أطفال تونس تحاصرهم الجريمة

جرائم الأطفال تعد مشكلة من المشكلات المعاصرة التي تواجه المجتمع وذلك لما يترتب عليها من آثار سلبية في شتى النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
الجمعة 2020/12/11
غياب الرقابة الأسرية من العوامل الدافعة إلى ارتكاب الجريمة

يؤكد علماء الاجتماع أن الأطفال المتورطين في ارتكاب الجرائم يتحدّرون في الغالب من الأحياء الشعبية حيث تنتشر الأدوات الدافعة إلى ذلك ومنها أساسا المخدرات. ويلفت هؤلاء إلى أن أغلب المورّطين يعانون من الفقر ومن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، زيادة على انعدام الرقابة العائلية بسبب التفكك الأسري. فيما تقرّ محاكم الأطفال في تونس سنويا بأن الأطفال ارتكبوا جرائم متنوعة مثل الاعتداء بالعنف أو الضرر بملك الغير أو السرقات المجردة أو باستعمال العنف.

كشفت بيانات الهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في تونس عن تحول العشرات من الأطفال إلى مجرمين يمارسون شتى أنواع الجرائم بما في ذلك القتل.

ووفقا لذات البيانات فقد وقف حوالي 160 طفلا أمام قاضي الأطفال في جرائم تتعلق بالسرقة والعنف والقتل خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما تصدّر الأطفال مراتب متقدمة ضمن سلم الانتحار، إذ تم تسجيل 34 حالة انتحار خلال السنوات الثلاث الماضية، 14 منها بمحافظة القيروان وسط غرب البلاد. ومَثُل في شهر يوليو 2020 ثلاثة أطفال أمام قاضي الأطفال بتهمة القتل.

ويشير الخبراء إلى أن غالبية الضحايا كانوا يعانون من الحرمان. كما يؤكدون على أن النسبة الأكبر من الأطفال المتورطين في ارتكاب الجرائم ينحدرون من الأحياء الشعبية، حيث تنتشر المخدرات، مؤكدين أن أغلبهم يعانون من مشاكل اقتصادية واجتماعية، زيادة على انعدام الرقابة العائلية نتيجة طلاق الوالدين. كما تنتشر جرائم الأطفال في المناطق الداخلية للبلاد بشكل ملفت.

وأكد شوقي بوعزي، مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية في محافظة القصرين، وسط غرب البلاد، تسجيل ارتفاع في جرائم الأطفال. وأوضح بوعزي خلال ندوة بعنوان “دور المتدخلين في معالجة معيقات تفعيل الآليات البديلة للطفل في خلاف مع القانون”، والتي نظمتها المؤسسة القانونية الدولية، أنّ حوالي 80 في المئة من مرتكبي جرائم السرقة المجردة أو باستعمال العنف أو “النشل” هم من الأطفال.

وتظهر بعض الإحصائيات أن أحد الأطراف المشاركة في 60 في المئة من الجرائم الجنسية المحالة على المؤسسات القضائية في القصرين فتيات، تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عاما.

النسبة الأكبر من الأطفال المتورطين في ارتكاب الجرائم ينحدرون من الأحياء الشعبية
النسبة الأكبر من الأطفال المتورطين في ارتكاب الجرائم ينحدرون من الأحياء الشعبية

وفي العام 2019 بلغ عدد الأطفال الصادرة في شأنهم أحكام 8320 طفلا، وبلغ خلال السنة القضائية 2014-2015 عدد القضايا المفصولة 6246 قضية في مادة جناحي الأطفال و319 قضية في مادة جنائي الأطفال وعدد الأطفال المحكوم عليهم 7506 طفلا والحالات المتعهّد بها خلال سنة 2015 من قبل المصالح الأمنية 2549 حالة.

وأشار بوعزي إلى أن أهم المقترحات لإيجاد حلول للأطفال الجانحين بالجهة تتمثل في تأمين مكتب مصاحبة بالمحكمة يسهر عليه قاضي تنفيذ العقوبات وقاضي الطفولة وبقية المتدخلين في شأن الطفولة للحد من الجريمة لدى هذه الفئة الهشة. ودعا إلى ضرورة تفعيل العقوبات البديلة بعد عدم نجاعة الإيداعات بالإصلاحية التي حولت الطفل في أحيان كثيرة من مجرم بالصدفة إلى مجرم محترف.

وتكشف محاكم الأطفال أو قضاة الأطفال في تونس كل سنة عن أطفال ارتكبوا جرائم متنوعة مثل الاعتداء بالعنف أو الضرر بملك الغير أو السرقات المجردة ويتم تسليمهم إلى أوليائهم بعد تعهدهم بتربيتهم وإصلاحهم أو بعد أن يتم توبيخهم من طرف قاضي الأطفال إن استدعى الأمر مجرد التوبيخ.

وقد تجد فئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة حكما بالسجن جرّاء عمليات السرقة أو القتل. ویعدّ الطفل جانحا بحسب مجلة حقوق الطفل إذا بلغ 13 سنة كاملة وارتكب فعلا یعاقب عليه القانون الجزائي.

وبحسب ما أوردته دراسة ميدانية حول جرائم العنف لدى الأطفال أشرف عليها علماء اجتماع من مصر، تعد جرائم الأطفال مشكلة من المشكلات الاجتماعية والقانونية المعاصرة التي تواجه المجتمع، وذلك لما يترتب عليها من آثار سلبية في شتى النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

المشرّع التونسي أحاط الطفل في نزاع مع القانون بحقّ متميّز عملا بمجلة حمایة الطفل الصادرة بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1995 المؤرّخ في 9 نوفمبر 1995

وأكدت الدراسة أن خطورة الأطفال مرتكبي الجرائم تتمثل في احتمال إقدامهم على ارتكابها في المستقبل خصوصا وأن أغلب الإحصائيات الجنائية أثبتت أن أغلب المجرمين البالغين كانوا يمارسون الإجرام في فترة حداثتهم.

ويرجع علماء الاجتماع جنوح الأطفال إلى الجريمة إلى سببين رئيسيين: أولا أن البعض من الأطفال يولدون ميالين إلى العنف بطبعهم فيتحولون إلى أطفال قتلة. أما السبب الثاني فهو أن الأطفال الذين يرتكبون جرائم قتل هم في أغلب الأحيان ضحايا إساءة أو تجاهل أو غير ذلك من الظروف الفوضوية في منازلهم.

ويشير عبدالستار السحباني المختص في علم الاجتماع إلى ارتفاع الجريمة عند الأطفال واتخاذها أشكالا جديدة، وهو ما يؤكد حسب رأيه أن الطفل التونسي غير محصن بما فيه الكفاية وذلك نتيجة للقصور العائلي بطريقة مباشرة وللانقطاع المدرسي بطريقة غير مباشرة.

وقال السحباني لـ”العرب” إن المدارس التونسية تخلو من علماء نفس ومختصين في علم الاجتماع من شأنهم أن يتفهموا نفسية الطفل. وأضاف أن جرائم الأطفال في تونس ليست سلوكا فرديا بل هي عمل جماعي تقف وراءه شبكات منظمة، مشيرا إلى أن الطفل إذا انخرط في عمل شبكي لن يستطيع الخروج منه بمفرده.

وأكد أن وراء تفاقم جريمة الأطفال في تونس أسبابا ذاتية وفردية غذتها العولمة والانفتاح على التكنولوجيا، ذلك أن الطفل الذي لا يمتلك هاتفا ذكيا على سبيل المثال سيسعى بكل الطرق إلى امتلاكه حتى ولو بسرقته. هذا إضافة إلى أنه إذا سرقه فسيجد من يشتريه منه ومن يدافع عنه ومن يغطي على الجريمة التي ارتكبها. كما يؤكد علماء النفس أن للأسرة دورا هاما في جعل الطفل ميالا إلى العنف.

الطفل التونسي غير محصن بما فيه الكفاية
الطفل التونسي غير محصن بما فيه الكفاية

وتقول هاجر زروقي، المساعدة النفسانية في الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى”، إن للأسرة دورا مهما في تقرير النماذج السلوكية للطفل، فهي “الخلية الأساسية لتكوين شخصيته. فقد يكون هناك رابط بين توجهات الطفل الجانح ومحيطه الأسري مثل افتراق الوالدين أو وجود فساد أخلاقي داخل الأسرة أو انعدام التواصل بين الأفراد”.

وتضيف زروقي أن  الطفل في ظل هذه الأوضاع يصبح غير طبيعي، حيث أنه يشعر بالحرمان وعدم الأمان فينتقل إلى الشارع، ليروّح عن نفسه وهناك يبدأ في التعرف على الأفعال المؤدية إلى الإجرام.

كما يؤكد خبراء التربية على أهمية المدرسة ودورها التربوي، مشيرين إلى أن سلوكيات بعض المعلمين أصبحت تشكل “دافعا لقيام الطفل بأعمال الانتقام أو إثبات ذاته أمام أصدقائه بوسائل عنيفة”.

كما تزيد مسألة الانقطاع المدرسي الأمر تعقيدا ذلك أنها تفتح المجال أمام الأطفال لكل أنواع الانحراف. ووفق إحصائيات تعود إلى العام 2019 ينقطع يوميا قرابة 282 طفلا عن الدراسة في تونس.

وقد أحاط المشرّع التونسي الطفل في نزاع مع القانون بحقّ متميّز عملا بمجلة حمایة الطفل الصادرة بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1995 المؤرّخ في 9 نوفمبر 1995. وعرّفت المجلة الطفل بأنه “كل إنسان عمره أقل من 18 عاما ما لم یبلغ سن الرشد بأحكام خاصة”.

80 في المئة من مرتكبي جرائم السرقة المجردة أو باستعمال العنف هم من الأطفال

ويشمل المسار القضائي جملة من المراحل تتمثل في إيقاف الطفل في مراكز الاحتفاظ المؤقت وإعلام وكيل الجمهورية الذي يقرّر إخلاء سبيل الموقوف أو القيام بأعمال البحث والتحقيق أو إحالة القضية إلى قاضي الأطفال أو إلى محكمة الأطفال. ويمكن حفظ القضيّة أو تسليم الطفل إلى وليّه أو إحالته على قاضي الأسرة أو وضعه بمؤسّسة للتربية والتكوين أو بمركز طبّي أو بمركز الملاحظة أو بمركز إصلاح أو تحت نظام الحرية المحروسة. وبهدف إيقاف التتبعات الجزائية يمكن لمندوب حماية الطفولة تفعيل آلية الوساطة في كلّ مراحل المحاكمة والتنفيذ.

وتهدف المهمة الرقابية إلى النظر في مدى استجابة منظومة إصلاح الأطفال في نزاع مع القانون للمصلحة الفضلى للطفل. وشملت الأعمال الرقابية أهمّ المتدخلين بالمنظومة وخاصة الوزارات المكلّفة بالعدل والطفولة والشؤون الاجتماعية ومؤسّسة السجون والإصلاح ومراكز إصلاح الأطفال ومستشاري الطفولة والمندوب العام لحماية الطفولة.

وخلصت المهمّة الرّقابية إلى ضرورة مراجعة النصوص القانونية المعتمدة وإجراءات التقاضي والهياكل المكلّفة بالتحقيق والمحاكمة، وإلى إعادة النّظر في ظروف الإيواء والرعاية الصحية والنفسية بمراكز الإصلاح لتتلاءم مع المعايير الدولية ومتطلبات العمل الإصلاحي.

وتمت المطالبة بضرورة دعم الرعاية اللاحقة لمغادرة الأطفال مراكز الإصلاح عبر تعزيز التنسيق بين الأطراف المتدخلة في المسار الإصلاحي، وذلك في إطار سياسة قضائية واجتماعية مندمجة تتوفر على المقوّمات البشرية والمالية والمعلوماتية قصد تأهيل هؤلاء الأطفال وإدماجهم.

21