أزمة الصحف اللبنانية أكبر من توقف إصدارها

لا تتوقف أزمة الصحافة اللبنانية على تدهور الوضع الاقتصادي، إذ ساهم الانحياز السياسي وتحول الصحافيين إلى جنود في المعركة السياسية في غياب المصداقية وفقدان القارئ ثقته في المنابر العريقة.
الاثنين 2016/03/21
عجز مالي ومهني

بيروت – أعلنت ثلاث من أعرق الصحف اللبنانية، السفير والنهار واللواء، عن نيتها في التوقف عن الصدور ورقيا، بسبب العجز المالي الذي لم يعد يسمح لها بالاستمرار في تحمل نفقات الإصدار المطبوع وتكاليفه المرتفعة.

ويواجه الإعلام اللبناني عامة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، إذ تتأخر رواتب الصحافيين في تلفزيون وصحيفة “المستقبل” و”إذاعة الشرق”، كما يعاني تلفوزنا “أم تي في” و”إل بي سي”، من مشاكل اقتصادية. لكن جرس الإنذار بتدهور الوضع دق مع إعلان جريدة “السفير” في “رسالة إلى الأسرة”، جاء فيها “بأننا عشية العيد الثالث والأربعين لإطلاق هذه الصحيفة… نواجه ظروفا وتحديات صعبة”، وأنه في مواجهة ذلك “كان من الطبيعي أن يبادر مجلس الإدارة إلى طرح الاحتمالات جميعها للنقاش، بما فيها خيار التوقف عن الصدور، وفي انتظار تبلور القرار، تستمر السفير بالصدور”.

وأصدرت رئاسة تحرير صحيفة اللواء مذكرة إدارية قالت فيها “عطفا على إجراءات شد الحزام وخطوات التقشف الأخيرة، وإفساحا في المجال أمام الزملاء والزميلات لاتخاذ الخيار المناسب لكل منهم، وحرصا على عدم تحميل أعباء المرحلة الصعبة لمن لا يرغب في المشاركة في تحملها، تقرر فتح باب الاستقالة أمام من لا يستطيع الاستمرار في العمل في هذه الظروف القاسية”.

ويرى المراقبون أن السبب المالي قد يكون سببا منطقيا ومباشرا، ولكن الأسباب العميقة لأزمة الصحافة اللبنانية تتعدى المسائل المالية، وتتصل بفقد الصحافة اللبنانية لدورها ومصداقيتها ومهمتها وتحولها إلى منابر تعيد إنتاج لغة الشارع ومواقف السياسيين بشكل أو بآخر. وأصبحت الصحف طرفا محاربا، وليس طرفا ناقدا، أو قارئا، أو متابعا أو مناقشا، بل باتت جزءا لا يتجزأ من السياق الحربي الكامن في البلاد، والذي ينتظر اللحظة المناسبة للانتقال إلى المرحلة التالية.

وتبرر بعض الصحف أسباب إقفالها الوشيك بضرورة تماشيها مع العصر، وتحولها إلى الصيغة الإلكترونية تماهيا مع تجارب صحف عالمية كبرى.

وقال مدير تحرير الموقع الإلكتروني في السفير منير الخطيب، إنه حتى الآن “لم يصدر أي قرار بالدمج بين الورقي والإلكتروني أو بإلغاء الورقي”، وإن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة”.

وأضاف “يقوم الموقع على محتوى الصحيفة، ويعتمدها مادة أساسية، فما يفعله الفريق الإلكتروني عدا ذلك هو رصد الأخبار ومتابعتها، فالعاملون في الموقع لا يكتبون التحليلات المعمقة ولا الرأي”. وإذا تقرر الإقفال “فلا بد أن نعتمد على فريق من الصحيفة للعمل في الموقع”.

عوني الكعكي: السوق العراقي كان الأساسي بالنسبة للإعلام اللبناني

لكن صحافيا من فريق العمل في السفير، قال إن قرار الإقفال نهائي. وأضاف رافضا الكشف عن اسمه “لقد أتوا بفريق إلكتروني وجميعنا سنعود إلى منازلنا في نهاية الشهر”. وذكرت إحدى الصحافيات في صحيفة النهار أن أزمة الصحيفة المالية ليست خافية على أحد، فمنذ سبعة شهور لم نتقاض رواتبنا، ولا نعلم إلى أين نحن ذاهبون، كلما حاولنا الاستفسار عما يدور من كلام عن توقف النسخة الورقية، نجابه بالإنكار”.

وعبر مدير تحرير “النهار” غسان حجار في تصريحات نقلتها بي بي سي، عن امتعاضه مما اعتبره “زج اسم النهار في الأزمة التي تعاني منها صحيفة أخرى”، لافتا إلى أن “المؤسسات الإعلامية كلها تعاني من العجز”. وأكد حجار أن “لا نية لنا في الوقت الراهن في الانتقال إلى النشر الإلكتروني، ولم يتم أي نقاش حيال ذلك”.

وعقد مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية اجتماعا استثنائيا، الأسبوع الماضي، لبحث الأزمة، تقرر في أعقابه عقد اجتماعات مع رئيسي المجلس النيابي والحكومة ووزيري الإعلام والعمل والبحث في وسائل تأمين ديمومة عمل الصحافة اللبنانية واستمراريتها، وكذلك عقد اجتماع طارئ مع نقابة الصحافة للتنسيق والاتفاق على خطة عمل للتصدي لأي عملية صرف تعسفي.

ووضعت نقابة المحررين مستشارها القانوني في خدمة الصحافيين في الصحف المعنية، ودعت أصحاب الصحف إلى التريث في اتخاذ أي خطوات بانتظار البحث عن حلول مشتركة.

وقال نقيب الصحافة عوني الكعكي إن الأزمة لا تشمل “السفير” فقط، وأن عمرها سنوات، وتعود بجذورها إلى الستينات. وكشف عن أنه بين 110 امتيازات إعلامية مسجلة لصحف ومجلات (59 صحيفة و51 مجلة)، لا يصدر منها إلا نحو 15 مطبوعة تقريبا. وأوضح أن الوضع الاقتصادي يتراجع يوميا، وهناك العديد من الأسواق العربية المهمة للإعلام العربي أغلقت أو تراجعت.

وتابع “إن السوق العراقي كان الأساسي بالنسبة للإعلام اللبناني، وكانت أي مجلة تباع للعراق تؤمن وضعها الاقتصادي، وكذلك مصر، لكن المنافسة المحلية وارتفاع تكلفة المطبوعات أثرا في توزيع المجلات اللبنانية في مصر، بالإضافة إلى إغلاق سوق ليبيا”.

وأشار إلى أنه بالنسبة للخليج، بدأ في الستينات العد العكسي للصحافة اللبنانية، لأنه مع ظهور النفط أصبحت لدى الدول الخليجية صحف ومجلات خاصة بها.

وأردف “إننا مقبلون على أزمة كبيرة”، وحل الأزمة يحتاج إلى تمويل، ومجلة الحوادث أعرق مجلة في العالم العربي أغلقت أبوابها، الثلاثاء.

وأورد محللون أسبابا أخرى ساهمت في تفاقم الأزمة المالية للصحافة اللبنانية، وأبرزها تحول الكتاب والصحافيين إلى جنود، حيث جعلوا مهمة الكتابة الصحافية، قتل الخصوم والتنكيل بهم بكل الوسائل الممكنة، ويشهد على ذلك سياق العلاقات بين الصحافيين والكتاب المنتمين إلى جرائد تنطق باسم جهات متناحرة. يسود في هذه العلاقات جو التهديد، والوعيد، والتخوين والشتائم.

وهذا السياق لم يكن مألوفا ولا مقبولا ولا طبيعيا، في أي مرحلة من تاريخ الصحافة اللبنانية التي كانت تتميز بخضوع كل العاملين فيها لمنظومة قيم مهنية تسمو على كل القوانين، يكون فيها الصحافيون مدافعين عن بعضهم البعض ضد أي اعتداء من أي جهة كان، وذلك بغض النظر عن اختلافهم في الرأي.

18