أطفال اليوم يشكون من قلة اهتمام الأهل بسبب التقنية

على الرغم من أن الدراسات الحديثة تؤكد على أن الآباء والأمهات في عصرنا أكثر رغبة لرعاية أبنائهم وحرصا على متابعة دقائق حياتهم قدر الإمكان، إلا أن أطفال اليوم ما زالوا يعبّرون عن شكاوى مستمرة بسبب افتقادهم للتواصل مع الأهل وعدم شعورهم بوجودهم الحقيقي إلى جانبهم متى احتاجوا للرعاية أو لمجرد القرب. وهذه الحقيقة تعادلها مفارقة ازدياد وسائل التواصل عبر التقنية مع تراجع الروابط الأسرية عموما.
وترى الدكتورة لورا جويت، أستاذة علم النفس في جامعة لويزيانا الأميركية في مقالها الأخير بمجلة "علم النفس" الأميركية، أن هذه المفارقة ترجع لأسباب عدة منها، كيفية تعامل الأهل مع وسائل التقنية الحديثة وعدد الساعات المخصصة للتعامل معها. فقضاء وقت طويل في المنزل مع الأطفال والانشغال شبه الكلي بالهاتف النقال أو الكمبيوتر لا يعنيان بطبيعة الحال وجود اتصال حقيقي مع المحيط الاجتماعي وممارسة دور واضح في الحياة الواقعية بعيدا عن الحياة الافتراضية، فهل يعني جلوس الأم مع أبنائها أثناء تصفحها لبريد الرسائل الإلكتروني أنها على تواصل حقيقي معهم؟ وهل هنالك وقت كاف للاستماع إلى ما يقوله الطفل، بينما ذهن الأم منشغل بالتفكير في مشاكل العمل؟
في عالم اليوم المزدحم، وفي اللقاءات الأسرية القصيرة يبدو المشهد خاليا تماما من أي تواصل إلا مع عوالم التقنية الافتراضية، في حين يبدي أغلب الأطفال امتعاضهم وغيرتهم من هذه التقنيات الباردة والصامتة التي ما زالت تبني الحواجز وتبعدهم عن ابتسامة الأهل وحديثهم العذب، فالأطفال لا يعنيهم تواجد الأم والأب جسديا من دون أن يكون هذا التواجد حقيقا وعاطفيا.
وأظهرت نتائج استطلاع أميركي موسع أن 92 بالمئة من المشاركين عبّروا عن استيائهم بسبب انشغال أحد أفراد الأسرة بالهاتف النقال، وربما يفسره أغلب الصغار بأنه دليل على إهمالهم وتجاهلهم من قبل الأهل في حين يمثل هذا السلوك مصدر إزعاج للأبناء الأكبر سنا أو للشركاء، وربما يخلق هذا الحاجز غير المرئي بين الآباء وصغارهم نفورا في المشاعر وإحباطا شديدا ورسائل إهمال غير مباشرة محتواها يقول بأن ما يدور في هذا العالم التقني أهم بكثير منك.
قضاء وقت طويل مع الأطفال والانشغال شبه الكلي بالهاتف النقال أو الكمبيوتر، لا يعنيان وجود اتصال حقيقي معهم
ولتلافي هذه النتائج المخيّبة لآمال الصغار، تنصح لورا جويت الأهل بضرورة أخذ فترات استراحة مقتطعة من ساعات اليوم وتخصيصها للتواصل مع الأبناء، وهذا يعني إطفاء لوسائل الاتصال سواء أكانت هاتفا نقّالا أو كمبيوتر أو حتى التلفاز، والتفرغ كليا لإدارة حوار أسري ناجح وجها لوجه أو المشاركة في وجبة طعام وثم قضاء بعض الوقت بمشاركة الصغار ألعابهم ودروسهم.
كما تؤكد على أهمية الاستماع إليهم وتشجيعهم على طرح الأسئلة وطلب المساعدة في حل المشكلات، مع أهمية أن تكون استجابة الوالدين واضحة وتعكس الاهتمام وتعزز من مشاعر الحنان، وهذا لا يعني بالتأكيد الاكتفاء بإجابات أو نصائح مقتضبة تمرر ضمن أوقات الاهتمام برسائل العمل أو الهاتف.
أما الدكتور جيفري بيرنستين، عالم نفس أميركي ومستشار في العلاقات الأسرية، فيؤكد على أهمية الإصغاء باهتمام إلى الطفل عندما يعبّر عن رغبته في الحديث وهذا يعني، أن نضع جانبا كل ما من شأنه أن يشغلنا إلى الإنصات الكامل له، مع مراعاة مواجهته والنظر في عيونه أثناء تبادل الحديث.
ويوضح أن واقع الأمر يقول بأن العديد من الآباء والأمهات إنما يقومون بالاستماع إلى أطفالهم، بالتزامن مع قيامهم بأعمال أخرى، كقراءة الصحيفة ومشاهدة التلفاز وحتى الانشغال بتنظيف المنزل، في حين يجد الطفل حرجا ومعاناة كبيرة في التعبير عن مشاعره أو رسائله، مفترضا أن الطرف المقابل لا يأبه به وغير مهتم بما يقوله أو أن حديثه غير جدي.
وينصح بيرنستين، بأن يكون الاستماع إلى الطفل بفم مغلق، حيث من الأفضل تجنب مقاطعة حديثه قدر الإمكان ومنحه الفرصة للتعبير عن أفكاره ومخاوفه أو مشكلاته مهما كانت تبدو بسيطة أو تافهة في نظرنا، وبدلا من مقاطعته ببعض "الحكم"، يمكن الاستعاضة عن ذلك بابتسامة تشجيع وتحريك الرأس بالموافقة وإبداء الرغبة في المشاركة، فمقاطعة حديث الطفل من شأنها أن تربك تدفق قاطرة أفكاره وتشعره بالإحباط.
كما أنه من المهم المصادقة على كلامه بتكرار بعض الكلمات التي استخدمها وتبيان تفهمنا له وللأسباب التي تضايقه، وهذا الأمر يطمئن مخاوفه ويشعره بأن رسالته وصلت على أكمل وجه.