أكاديميون وكتاب مصريون: رواية "الباص" مغامرة سردية لذات مغتربة

صالح الغازي يكتب رواية أشبه باليوميات بطلها مغترب في الخليج.
الأربعاء 2024/08/07
صالح الغازي: كتبت الرواية بلغة بسيطة تناسب الحالة

الاغتراب ظاهرة بارزة وتتوسع بسرعة كبيرة اليوم، حيث بات الجميع أغرابا عن ذواتهم وأفكارهم وطفولاتهم وبيئات حيواتهم، علاوة على اتجاه الكثيرين إلى الهجرة التي تتكثف في أرضها ظاهرة الاغتراب. في رصد لهذه الظاهرة تأتي رواية “الباص” التي ناقشها مؤخرا عدد من النقاد والكتاب المصريين في القاهرة.

القاهرة - استضافت مكتبة تنمية المعادي في القاهرة ندوة لمناقشة رواية “الباص” للروائي صالح الغازي، وذلك بمشاركة نخبة من الكتاب والنقاد والأكاديميين، من بينهم الأكاديميون هيثم الحاج علي وسيد ضيف الله ورحاب إبراهيم وإيهاب النجدي وإيزابيل كمال وأسامة جاد وحنان السيد منير وهجة الصاوي.

الذات والعالم

الندوة التي أدارتها الإعلامية سماح عبدالعزيز، وحضرها جمهور كبير من المثقفين وعشّاق فن الرواية، شهدت مناقشات وصفت بالثرية من قبل المشاركين الذين تناولوا الرواية بالكثير من النقد والتحليل، حيث وصف المشاركون الرواية بأنها “مغامرة سردية شائقة”، ووصفوا أحداثها بأنها تحتوي على العديد من المواقف الإنسانية اللافتة، وأن الشعر كان هو مدخل المؤلف للتعبير عن الذات.

وفي مداخلته بالندوة قال الأكاديمي هيثم الحاج علي إن رواية “الباص” للأديب صالح الغازي تُعتبر حالة تمثيل مهمة لنمط السارد الزائر الذي يحاول أن يرصد العالم من خارجه دون التورط فيه، وذلك لأنه لا يعتبر نفسه جزءا من هذا العالم. وهو الأمر الذي يمكن النظر إليه من خلال مجموعة من السمات التي تحكم شخصية البطل هنا من حيث التقوقع على الذات الذي يظهر من خلال انعزاله اختياريا عن المجتمع باستخدامه لسماعات التليفون شبه الدائم لسماع الموسيقى مثلا.

الرواية تُعتبر حالة تمثيل مهمة لنمط السارد الزائر الذي يحاول أن يرصد العالم من خارجه دون التورط فيه
الرواية تُعتبر حالة تمثيل مهمة لنمط السارد الزائر الذي يحاول أن يرصد العالم من خارجه دون التورط فيه

وأضاف “ثم الترقب والتوجس حيث يبدو البطل على مدار الرواية يصنع المساحة الآمنة بينه وبين باقي الشخصيات التي بدأ في تصنيفها من حيث إمكانية إيقاع الأذى به وبحيث لم يصنع علاقة إنسانية سوى مع ابن صديقه القديم، الطفل الذي يبادله الشعور بالوحدة والاهتمام بألعاب الوجبات المفرحة”.

 وتابع الحاج “من هنا سيبدو الاهتمام برصد التفاصيل الصغيرة في حياته والمقارنة الدائمة بين المجتمع الجديد والمجتمعات التي عاش فيها البطل من قبل، كلها عناصر تتسق مع عدم وجود حبكة قصصية من النوع التقليدي، حيث تشبه الرواية فكرة اليوميات إلى حد بعيد، وهو الأمر الذي يتضافر مع فكرة محاولة عدم الاندماج في المجتمع الجديد، أو التورّط فيه، ومعاملة هذا المجتمع بوصفه حالة عابرة في حياته، هي حالة أشبه بما يحدث في الباص من حيث هو وسيلة غير خاصة يستقلها الراكب لبعض الوقت ولا يشعر أبدا بامتلاكه لها، ويتعامل مع الراكبين فيه وإن تكرروا من خلال معرفة عابرة لا يمكن أن تمتد لأكثر من ذلك”.

 من هنا جاءت تقنيات الرواية ولغتها في صورة محايدة، كما قال الحاج، كأنها تتوازى مع تلك الرغبة الشديدة في الرصد الخارجي غير المنحاز، لا إلى العالم ولا إلى الشخصيات، وهو ما نجحت الرواية في نقل حالته إلى القارئ.

ومن جانبها رأت القاصة رحاب إبراهيم أن في الرواية تشبث البطل بنفسه ليستطيع أن يرى العالم من موقعه، وأن الرواية تحتوي على رصد مواقف إنسانية عالية جدا؛ مثلا عند تواصل الغريب مع الأسرة بالفيديو عبر الماسنجر أو حادثة جلوريا التي توفي زوجها في حادث في الفلبين، واضطرت إلى العودة وترك العمل والاستغناء عن مصدر الدخل لترعى ابنتها الصغيرة، وعلى امتداد الرواية هناك لمسات إنسانية.

وبدوره قال الأكاديمي إيهاب النجدي إن رواية “الباص” مغامرة سردية جديدة، وشائقة في الحقيقة، عندما يشرع كاتب مقيم أو وافد إلى بلد خليجي في كتابة رواية، ويكون فضاؤها المكاني هو البلد نفسه الذي يقيم فيه، فإن أسئلة كثيرة تحاصر هذا العمل، وظنون أيضا، لكن أن يتلقاها القراء من المواطنين والمقيمين راضين مرضيين، كما هو الحال مع “الباص”، فهي إذن مغامرة أدبية ناجحة وتستحق التقدير.

وأضاف النجدي “المغامرة حاضرة أيضا بقدر معتبر في الموضوع أو زاوية المعالجة، وفي الأداء السردي، فمن خلال الرواية نكتشف عالمين متقاطعين: العالم الداخلي للمغترب/ الوافد/ المقيم بوصفه نموذجًا متحقّقًا. والعالم الخارجي الذي يحيط بهذا المقيم كما يحيط السوار بالمعصم، مكانًا وبشرًا وتفاعلاً مستمرا بين ثقافات عديدة وجنسيات شتى”.

 وتابع “الوطن حاضر في الرواية، والحنين مستبدٌ بالشخصية الرئيسية، يتوسل إلى ذلك بتقنية الاستدعاء تارة، أو بالقطع المتوازي ‘المونتاج’ تارة أخرى، تحضر المحلة المدينة الصناعية الصغيرة وذكرياتها، وبرج الساعة المعروف وأثره في الناس، أسماء الشوارع المصرية في قلب الكويت: شارع القاهرة، شارع عبدالمنعم رياض”.

التعبير عن الذات

Thumbnail

نوّهت الإعلامية سماح عبدالعزيز في حديثها إلى أن الشعر مدخل للشاعر والروائي صالح الغازي، للتعبير عن الذات والعالم الخارجي، دخل عالم الرواية بخطى ثابتة وأصدر روايته “الباص”. واختيار الكاتب للباص هو اختيار له فلسفته؛ الباص حيز محدود المكان وأيضا غير ثابت ومتحرك. ودائما الروايات التي تحدث داخل حيز كما “بين السماء والأرض” لنجيب محفوظ، تتحمل بالرموز، وبتعدد الشخصيات التي يكون الاختلاف سمتها أكثر من الاتفاق، فما بالنا حين يكون الباص يحمل جنسيات من كل دول العالم، أي يحمل لغات مختلفة وسلوكيات وآراء وديانات وملامح أيضا مختلفة.

وأضافت أن رواية “الباص” توثق يوميات بطل الرواية أحمد صابر الذي انتقل إلى العمل في شركة اتصالات في الكويت، وعمل البطل في الاتصالات استفاد منه الكاتب في تركيزه ضمن متن الرواية على الهواتف في يد رواد الباص، فتحول الهاتف رغبة في التواصل مع الخارج والهروب والتخفي من الواقع، ورمزا للحنين واستجلاب الوطن البعيد، وتأكيدا للغربة، وكشفا لطموح المغترب، وصنع حالة من التعاطف بين غرباء يجمعهم حيز واحد، وبالرغم من كل الاختلافات الإنسانية بينهم تمثل تعاطف الغرباء في اقتراب البطل من نورما الفلبينية، لكن المشاعر لم تمنعه من التورط في التجسس على الآخرين، هذا التجسس رغم أنه جرم لكنه يمكن أن يفهم على أنه نوع من الهروب من الوحدة والتغلغل في الآخرين.

"الباص" رواية توثق يوميات بطل الرواية أحمد صابر الذي انتقل إلى العمل في شركة اتصالات بالكويت

وقال كاتب الرواية صالح الغازي إن التركيز في الرواية منذ البداية منصب على حالة المغترب في دولة خليجية، الذي لا يساعده أحد فيحاول التعرف بنفسه على كل شيء، ومدة الرواية تقريبا شهر، هذا الشهر الأول المجهد والمتعب والقاسي. وكتبت الرواية بلغة بسيطة تناسب الحالة وتطرق أسماع القارئ العادي.

وخلال مداخلته في الندوة طرح الأكاديمي سيد ضيف الله سؤالا عن المقصود بضرورة تمثيل أدب الغربة وما المقصود أن شبكة الإنترنت أصبحت خرافة؟ وكان رد مؤلف الرواية صالح الغازي أن في الخليج يوجد الملايين من المصريين ولهم خصوصية ولم يعكس تجاربهم الأدب. بينما هناك صورة نمطية يتم تداولها باستمرار.

 أما خرافة الإنترنت فترجع إلى أن الملاحم القديمة اعتمدت على صراع الخير والشر، والوجود بين البشر والجن والمخلوقات الأخرى بينما العصر الحالي الصراع مع الإنترنت كمؤثر في الحياة والعلاقات، فالبطل تجسّس على من حوله عبر الإنترنت، والمغترب يتابع أحوال أسرته وأصحابه عبر الإنترنت.

وتحدث بلال علام عن اختلاف المدن في احتوائها للمغترب؛ فمثلا هو شعر بالارتياح في مدن، بينما هناك مدن غير مريحة، وتحدث عن تجربته في الهجرة. وفي الختام عبر الروائي الغازي عن امتنانه للحضور ولمساندة أسرته. وقدم الشكر لمكتبة تنمية والناشر خالد لطفي وفريق العمل.

يُذكر أن رواية “الباص” لمؤلفها صالح الغازي كانت قد حلت في قائمة أفضل 18 رواية عربية، ومرشحة لجائزة كتارا للرواية العربية في الدورة العاشرة. وقد صدر لمؤلفها عدة دواوين شعر منها: “شايف يعني مش خايف” و”نازل طالع زي عصاية كمنجة” و”الروح الطيبة” و”المتوحش اللي جوايا”، وكتاب نقدي ومجموعتا قصص ومقالات.

12