ألفريد حتمل والإدراك بأن الإبداع أقوى من القدر

من الأسماء المهمة في تاريخ التشكيل السوري المعاصر، ألفريد حتمل، الفنان الذي وهب عمره للفن وخصص تجربته للاحتفاء بالأرض والمرأة وبالرموز التي تمكنه من خلق لوحة محلية تسعى للتحرر من التجارب التسجيلية والكلاسيكية والأكاديمية والانفلات من كل ضوابطها وألوانها الجامدة.
رغم أنه من جيل الرواد ومن مؤسسي الحركة الفنية التشكيلية السورية ومن أوائل من تتلمذ على يد الفنان التشكيلي الرائد أدهم إسماعيل، إلا أنني لم أتعرف على ألفريد حتمل ولم أكن قد سمعت عنه إلا بعد أن تعرفت على ابنه جميل حتمل.
جميل حتمل هو من أهم كتاب القصة القصيرة في تسعينيات القرن الماضي، كان يتحدث عن أبيه مطولا وبلغة العشق والوفاء حتى أنه أهدى له أكثر من مجموعة من مجموعاته القصصية. هذا الحديث وهذا الترابط الجميل بين الابن وأبيه جعلهما يرحلان معا في فترة زمنية لا تفصل بينهما إلا عدة أشهر. فما أن ترجل الأب في أواخر عام 1993 حتى ترجل الابن عام 1994 وهذا ما جعلني أقترب من حتمل الأب الفنان بقدر اقترابي من حتمل الابن القاص.
سأترك تجربة جميل حتمل القصصية لأصحاب الشأن وسأحاول أن أتناول تجربة ألفريد حتمل الفنية، التجربة التي تستحق الوقوف عندها مطولا وبقراءات مستفيضة، فحتمل من الفنانين الذين يولدون في الإبداع والإبداع يولد فيهم حتى أنه جعل من هذا الإبداع حياة بها تحدى القدر.
كان الفنان الراحل يرسم ويبدع ويضطر أن يبيع أعماله لتأمين قيمة الدواء رافضا أن يموت، مدركا أن الإبداع أقوى من الموت وقد يكون هذا هو السر الذي كان يجعل من ألفريد حتمل غارقا في أعماله إلى حد الذوبان، ومندمجا مع الناس وأوجاعهم ومع تفاصيلهم الدقيقة تأكيدا على عشقه للحياة.
ومنذ البدء، وبواقعية غير تسجيلية كان يرصد حياة الناس بتناقضاتها فيسمو بإشكالية العلاقة بين سطوة الموروث وبين تخليص الفن من قبضة التقاليد وهذا ما كان يجعل ما خلف اللوحة عنده أهم من اللوحة ذاتها، فضلا عن أنه كانت تتملكه على نحو دائم الرغبة التي لا تقاوم في أن يروي في لوحته لحظات زمنية يقتنصها من المعاش وعلى نحو أكثر من الريف، بقدر كبير من الدقة والضبط وبعيون مفتوحة على التواصل والإنجاز عن لغة وبلغة بصرية مفتوحة بدورها على تقنيات وأدوات مطواعة بين أصابعه وعلى صهر كل خبراته في توجيه سطح اللوحة وعمقها بحثا عن الأبقى.
إذا كان من المتفق عليه – أقصد على ألفريد حتمل – هو اجتهاده اللامحدود للوصول إلى الحقيقة العميقة لوجدان الفنان كأسمى حالات الإنسان دون أن يأبه بأية إشارة من إشارات المغادرة وإن كان بدافع انهزامي، فإنه من المفيد القول إنه يتعاطى مع العمل الفني كأمانة لها أولوية الحياة وإن كانت من نوع مغاير، ودفاعه عنها كان مستميتا وبتصعيد شديد في مشهدية العمل دون أي تحديد زماني أو مكاني لتركيبه الجمالي وهذا يعود إليه بقدر كبير من الابتعاد عن الارتباك والإرباك اللذين كانا من الممكن أن يحلا على نصه / عمله.
والعلامات التي تقدمها أعماله يمكن أن تساعد القارئ/المتلقي في تثبيت الثقة بينهما أقصد بين العمل والمتلقي وخلق ألفة، وحوار عذب وخاص وغير محدود المعرفة والذي سيكشف جوانب لا تحصى من هذه المحادثة الصامتة تمهيدا لنقل جوانب من سماواته المقلوبة أو صيغه التي يبثها في حواف مداه البائس، كل ذلك ليدفع المتلقي إلى عدم التشكيك في نزاهة صوته وفي مصداقية مقولته حتى يرسيه على ضفاف أخرى بطعم ورائحة الحياة في وجهها الآخر.
◙ حتمل يرصد حياة الناس بتناقضاتها فيسمو بالعلاقة بين سطوة الموروث وبين تخليص الفن من قبضة التقاليد
ألفريد حتمل، ولد في بلدة بر الياس عام 1934 في لبنان. درس الفن دراسة خاصة، ثم درّس الرسم في المدارس الثانوية وفي مركز أدهم إسماعيل للفنون. كما عمل مدرسا لمادة الفنون في معهد الفنون وفي مركزي الفنون التشكيلية والتطبيقية في دمشق.
ربط حتمل تجاربه الفنية بموضوعات على صلة بالأرض وعلاقتها بالمرأة في الريف. شارك بالعديد من المعارض الجماعية، كما ساهم في معارض الدولة ومعارض الجمعية السورية ورابطة الفنانين السوريين، وهو عضو نقابة الفنون الجميلة ومن مؤسسيها، ساهم في المعرض السنوي المتجول 1965 في سوريا.
اشترك في معرض بنال الإسكندرية في الفترة الممتدة بين عام 1965 و1985، كما اشترك في معرض الربيع لليونسكو في بيروت في الفترة ما بين عام 1945 وعام 1965، وإلى جانب معارضه في سوريا والدول العربية أقام معارض في روما، وفي المركز الثقافي السوري في باريس عام 1993، كما أقام معرضا في جنوب أفريقيا. يعتبر ألفريد حتمل من مؤسسي الحركة التشكيلية السورية، وله دور طليعي وريادي في مجال إنتاج اللوحة الحديثة وعرضها.