أرياف تونس محمية بالعزلة أكثر من الإجراءات الصحية

تبدو المدن التونسية الكبرى مهيئة بدرجة أكبر من البلدات الريفية والمدن الأصغر لمواجهة التداعيات الصحية للمصابين بفايروس كورونا، باعتبار أن مرافقها الاستشفائية بمواصفات أعلى وإمكانيات أكبرى من نظيرتها في الأرياف والقرى. ومع ذلك فإن المدن الأصغر محمية بالعزلة (التنموية والاقتصادية) أكثر من الإجراءات الصحية، فتسلل حالة واحدة مصابة بكورونا يمكن أن يتسبب في أزمة حقيقية.
تونس- أثار تصريح وزيرة الصحة التونسية السابقة سميرة مرعي بوجود 240 سرير إنعاش فقط في المستشفيات العمومية جلها متمركز بالمدن الكبرى، موجة ذعر في صفوف التونسيين على الرغم من أن فايروس كورونا لم ينتقل بعد إلى مستويات متقدمة في التفشي، وأن عدد الإصابات في تونس حتى الأحد بلغ 75 حالة.
وبحسب تقديرات وزارة الصحة التونسية، فإن عدد أسرة الإنعاش لا يتجاوز 500 سرير في عموم البلاد بما في ذلك الأسرة المتوفرة لدى المصحات الخاصة، وهو ما يثير المخاوف لدى جميع التونسيين بدرجات متفاوتة تبلغ ذروتها لدى متساكني البلدات والقرى.
ورغم أن أغلبية الإصابات بفايروس كورونا حتى منتصف الأحد سجلت كلها تقريبا في المدن الكبرى، إلا أن تسجيل حالة واحدة في إحدى القرى أو البلدات الريفية يمكن أن يتسبب في أزمة حقيقية على مستوى العلاج.
وقالت أستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية فتحية السعيدي في تصريحات لـ”العرب” إن السلوك اليومي لسكان القرى والبلدات والذي يتسم بقلة الحركة مقارنة بمتساكني الحاضرة يساعد كثيرا في التصدي لانتشار الفايروس، لكن ذلك لا يعني أن هاته البلدات والقرى محصنة.
وأضافت السعيدي “تباعد التجمعات السكنية وعدم وجود فضاءات تجارية كبرى وقلة المواصلات العامة تجنب هذه المناطق إلى حين تفشي الفايروس فيها”.واستدركت “لا يمكن القول إن العزلة التي تعيشها هذه المناطق ميزة لعدم تفشي الفايروس، لا توجد أي منطقة اليوم في العالم محصنة”.
ويشكو قطاع الصحة في تونس من العديد من المشكلات في ما يخص الخدمات التي يقدّمها والتجهيزات التي يعتمد عليها، والخلل بين الجهات، والإمكانيات التي ترصدها الدولة التونسية لهذا القطاع المهم والحساس الذي صار يشتكي من رداءته معظم التونسيين.
ويشتد ضعف القطاع الصحي وما يعانيه من مشكلات أكثر في الجهات الداخلية للبلاد، التي تعاني أغلب مستشفياتها من نقص حاد في التجهيزات وأطباء الاختصاص كأطباء التخدير والإنعاش.
ويشمل القطاع العام 2300 مركز للرعاية الصّحية الأساسية، إلى جانب 27 تجمعا للصحة الأساسية و109 مستشفيات محلية و33 مستشفى جهويا و18 مركزا ومعهدا مختصا و12 مركزا طبيا و3 مستشفيات تابعة لوزارة الدفاع ومستشفى واحد تابع لوزارة الداخلية، بطاقة استيعاب إجمالية تقدّر بـ19630 سريرا أي بما يعادل 1.84 سرير لكلّ ألف ساكن تونسي.
وحسب تقرير أصدرته الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، يبقى عدم المساواة في الخدمات الصحية العائق الأكبر. حيث أن العديد من المواطنين يشتكون من عدم ولوجهم إلى مرفق صحي قريب، وإذا ما بلغوه فإنه لا يتكفل بتلبية حاجياتهم ولا يلائم تطلعاتهم. والسبب هو أن ما يعادل نصف المراكز الصحية الأساسية لا تقدم إلاّ حصّة واحدة في الأسبوع للعيادات الطبيّة وأنّ أغلب المستشفيات المحليّة لا توفّر المعدّات والتجهيزات الطبيّة الملائمة والمستشفيات الجهويّة تشكو من نقص فادح في الأطبّاء المختصّين،
إضافة إلى ما تتعرض له المؤسسات الصحية والاستشفائية من تجاوزات بسبب الممارسة المتعلقة بالطب الخاص في غياب الضوابط الإدارية والرقابية. أما القطاع الطبي والصحي الخاص فيبقي مركّزا أساسا في المدن الكبرى وفي المناطق السّاحلية للبلاد التي عرف فيها نموّا سريعا ومتواصلا.
ويؤكد تقرير الجمعية أن عدم الموضوعية وفقدان العدالة في بعث المؤسسات الصحية الخاصة والعمومية أدى إلى عدم التكامل في الخدمات المقدمة في القطاعين العام والخاص وهو ما يضر بحسن سير النظام الصحي.
وتعي وزارة الصحة التونسية جيدا محدودية إمكانياتها اللوجستية في مواجهة التحديات الصحية لانتشار فايروس كورونا، إذ أنها تعول على وعي المواطن وامتثاله لإجراءات الحجر الصحي والوقائية.
وأعادت أزمة وباء كورونا النقاش داخل الأوساط التونسية بشأن المنظومة الصحية التي تراجعت بشكل كبير بعد ثورة يناير 2011 وتسلم المؤسسات الجديدة للحكم، ففيما تعتبر أوساط أن الفساد الذي نخر أجهزة الدولة بعد الثورة أهم عوامل تراجع الخدمات الصحية، يذهب البعض الآخر إلى القول إن هناك تدميرا ممنهجا لقطاع الصحة العمومي لصالح القطاع الخاص.
يشتد ضعف القطاع الصحي وما يعانيه من مشكلات أكثر في الجهات الداخلية للبلاد، التي تعاني أغلب مستشفياتها من نقص حاد في التجهيزات وأطباء الاختصاص
ويذهب سياسيون إلى أن ما يحدث من تراجع مخيف للخدمات الصحية العمومية في تونس كان نتيجة لإملاءات صندوق النقد الدولي بعد أن اتبعت الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ 2011 سياسة التداين والاقتراض.
ويقول النائب بالبرلمان عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي إن نقص الأدوية والمعدات الطبية في تونس يأتي نتيجة إكراهات صندوق النقد الدولي والجهات المالية العالمية.
ويضيف الرحوي أن الدائنين يفرضون على الحكومات اتباع سياسة تقشف كبيرة في موازناتهم كي يتسنى لهم تسديد ما عليهم من ديون، مؤكدا أن أحد الإجراءات التقشفية هو رفع الدعم الحكومي عن قطاع الصحة.
ودعا الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي في وقت سابق الحكومة التونسية إلى تعليق دفع الديون لمدة ستة أشهر كي يتسنى لها تخصيص جميع الموارد المالية لمجابهة وباء كورونا.