمل وتُكافح، وتنفق على الأسرة ولم تتنصّل من مسؤوليتها الاجتماعية، وهي الرسالة المهمة التي أراد العمل ترسيخها، فالخلاف لا يعني القطيعة والخصام التام، وهناك بدائل عديدة للوصل.

تراجيديا متماسكة

أثبتت الفنانة حنان مطاوع أنها ارتدت ثوب الشخصية وتعايشت معها كاملة، وجسدت كل تفاصيلها من الحزن والحب والجهد والتضحية والخوف والعمل، فقد كانت تعمل في تصنيع المواد النحاسية بطريقة يدوية وتقوم بالتجوال في الشوارع لبيعها، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حتى فتحت متجرا خاصا بها وحقّقت نجاحا كبيرا، كل ذلك ولم تتغيّر بساطتها أو يتبدّل حالها.

يرى البعض من النقاد أن أداء مطاوع نضج بشكل كبير، وتؤكّد من عمل لآخر أن انتماءها لأسرة فنية، والدها الفنان الراحل كرم مطاوع، ووالدتها الفنانة الشهيرة سهير المرشدي، أثّر فيها بوضوح، وربما تفوّقت على المرشدي في الكثير من المشاهد، وعرفت كأفضل ممثلة تجيد دور المرأة الشعبية.

أصر مخرج العمل، على توفير متخصصين في مهنة الطرق على النحاس واستخدام آلة حادة، من شارع المعز بوسط القاهرة، لتعليم حنان مطاوع حمل “التكفيت” والنحت على النحاس والفضة واستوعبت جانبا كبيرا من الحرفة.

قدّمت مطاوع مشهدا قويا للألم في المسلسل، وحقّق متابعات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونالت إعجاب واستحسان الجمهور، لأنها أتقنت الدور، وجسّدت في دقائق معدودة شعور المرأة التي تخلى عنها حبيبها وتزوّج من شقيقتها، وكيف انهارت من البكاء بما أشعر المشاهد بصدق الأداء.

حرصت الفنانة المصرية في أعمالها الأخيرة على تقديم المشاهد الصعبة مرة واحدة لعدم قدرتها على استحضار الإحساس والاندماج مرة ثانية، وهو ما يتقبله المخرجون منها، وجاء البكاء حقيقيا، وكانت مقنعة في أداء الشخصية كلها.

نظرة أمل رغم الألم
نظرة أمل رغم الألم

أدّت مطاوع المشهد مرة واحدة، حيث تم تصوير فرح الشقيقة في يوم، ومشهد البكاء بعده بأربعة أيام، وقامت بدخول غرفة الملابس بمفردها واسترجاع مشهد حبيبها وشقيقتها في فرحهما، والبكاء بصوت مرتفع وسدّت أذنيها كي لا تسمع موسيقى الحفل، وارتفع صوت البكاء إلى حد النحيب، وهذه الحالة صنعتها وعاشتها، وظهرت فيها مقنعة جدا.

يُثبت الفنان بيومي فؤاد، في كل عمل يقوم به أنه “غول تمثيل” كما يصفه البعض، فلا يهم طول وقصر الدور، فالمهم الإجادة والتلقائية، مؤكّدا أنه يستطيع التنوّع في أدواره، متراوحا بين الكوميديا والتراجيديا.

وشهرة فؤاد من أدوار الكوميديا، التي كانت سببا في حب الجمهور له، لكن في “أمل حياتي” قدّم دورا تراجيديا متماسكا، وهو ما عزّز دوره السابق في مسلسل “خيانة عهد” الذي عرض في رمضان الماضي عبر شخصية “منعم”.

لعب بيومي فؤاد شخصية التاجر “سعد الحسيني” في مسلسل “أمل حياتي”، وتدثّر بكل معاني الخوف من الزمن، وظل مشغولا بالخوف من الموت وحيدا بعد وفاة زوجته وجفاء أولاده، الذين طمعوا في ثروته بعدما قرّر الزواج من أمل، لإحساسه معها بالحنان والأمان، ما جعل الأبناء يتملّكهم الطمع والشر.

قدم العمل العديد من المواهب الشابة، التي يمكن أن تبزغ قريبا في عالم الدراما، على رأسهم الفنان نور محمود في دور “سليم” الشاب المصري المكافح المجتهد، جار أمل الوفي الذي تزوّجها في النهاية من خلال خط رومانسي منفرد.

وظهر الفنان الشاب أحمد كشك مقنعا في دور “سيد” شقيق أمل، كما أجادت الفنانة الشابة نانسي صلاح دور “شيماء” التي قامت بتقديم شخصية الشقيقة الشريرة وتزوّجت من حبيب أمل انتقاما منها.

حرصت سلسلة “إلاّ أنا” على اختيار فنانة كبيرة تحمل العمل على عاتقها، وبجوارها مجموعة من الفنانات والفنانين الصاعدين، ما يفتح المجال أمامهم، وهي فرصة بموجبها يمكن أن يتحدّد من خلالها المصير الفني للبعض.

16