أسر تتمسك بعادة المهر على حساب رغبات الأبناء

لم تتخلّ العديد من العائلات العربية عن عاداتها وتقاليدها خاصة منها تلك المرتبطة بالزواج، وما زال المهر وهو إحدى هذه العادات من بين أهم أركان الزواج في غالبية المجتمعات العربية. وترتضي بعض العائلات بمهور رمزية وشكلية فيما تهتم غيرها بالقيمة المادية للمهر والمطالبة به كما جرت العادة التي توارثتها الأجيال، وتعدّ المغالاة في المهر إحدى المشكلات التي تنفر الشباب اليوم من الزواج.
تشترط بعض العائلات على المتقدم لطلب يد إحدى بناتها للزواج مهرا مكلفا، حيث يرتبط ذلك في الوعي الجماعي بقيمة البنت لدى أسرتها وكذلك في نظر زوج المستقبل وأهله، لكن شباب اليوم الذي يعاني من البطالة ومن ارتفاع تكلفة الارتباط قد يعجز عن الإيفاء بشروط هذا المهر، ما يجعله يصرف عن ذهنه فكرة الارتباط. ويعتبر المختصون في علم الاجتماع والباحثون في أسباب تأخر سن الزواج في أغلب المجتمعات العربية اليوم المهر أحد أهم الأسباب التي تساهم في عزوف الشباب عن الارتباط بفتيات ينتمين لأسر تقليدية متمسكة بشروط المهر.
يقول حمدي، مهندس، “الشاب المقبل على الزواج مطلوب منه تأمين السكن المناسب وتقديم الشبكة والمهر إلى جانب قيمة السكن، وبالطبع في الوضع الراهن الذي تعاني فيه أغلبية المجتمعات العربية من أزمة اقتصادية خانقة لا يقدر معظم الشباب على تلبية المتطلبات والشروط المجحفة التي تفرضها بعض العائلات”.
ويرى محمد خالد، طبيب، أن المهر عادة ما يكون مبلغا ماليا ضخما، لذلك فإن تساهل أهل الفتاة في مسألة المهر من شأنه أن يحفز إقبال الشباب على الزواج، بدلا من أن ازدياد نسبة العنوسة.
ويؤكد محمد جمال، مدرس، “مطلوب من أي شاب لكي يتزوج تأمين المسكن مع الأثاث، فضلا عن المهر الذي عادة ما يكون مكلفا جدا إلى جانب مصاريف حفلة العرس، وهذا ما يدفع بعض الشبان إلى إنهاء علاقاتهم العاطفية عندما تبدأ عائلة الفتاة في وضع قائمة من مستلزمات المهر”.
المهور أصبحت مرتفعة لأنها دائما تتأثر بالمكانة الاجتماعية والأعراف والتقاليد إلى جانب اتباع الموضة والمظاهر
من جانبه يشير المأذون الشرعي طارق محمود، إلى أن مقدار المهر يتوقف على قدرة الراغب في الزواج، فمن الطبيعي أن يدفع الثري مهرا تفوق قيمته ما يدفعه الفقير بكثير، وأيضا من العوامل التي تؤثر في تحديد مقدار المهر كون المرأة ستتزوج للمرة الأولى أم سبق لها الزواج، وهذا ما تعمل به العديد من الأسر العربية.
ويتابع محمود، تختلف قيمة المهر في الريف عنها في المدن، كما أنها تختلف أيضا حسب الوضع الاجتماعي للأسرة، إلا أنه عموما على العريس أن يوفر الشقة أولا، ما يمثل بدوره مشكلة كبيرة عند أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، ويكون التسهيل بعد ذلك في أمور كثيرة، حيث يشارك أهل العروس في إعداد الأثاث، أما في الريف فيشترط أهل العروس الشبكة، ومن الطبيعي ألا يستطيع أغلب الشبان تحمل ذلك في ظل الرواتب البسيطة الرائجة اليوم، ولذلك ارتفع متوسط سن الزواج وهو ما أدّى في الفترات الأخيرة إلى تخلي بعض العائلات عن الشروط والمهور.
ويعلق الخبير الاجتماعي علي حسين عن الأبعاد الاجتماعية لغلاء المهور قائلا “مع الأسف، معظم المجتمعات العربية تنظر إلى المهر وكأنه تعبير عن التقدير الاجتماعي، فكلما كان المهر عاليا كلما دل على مكانة الأسرة وعراقتها فضلا عن جمال العروس″.
ويضيف حسين “في رأيي مرجع هذه الأفكار عادات سادت قديما لكنها ما زالت موجودة بشكل أو بآخر في مجتمعاتنا العربية، بالرغم من أن الاقتصاد في المهور ييسر للشباب الزواج بدلا من العزوف عن الزواج الذي يؤدي إلى انتشار العنوسة بين الفتيات”.
ويقول أستاذ الدراسات الاجتماعية سعيد حنفي إن المهر كما هو معروف مقدار من المال يدفعه الراغب في الزواج إلى ولي المرأة التي يرغب في الزواج منها ومن الطبيعي أن تختلف قيمة المهر تبعا لحالة العروسين وعائلتيهما المادية وتبعا لوضع المجتمع اقتصاديا؛ ففي المجتمعات الريفية الخالصة كان المهر يتمثل في عدد من رؤوس الحيوانات إلى جانب أشياء أخرى أو مبلغ مالي متعارف عليه، ولكن في المدن يختلف المهر بعض الشيء، حيث التجارة منتشرة والنقود والمعادن شائعة الاستعمال لذلك يتمثل المهر أحيانا في مبلغ من النقود أو معادن ثمينة.
ويتابع حنفي أن المهور الآن أصبحت مرتفعة جدا، لأنها دائما تتأثر بالمكانة الاجتماعية والأعراف والتقاليد إلى جانب إتباع الموضة والمظاهر سواء كان ذلك في المسكن أو الأثاث أو حتى الاحتفالات والولائم التي تتكلف الشيء الكثير، ما يثقل كاهل الشاب وأهله، وبالطبع يعتمد الشاب في غالبية الحالات على مساعدات الأهل في توفير المهر، لأن دخله لن يسمح له بذلك، لذا كثيرا ما نجد الأهل والأصدقاء يتعاونون مع بعضهم للمشاركة في دفع المهر للعريس المقبل على الزواج.
ويعتبر استشاري الطب النفسي عبدالرحمن عمر، أن المشكلة في بعض العادات مثل المهر والتي يحرص عليها بعض أفراد المجتمع أنها يجب أن تكون مرتفعة القيمة حتى يمكن لهم التفاخر والتباهي بها أمام الأقارب والجيران.
ويقول عمر “المسألة يجب أن تقوم على أسس أخرى تراعي موقف الشاب المقبل على الزواج وميزانيته ودخله المادي إذ يجب أن تتفهم أسرة البنت ذلك وتساند الشاب ولا ترهقه بالمهر المرتفع وهذا يتطلب أن ينظر الأهل إلى الأمور نظرة شاملة بما فيها تطور نمط المعيشة اليوم، ويجب أن تتغير العادات والتقاليد القديمة ويكتسب المجتمع عادات جديدة تناسب الشباب”.
ولا تزال العديد من العائلات تطنب في الشروط بالرغم من تغير العديد من المعطيات الثقافية وبالرغم من عدم تأييد الشباب لهذه الشروط وإتباع العادات والتقاليد القديمة في الزواج التي تصعب عليهم الارتباط وتجعل الإقدام على الزواج بمثابة النهاية للعلاقة العاطفية وللحب والأحلام، لكن يعجز العديد من الشباب عن التصدي لهذه العادات أمام تمسك الأهل بها، فيجدون أنفسهم إمّا مجبرين على إتباعها أو يختارون العزوبية وعدم التفكير في الزواج.