أزمة العودة إلى المدارس مصدر إجهاد للآباء والأبناء

تتعاظم الضغوط النفسية في مناسبات محددة، تحيطها في العادة مظاهر أسرية واجتماعية تجعل من صاحب الشأن أو من يتولى زمام المسؤولية، في حيرة من أمره يقف مستسلما وهو يقع تحت طائلة التوتر والإجهاد النفسي والذهني بانتظار أن تمرّ الأزمة بسلام. يتكرر الأمر بداية كل عام دراسي؛ الضغوطات التي تمارسها متطلبات الواجبات الأسرية المادية وغيرها على الآباء والأمهات، إضافة إلى التوتر والضيق اللذين يعاني منهما التلاميذ أنفسهم وهم مقبلون على بداية عام دراسي جديد حافل بعبء العمل المدرسي والواجبات التي لا تنتهي، ولم تزل آثار الكسل واللامبالاة التي اعتادوها في العطلة الصيفية عالقة في أرواحهم قبل أجسادهم.
بالنسبة للعديد من الأطفال، تستحضر فكرة العودة إلى المدرسة في كل مرة صورة المكان المغلق الذي يشبه السجن، حيث يخضع لأقصى درجات التقييد ولا يُسمح بالخروج منه إلا في المساء مع كاهل مثقل من الواجبات، التي ينبغي إنجازها يوميا وما يرافقها من ضغوط ونصائح الأهل بما يجب على التلاميذ فعله وما لا يجب. ينطبق هذا بصورة أكبر على المراهقين الذين من المحتمل أن يكونوا أكثر حساسية للضغوط الاجتماعية، إذ يشكل روتين العودة إلى المدرسة ودخول فصول دراسية جديدة مع أشخاص جدد مصدرا للقلق وربما الخوف. في حين يشعر الأهل بنوع من الحرية للخلاص من تقييد وجود الأطفال في المنزل طوال العطلة، وشعورهم أخيرا بالتحرر من هذا الالتزام والانطلاق لأداء أعمالهم المؤجلة.
ويؤكد الكاتب والطبيب النفسي الأميركي، بارتون غولد سميث؛ أهمية توخي الحذر في ما يجب أن يقوله الآباء أمام أبنائهم بتعبيرهم عن هذه المشاعر التي توحي بأنهم تخلصوا أخيرا من ثقل كان يقيدهم، الأمر الذي يسبب توترا نفسيا للأطفال يضاف إلى توترهم بسبب دخولهم تجربة جديدة خاصة من ينتقل منهم إلى مراحل دراسية متقدمة أو مدارس جديدة. في الوقت ذاته، يعاني بعض الآباء والأمهات من القلق بسبب انفصالهم عن أبنائهم خاصة الصغار منهم الذين يدخلون المدرسة للمرة الأولى، وربما تنتابهم بعض المخاوف من احتمال تعرضهم لمخاطر غير متوقعة، مع زيادة الحوادث التي انتشرت في الآونة الأخيرة سواء داخل المدارس أو في الطريق إليها.
بدلا من الاستسلام الكامل لتبعات هذا الإجهاد النفسي، ينصح متخصصون بضرورة التعامل معه لتلافي تأثيراته السلبية على الصحة العقلية والجسدية، مفضلين إخفاء مخاوفنا الشخصية بالذات وعدم التعبير عنها أمام الصغار حتى لا ينتقل إليهم هذا القلق بالعدوى.
ويضع طبيب الأطفال والمدير المشارك في مركز التواصل بين الوالدين والمراهقين في مستشفى الأطفال في فيلاديلفيا، كينيث جينسبيرغ، بعض الاستراتيجيات المفيدة لهذه الحالات، التي من شأنها أن تزيح عن أكتاف التلاميذ هموم البدايات، وأهمها التركيز على كيفية مواجهة التحدي، والتفكير في ما إذا كان تحديا حقيقيا يستدعي القلق أم أنه عائق صغير ومؤقت سيمر سريعا. بعض التلاميذ يواجهون فشلا بسيطا في تقدير درجاتهم بداية العام الجديد، الأمر الذي يسبب لهم معاناة وأحيانا صدمة نفسية إذا لم تتم معالجتها بحكمة فهي جديرة بإفساد أي بادرة نجاح، مع أنها في حقيقتها مجرد كبوة بسيطة ومدخل لواجبات واختبارات كثيرة ضمن السنة الدراسية ولا تعني نهاية المطاف.
ويوصي متخصصون بأهمية التنفس العميق واستنشاق هواء نقي، لمواجهة آثار الإجهاد المدمرة، مؤكدين أن ذلك ممارسة قيمّة وليست مجرد ترف إذ أن قضاء بعض الوقت خارج المنزل وممارسة رياضة المشي أو زيارة النادي الرياضي، من شأن ذلك أن يقلل حدة التوتر الذي يسببه هذا النوع من الأعباء.
من ناحية أخرى، يحمّل بعض الناس الأمور أكثر من طاقتها في حين يصاب آخرون بالإحباط المستمر خاصة إذا كانوا يتحملون مسؤولياتهم بمفردهم، مثل الأب العازب والأم العازبة.
النظرة الإيجابية للأمور هي الحلّ الأمثل لهذه المواقف، فبدلا من الشكوى المستمرة يتوجب علينا استشفاف الفوائد الإيجابية في مواجهتنا للتوتر، من خلال إعادة صياغة نظرتنا للواقع وربما نكتشف وجود فائدة طويلة الأمد تؤسس للحظات تعلم من الأخطاء والتجارب الجديدة، يمكنها أن تعزز قدرتنا على مواجهة مواقف مشابهة في المستقبل أو لمد يد العون لمن في حاجة إلينا.
وفي كل الأحوال، فإن الذين يفكرون بإيجابية يميلون للتعامل مع الإجهاد بطريقة أكثر فاعلية. إضافة إلى ذلك، من المفيد أن يبقى التواصل بين الآباء والأبناء على شكل خطة موضوعة بإتقان لإدارة الإجهاد والسيطرة على المشاعر السلبية التي يتعرض إليها الطرفان في بداية العام الدراسي، ومن شأن هذا التواصل أن يحقق مشاركة مثمرة للأفكار ومعرفة مسببات التوتر والحلول المطروحة لأي مشكلة في الوقت المناسب لتلافي وصولها إلى مرحلة معقدة يصعب التعامل معها.
الأهم من هذا، ينبغي أن يقف الوالدان كمثال يقتدى به أمام أبنائهم في طريقة مواجهتهما وإدارتهما للتوتر والمستجدات والمتغيرات التي تطرأ على حياتهم، وهم بذلك يقدمون نصيحة غير مباشرة للأبناء.