ألعاب الأطفال تترك أثرها عليهم مدى الحياة

الألعاب الجيدة تتيح للأطفال الفرصة لاكتساب مهارات التكيف مع مختلف التجارب التي تواجههم في الحياة وتنمي لديهم حس المغامرة وروح المبادرة والإقدام والمرونة والاعتماد على النفس.
تجد معظم الأسر صعوبة في اختيار اللعب التي تدخل البهجة على صغارها وتكون مفيدة لأطفالها. وأمام التنوع الكبير في أحجام وأشكال الألعاب المعروضة في الأسواق، لا مناص للكثير من الآباء من ترك الخيار لأطفالهم، وإن كانوا رضّعا فإن عملية شراء الألعاب لهم تكون عشوائية.
وتحظى الألعاب التي تُعرف باسم الألعاب التعليمية بشعبية كبيرة، ويقبل معظم الآباء على شرائها لأطفالهم، كي تمنحهم القدرة على اكتساب مهارات التعلّم قبل الوصول إلى سن المدرسة.
ومن الوجهة الظاهرية، تبدو جميع الألعاب بمثابة وسائل ترفيهية لا ضرر فيها. لكن بعض الخبراء شددوا على ضرورة أن تكون للآباء ثقافة موسعة في هذا العالم الشاسع.
وتوصل العلماء إلى أن المهارات التي يتعلمها الطفل في مرحلة مبكرة من حياته، ربما تؤدي إلى تغييرات دائمة في بنية العقل لديه.
وتُظهر نتائج الأبحاث، المبنية على تجارب علمية، أهمية اختيار الألعاب المناسبة للأطفال حتى وإن كان ذلك في مراحل مبكرة للغاية من حياتهم.
ويأتي ذلك في وقت ازداد فيه الجدل حول أضرار لعب الكمبيوتر والفيديو، إذ هناك من يجادل بأن الألعاب أنتجت جيلا لا يقرأ ولا يخرج من المنزل إلا قليلا بسبب تركيزه على اللعب أمام الشاشة الصغيرة.
وحذرت دراسة أجرتها جامعة آيوا الأميركية من الآثار الضارة لألعاب الفيديو العنيفة على نفسية وسلوكيات الأطفال، مشددة على أن سرعة البديهة وردة الفعل التي تتطلبها ألعاب الفيديو العنيفة، خاصة عند إطلاق النار، تعمل على تحسين المهارات البصرية للأطفال، ولكنها في الوقت نفسه تضاعف السلوك العدواني والعنف تجاه الآخرين، وتقلل من قدرة الطفل على السيطرة على السلوك الاندفاعي القهري.
لكن الآراء ما زالت مختلفة حول هذه النتيجة، فمن ناحيته، قال أندرياس لانجه رئيس متحف برلين لألعاب الكمبيوتر إنه لم يتضح حتى الآن ما إذا كان الإفراط في ممارسة الألعاب هو السبب في سلوكيات اجتماعية معينة، أو أن ممارسة هذه الألعاب والإفراط فيها هو مجرد عرض لهذه السلوكيات، فالأطفال الذين يقضون وقتا طويلا في ممارسة ألعاب الفيديو، قد يعانون من إهمال الوالدين وأن هذا يمكن أن يكون السبب الحقيقي لمشكلاتهم السلوكية وليس ممارسة الألعاب.
وأكثر الانتقادات شيوعا انصبت على الرسائل التي يستخلصها الأطفال من بعض الألعاب القتالية، ويمكن أن تستمر معهم مدى الحياة، وهو ما يعني أن ثمة فرصة لا بأس بها بأن تتشكل أفكار الأطفال ومفاهيمهم للواقع من خلال أنواع محددة من اللعب، والتي قد تساعد أو تعوق الأطفال على التكيف مع التغيرات التي يمرون بها خلال عملية النمو.
ويقول باحثون في علم النفس الاجتماعي إن الألعاب القتالية التي تشجع على ممارسة العنف، من شأنها أن تؤدي إلى مشكلات اجتماعية أوسع نطاقا في العصر الحالي.
وحذروا من ألعاب البنادق والكلاشنيكوف والسيوف والسهام البلاستيكية التي أصبحت في متناول الأطفال ويخوضون بها معارك ومناورات مع أصدقائهم في سلوك وصفه الأخصائيون الاجتماعيون بأنه خطير، ما جعل البعض يتساءل عما إذا كانت الرسائل التي ترسخها هذه اللعب في أذهان الأطفال عن العالم على أنه صراع بين الأخيار والأشرار، تشكل جزءا من مشكلات العالم العربي اليوم المتعلقة بالحروب والاستقطاب السياسي والإقصاء المجتمعي أم لا؟
ويرجح علماء أن التأثير الاجتماعي للألعاب العنيفة يمكن أن يستمر لعقود طويلة، ويجعل الأطفال يرون الحلول العدوانية هي الأفضل لمواجهة أي صراع أو مشاكل مع الآخرين.
وفي السنوات الأخيرة ازداد اهتمام الخبراء بالألعاب التي تمنح الصغار تجارب ومهارات مهمة ونافعة في الحياة، وتنمي طاقاتهم العقلية والتفكيرية.
وظلت الألعاب التي تُعرف باسم الألعاب التعليمية تحظى بقيمة كبيرة ويُقبل معظم الآباء على شرائها لأطفالهم لكي تمنحهم القدرة على اكتساب مهارات التعلّم قبل التحاقهم بالمدرسة.
وشدد إريك نودسين الخبير في الجهاز العصبي على أهمية الاستثمار في قدرات الأطفال منذ مراحل عمرهم المبكرة، وذلك بشراء ألعاب تساعد الصغار على اكتساب الخبرات في مرحلة الطفولة.
وقال نودسين “التعّلم في وقت مبكر من شأنه أن يترك تأثيراً طويل الأمد على بناء العقل”، مؤكدا أن تعلّم المهارات الجديدة في أعمار صغيرة جدا من شأنه أن ينبه الجزيئات العصيبة بالعقل لخلق صلات جديدة تظل مستمرة إلى مرحلة الشباب.
وأضاف “الألعاب التي تصدر إشارات أو تطقطق أو التي تحتاج إلى طعن أو لكم من المرجح أن تؤدي إلى تشكيل عقل الطفل وتؤثر في الكيفية التي يؤدي بها مهاماً في المستقبل”.
وتأكيدا على ذلك قالت الباحثة جانيت أيِر المختصة في الجهاز العصبي لدى الأطفال بجامعة نيوكاسل البريطانية، إن الألعاب المحفزة للعقل تتمتع بأهمية كبرى في مساعدة العقل على إيجاد طريقه بطريقة سليمة أثناء فترة الطفولة عندما يكون لديه القدرة على تغيير بنيته.
وأضافت أيِر “هناك دليل قوي على أن العقل يكون أكثر طواعية في المراحل المبكرة من النمو، فهو يتمتع بعوامل وراثية تمنحه بعض القواعد التي تساعده على ترميز الرسائل. ولكنه في مراحل مختلفة من العمر يستجيب لإمارات بيئية ويستخدم خبراته المتراكمة لتشكيل بنيته للمستقبل”.
ولاحظت الباحثة أن “الألعاب الفكرية تعزز من قدرات الأطفال على التعلّم. ومن الأهمية بمكان قضاء بعض الوقت في مشاركتهم اللعب عندما يكون العقل غاية في الطيع لأنهم في تلك المرحلة يرغبون في أن يقوموا بعمل أشياء جديدة، مما يجعلهم يتعلمون أكثر”.
وقدمت دراسات حديثة نتائج أكثر دقة عن مدى تأثير الألعاب التقليدية مثل الألغاز وألعاب التركيب ودورها الكبير في دعم المهارات الحركية الدقيقة والنمو المعرفي واللغوي والمهارات الحسابية المبكرة، مقارنة بالألعاب التكنولوجية باهظة الثمن.
وتدعم هذه الدراسات النظرية التي تقول إن على الأطفال ايجاد توازن بين قيامهم بنشاطات ذهنية أمام شاشة الكمبيوتر والهواتف الذكية أو الألعاب اليدوية وبين الأنشطة الترفيهية في الهواء الطلق.
التأثير الاجتماعي للألعاب العنيفة يجعل الأطفال يرون أن الحلول العدوانية هي الأفضل لمواجهة أي صراع أو مشاكل مع الآخرين
ويحذر الخبراء من تناقص فرص قضاء الأطفال بعض الوقت في الهواء الطلق، مشددين على أن حرمان الأطفال من التعرض للبيئة الطبيعية قد تكون له عواقب سلبية طويلة الأجل.
وأكد تيم جيل، الخبير في تربية الأطفال، أن الإفراط في حماية الطفل يؤدي إلى تفويت الفرصة عليه كي يعيش طفولته بشكل عادي.
وقال جيل في كتابه “لا خوف: نشأة الطفل في مجتمع يعارض تعرض الطفولة للمخاطر”، إن عدم السماح للطفل كي يأخذ زمام المبادرة ويغامر، من شأنه إعاقة اكتسابه مهارات مهمة يحتاج إليها في حماية نفسه.
ويرى جيل أن الاتجاه المتنامي لدى بعض الآباء بعدم إفساح المجال للطفل، كي يتعرض لبعض الأخطار ويخوض غمار بعض المغامرات، والتدخل في كل جزئية من جزئيات حياته الخاصة، من شأنه حرمان الطفل من الاستمتاع بطفولته.
ويرجح جيل أن الأطفال بتعرضهم لبعض المخاطر، فإنهم يتعلمون كيفية حل المشكلات العويصة التي تعترضهم، ما يتيح لهم اكتساب مهارات التكيف مع مختلف الأوضاع التي تواجههم في الحياة وتنمية حس المغامرة لديهم وتطوير روح المبادرة والإقدام والمرونة والاعتماد على النفس.