أزمة غذاء تتهدد اللبنانيين مع توجه لرفع الدعم عن المواد الأساسية

حكومة تصريف الأعمال تعتزم رفع الدعم عن المواد الأساسية ضمن خطة ستقافم الوضع الكارثي للطبقة الفقيرة العاجزة عن تأمين قوتها اليومي من دون مساعدات.
السبت 2021/03/06
رفع الدعم يهدد اللبنانيين بكارثة

بيروت- تتسارع وتيرة الانهيار المالي في لبنان، مع تهاوي العملة المحليّة أمام الدولار، ونضوب خزينة الدولة، الأمر الذي ينذر بانفجار شعبي، قد يهوي بما تبقى من الدولة، في ظل ارتباك حكومي وغياب إرادة سياسية للإصلاح.

وأدّى الوضع المالي في البلاد إلى ارتفاع مخيف في الأسعار، مع تراجع القدرة الشرائية بشكل أضر كثيرا بالطبقة الوسطى التي تكاد تندثر لفائدة طبقة فقيرة غير قادرة على تأمين قوتها اليومي من دون مساعدات.

يقول خبراء اقتصاد إن الوضع في لبنان يتجه من سيء إلى أسوأ مع تآكل الاحتياطي من العملة الصعبة، في بلد يستورد معظم حاجياته الأساسية، وقد بات رفع الدعم عن المواد الأساسية أمرا واقعا لا محالة.

وتحوّل مشهد خروج الناس للاحتجاج على تردي الوضع المعيشي أمرا معتادا، حيث يقودهم القلق والخوف من عجزهم عن تأمين الغداء، في وقت لا تبدي السلطة القائمة أي اهتمام.

وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة وضع خطة عمل تنص على رفع تدريجي للدعم مقابل تأمين مساعدات مالية مدروسة على مدار سنوات عدة

ووجدت ساندرا الطويل نفسها مجبرة على بيع البراد والغسالة. لكن ما جنته لن يخدمها طويلا في ظل الأزمة المعيشية الخانقة، وتتخوف من رفع الدعم الحكومي عن سلع أساسية، ما قد يجعل تأمين قوت عائلتها مستحيلا.

وشهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعا جديدا في أسعار السلع والخدمات كافة، من الخبز والمواد الغذائية المستوردة بغالبيتها، مرورا بالبنزين وتعرفة سيارات الأجرة، وصولا الى فاتورة المولّد الكهربائي وسط تقنين قاس في التيار. علما وأن جزءا كبيرا من هذه السلع مدعوم من الدولة.

وفي عام 2019، اختارت ساندرا وزوجها الانتقال من دبي إلى بيروت حيث افتتحا صالون تزيين خاصا بهما. لكنّ الحلم الذي عملا طويلا على تحقيقه اصطدم بانهيار اقتصادي غير مسبوق.

تقول ساندرا (40 عاما)، وهي أم لطفلين “وصلت إلى درجة أن بعت غسالتي وبرادي حتى نؤمن قوتنا اليومي وإيجار المنزل”، لتتساءل بانفعال “نعيش أساسا حالة تقشّف. ماذا سنأكل إذا كنا غير قادرين على شراء الأرز والقمح والعدس؟”.

وتعتاش العائلة التي توقفت عن شراء اللحوم والدجاج، على مساعدات غذائية تقدمها جمعية “بيت البركة” غير الحكومية التي تتولى كذلك دفع الأقساط المدرسية للطفلين.

وتتلقى جمعية “بيت البركة” مئات الرسائل يوميا طلبا للمساعدة. وتقول مؤسّستها مايا إبراهيم شاه “لاحظنا منذ أربعة أشهر تقريبا ازدياد الطلبات بشكل كبير”. وتساعد الجمعية حاليا نحو 226 ألف شخص شهريا، عبر دفع أقساط مدرسية ورعاية صحية. كما تدير سوبرماركت مجانية في بيروت.

وتوضح إبراهيم شاه “من نساعدهم حاليا كانوا كلهم من الطبقة الوسطى” التي يقول محللون إن الأزمة الراهنة قضت عليها. وتتوقّع ارتفاع عدد من سيحتاج المساعدة إذا تمّ رفع الدعم أو تخفيفه.

وتشكل السلع المدعومة صمام أمان خصوصا للعائلات الأكثر فقرا. وتسمح صيغة الدعم المعمول بها التي تصل قيمتها إلى 437 مليون دولار شهريا وفق البنك الدولي، بكبح أسعار نحو 300 سلعة أساسية بدأت الدولة تدفع جزءا من كلفتها منذ الصيف.

ويوفر المصرف المركزي الدولار للمستوردين وفق سعر الصرف الرسمي (1507 ليرات)، بما يغطي الجزء الأكبر من قيمة المواد التي يراد استيرادها، بينما يعود لهم تأمين 10 إلى 15 في المئة من المبلغ المتبقي من السوق السوداء، حيث لامس سعر الصرف عتبة العشرة آلاف في معدل قياسي.

وخلال مقابلة في ديسمبر الماضي، حذر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أن المصرف يستطيع تمويل الدعم لشهرين إضافيين فقط. وقال في تصريح لاحق إن لديه ملياري دولار لتأمين الدعم.

وفي فبراير الفائت، بلغ احتياطي الدولار 17.9 مليار، وفق موقعه الإلكتروني، 17.5 مليار منه هو احتياطي إلزامي يفترض عدم المس به. وتنصّ خطة عمل أرسلها وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة على رفع تدريجي للدعم، مقابل تأمين مساعدات مالية مدروسة على مدار سنوات عدة.

وبحسب الخطة، يتم أولا رفع الدعم عن السلة الاستهلاكية المكونة من 300 سلعة، إضافة إلى الخبز والوقود. وتجري بعد ذلك مراجعة لأسعار كهرباء لبنان.

وفي المقابل، يتلقى 80 في المئة من السكان خلال العام الأول دعما ماليا بقيمة 50 دولارا للشخص البالغ و25 دولارا للطفل، على أن يتراجع بعد مرور عام عدد المستفيدين مثل قيمة الدعم تدريجيا.

ويحذّر برنامج الأغذية العالمي من “آثار تضخمية كبيرة” إذا تم ترشيد الدعم، متوقعا أن يرتفع سعر الخبز إلى ما بين مرة ونصف وثلاث مرات، والوقود إلى أكثر من أربع مرات.

جمعية "بيت البركة" تساعد حاليا نحو 226 ألف شخص شهريا
جمعية "بيت البركة" تساعد حاليا نحو 226 ألف شخص شهريا

ويشدد البرنامج الذي قدّم في العام 2020 مساعدات غذائية ومالية لـ417 ألف لبناني، ويستعد لدعم 50 ألف عائلة شهريا في المرحلة المقبلة، على ضرورة “العمل فورا لزيادة المساعدات الاجتماعية للفئات الأكثر فقرا” لتخفيف تداعيات رفع الدعم.

ووافق البنك الدولي مطلع العام الجاري على تقديم مساعدة طارئة بقيمة 246 مليون دولار على شكل تحويلات مالية وخدمات اجتماعية لنحو 786 ألف لبناني من الأسر الأكثر فقرا.

وتمرّ الأيام ثقيلة على ناصر جمعة (56 عاما) الذي يحاول تأمين قوت عائلته، فيما لا يجد ابنه (25 عاما) عملا. ويقول “سيكون رفع الدعم كارثيا”، مشككا في قدرة الدولة على دعم الفقراء. ويضيف “هذا كله مجرد كلام.. لا نثق في الدولة”.

ويعمل الرجل كسائق خاص براتب قيمته 1.6 مليون ليرة، أي 160 دولارا بعدما كان المبلغ يعادل أكثر من ألف دولار قبل الأزمة. ويقول “سنصل إلى يوم نعجز فيه عن شراء ما نأكل ونشرب”.

2