أفضال الجنود البيض في مصر لا يمكن ردها إلا بالتّنكر لها

العاملون في قطاع الصحة في مصر، كغيرهم في أماكن كثيرة أُنهكوا وهم يصارعون فايروس كورونا المستجد لساعات طويلة مع ارتفاع عدد الحالات وبالتالي زيادة احتمالية إصابتهم بالمرض.
الأربعاء 2020/04/22
نموت من أجلكم

القاهرة - دخل الطبيب المصري أحمد نجم في عزل ذاتي ببيته بعدما ظهرت عليه أعراض مشابهة لأعراض كورونا، إلا أنه فوجئ بالعديد من المطالبات بالرحيل من قبل جيرانه خشية أن ينشر بينهم الفايروس المستجد.

وبينما يتلقى العاملون في قطاع الصحة الإشادة والترحاب في دول عديدة في العالم، خصوصا وأن حياتهم أصبحت على المحك في معركتهم ضد كورونا المستجد، قد يشهد منهم في دول أخرى بعضا من العدائية والشكوك.

وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية حرصت على مدح وتشجيع العاملين في مجال الصحة، حتى أنها أطلقت عليهم لقب “جيش مصر الأبيض”، لا يزال الكثيرون منهم يواجهون سوء المعاملة من قبل البعض في المجتمع.

كان نجم قد أجرى على نفسه اختبار كشف كورونا، وعلى الرغم من أن النتيجة كانت سلبية، إلا أن واقع تعامله بشكل متكرر مع حالات المرض المشتبه بها دفعه إلى أن يقرر عزل نفسه كإجراء وقائي.

وبينما كان الطبيب ذو الـ31 ربيعا ينعزل عن العالم الخارجي، لم يسلم من شائعات جيرانه في محافظة الإسماعيلية عن إصابته بالعدوى ورفضه للعلاج.

وعلى الرغم من محاولات الطبيب البائسة لتوضيح سلامته، لم تتوقف مضايقات السكّان ومطالبتهم له بالرحيل “لأن هناك العديد من الأطفال وكبار السن”.

ووصلت المضايقات إلى تقديم تقرير إلى الشرطة ضد نجم الذي اضطر تدريجيا إلى الرحيل والبحث عن مكان آخر. قال “أُصيب الناس بحالة من الهلع والأمر أصبح مبالغا فيه وكأنه بالضبط وصمة عار.. كأننا أصبحنا منبوذين”.

العاملون في قطاع الصحة في مصر، كغيرهم في أماكن كثيرة أُنهكوا وهم يصارعون فايروس كورونا المستجد لساعات طويلة مع ارتفاع عدد الحالات وبالتالي زيادة احتمالية إصابتهم بالمرض.

وثبتت إصابة حالات عديدة من الطاقم الطبي في عدد من مستشفيات القاهرة والمحافظات الأخرى.

ومن بين 43 أصيبوا بالمرض تُوفي أربعة أطباء، حسب بيانات نقابة أطباء المصرية.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يمثل العاملون في مجال الصحة حوالي 13 في المئة من إجمالي حالات الإصابة بـالوباء المؤكدة في مصر، والتي تجاوزت 3000 حالة بينهم 250 حالة وفاة.

حتى بعد الموت، اعترضت مجموعة من القرويين في محافظة الدقهلية في دلتا النيل، على دفن جثمان طبيبة توفيت إثر إصابتها بكوفيد – 19.

وقامت السلطات بتفريق تظاهرات الأهالي التي استمرت لساعات اعتراضا على دفن الجثمان، كما تم توقيف 23 شخصا في إطار تحقيق قرر النائب العام المصري حمادة الصاوي فتحه في الواقعة التي وصفها بـ”عمل إرهابي”.

وقدّم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي العزاء لعائلة الطبيبة، مخاطبا العاملين في الصحة “لا تلتفتوا لهذه الصغائر، ولا تشغلكم هذه الممارسات والمواقف المشينة من البعض عن معركتكم الشريفة”.

العاملون في مجال الصحّة يمثّلون حوالي 13 المئة من إجمالي حالات الإصابة المؤكدة بـالوباء في مصر
العاملون في مجال الصحّة يمثّلون حوالي 13 المئة من إجمالي حالات الإصابة المؤكدة بـالوباء في مصر

وتقول ممرضة مصابة بكورونا من نفس المحافظة، إنه كان يتم الاتصال بها وبآخرين من زملائها المصابين من قبل غرباء، بعدما وجدوا أسماءهم منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت في مقطع فيديو نُشر على منصات التواصل، وكانت ترتدي كمامة على وجهها، “وجدنا أناسا يتصلون منهم من كان يقول قولا حسنا، ولكن كان منهم من يقول إننا من نشرنا الوباء وإننا مصدر العدوى”.

وأضافت “لقد تعبنا بالفعل وحالتنا النفسية أصبحت مدمرة”.

وقالت دينا عبدالسلام، وهي طبيبة من الإسماعيلية، إن جيرانها وصموها لأنها تعمل في مستشفى تتلقى حالات يُشتبه بإصابتها بالفايروس. وبعد انتقالها إلى سكن جديد لتكون بعيدة عن عائلتها كإجراء وقائي، فوجئت عبدالسلام بجيرانها يصرخون في الشارع ويتهمونها بـ”جلب المرض” إلى المنطقة.

وعلى الرغم من تدخل الشرطة واعتذار جيرانها في نهاية الأمر، تقول عبدالسلام في مقطع فيديو انتشر على الإنترنت “لا أتقبل الاعتذار.. لقد أصبح الطبيب مثل شخص مشبوه”، مضيفة “حرام عليكم ما تفعلونه بنا.. يكفي ما نعانيه”.

ويشكو أطباء آخرون من القاهرة ومن الإسكندرية وأماكن أخرى على فيسبوك من رفض بعض سيارات الأجرة نقلهم أو رفض عمّال توصيل الطعام للمنازل من تنفيذ طلباتهم بسبب مخاوف العدوى.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور، إن مثل هذه المعاملة للعاملين في الرعاية الصحية “يمكن أن تجعل الوضع الصعب بالفعل أكثر صعوبة”. وعلّق “إن استهداف مقدمي الخدمات الأساسية.. سوف يضعف معركتنا ضد كوفيد – 19 ويمكن أن يضر بشدة الأمة بأكملها”.

ومع تصاعد الشكاوى أفادت وسائل الإعلام المحلية أن مجلس النواب يبحث تجريم “التنمّر” ضد العاملين في الصحة.

في الوقت نفسه، ظهر مؤخرا العديد من المصريين في مقاطع فيديو بُثّت على الإنترنت يتجاهلون قواعد التباعد الاجتماعي التي تهدف إلى الحدّ من خطر العدوى في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة.

وقالت الصيدلية هبة الفقي التي أجبرت مؤخرا على الخروج من سيارة أجرة لكونها عاملة صحية “إنهم يخرجون (ما بداخلهم) ضدنا بدلا من توقفهم عن العادات التي من الممكن أن تعرضهم للمرض”.

20