أسئلة الفوازير الرمضانية

عام 1981، تسللت "فوازير رمضان" إلى التلفزيون العراقي. قدمت المبدعة نيللي فوازير "الخاطبة" لنكتشف أن الفوازير ليست شيئا جديدا، بل إن فوازير "الخاطبة" هي موسم جديد من مواسم هذا العرض المبدع في رمضان. الفوازير وصلت التلفزيون العراقي بعد أن حلّت عقدة العلاقة السياسية المصرية - العراقية. العقدة كان أساسها اتفاقية كامب ديفيد ومقاطعة الإنتاج التلفزيوني المصري من قبل عدد من الدول العربية. الوضع السياسي بين البلدين تغير بعد أن أرسل الرئيس الراحل أنور السادات عتادا حربيا للعراق في أوائل الحرب العراقية - الإيرانية، ثم شهد انفراجا كاملا بوصول الرئيس حسني مبارك إلى الحكم. مقاطعة الإنتاج التلفزيوني المصري، من دراما وغناء وسينما وبرامج ثقافية، تعادل إطلاق النار على قدمك: كيف يمكن أن تقاطع أكبر منتج يملأ لك ساعات البث التلفزيوني؟
المقاطعة العراقية لبرنامج الفوازير لم تستهدف البرنامج نفسه. لا أحد كان يفكر بالبرنامج على أنه استعراضي راقص لا يبدو أن له علاقة بأجواء رمضان. كان التسلسل للعرض التلفزيوني المرافق لتوقيتات ساعة الإفطار، يبدأ بتلاوة قرآنية، ثم مدفع الإفطار ورفع الأذان، يعقبه دعاء وموشحات دينية تصاحب الإقبال على موائد الإفطار، ثم تأتيك الفوازير. مقدمة الفوازير ونهايتها تعاد كل يوم مع كل حلقة من الحلقات الثلاثين. كانت لوحدها عرضا جميلا. وكانت نيللي، ومن بعدها في مواسم أخرى سمير غانم (فطوطة) ثم مبدعة أخرى هي شريهان، تقدم أغاني ورقصات وملابس متنوعة وملونة، من ثقافات وحضارات مختلفة. لا مجال للمبالغة عند القول بأن الاستعراضات والأغاني والموسيقى تشبه إلى حد كبير تلك التي يمكن أن تشاهدها في ملاهي الليدو والطاحونة الحمراء في باريس.
استمرت الفوازير لسنوات طويلة ثم تآكلت فنيا أولا بحكم تكرار الأفكار وضعف اختيارات النجوم، قبل أن تتآكل وتتوقف بحكم تغيّر المزاج في عالمنا العربي بالعموم. موجة التدين التي عصفت بالعالم العربي غيّرت كل شيء. هل بوسعنا اليوم أن نتخيل إقدام التلفزيون المصري أو أيّ من الفضائيات على تقديم برنامج غنائي راقص لفنانة مسيحية أرمنية الأصل (نيللي) في رمضان؟ لا أظن.
تغيّر المزاج صار يعني تقديم برامج "دينية" في رمضان، باعتباره شهر التدين. لا أعرف هل زادتنا المسلسلات الدينية أو التاريخية ورعا وأصبحنا أكثر إنسانية ونتعامل بأخلاقيات أعلى؟ أو ربما السؤال الأصح: هل كانت فوازير الخاطبة وفطوطة وألف ليلة وليلة سببا في انحراف أخلاقيات المجتمعات العربية؟ نترك الجواب للناس الذين عاصروا المرحلتين: مرحلة إقبال على ثقافة الحياة بلا عقد وبإيمان عميق وورع نفسي وليس استعراضيا؛ ومرحلة الغرق في دوامة من التدين الاجتماعي والسياسي أوصل المجتمعات إلى الحال الذي نعيشه اليوم. أسئلة تشابه الفوازير.