أردوغان يفتقد استراتيجية للخروج من ورطة إدلب

إسطنبول - لم يترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنفسه أيّ فرصة للخروج من ورطة إدلب قبل أن تتحول إلى مستنقع طويل الأمد بسبب خطاب مغامر يمنع أيّ تراجع مثل وضع مهلة آخر فبراير أمام القوات السورية والروسية للخروج من المناطق التي سيطرت عليها خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وفيما وفّر الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين فرصة ثمينة لتراجع مشرّف بالنسبة إلى الموقف التركي، خاصة بعد الاتفاق على خفض التوتر ووقف المواجهات، لكن أردوغان أطلق تصريحات قوية صبت الزيت على النار.
وأشار أردوغان إلى أنه طلب من بوتين التنحي جانبا وفسح المجال لمواجهة عسكرية تركية سورية مباشرة، وهو يعرف أن التهدئة في الخطاب الروسي كان الهدف منها تمكينه من التقاط الفرصة والبحث عن تراجع مشرّف يمتص به غضب الشارع التركي بعد سقوط العشرات من القتلى في ضربة سورية منذ ثلاثة أيام فقط.
وقال أردوغان في إسطنبول إنه طلب من بوتين خلال اتصال هاتفي التنحي جانبا وترك أنقرة “تفعل ما هو ضروري” مع الحكومة السورية بمفردها. وأضاف أن تركيا لا تنوي مغادرة سوريا في الوقت الحالي.
وقال “لم نذهب إلى هناك لأننا تلقينا دعوة من (الرئيس السوري بشار) الأسد. ذهبنا إلى هناك لأننا تلقينا دعوة من شعب سوريا. لا ننوي المغادرة قبل أن يقول شعب سوريا: حسنا.. تم ذلك”.
وحرص بيان الخارجية الروسية على التهدئة حين أورد أن الجانبين اتفقا خلال محادثات الأيام الماضية على خفض التوتر على الأرض في إدلب مع استمرار الأعمال العسكرية هناك.
لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال للصحافيين في الدوحة إن الأزمة في إدلب لا يمكن تسويتها إلا بعقد اجتماع بين أردوغان وبوتين.
وأضاف أنّ مثل هذا الاجتماع قد يعقد في الخامس أو السادس من مارس، وهو الموعد الذي سبق أن بدّدته موسكو بقولها إن بوتين ليس على جدول أعماله في هذه الفترة أيّ لقاء مع أردوغان. وعلى الرّغم من تغاضي الولايات المتحدة عن إنجاد أنقرة وتمكينها من مساعدة عاجلة، فإن جاويش أوغلو يستمرّ بالرهان على دعم أميركي سريع، وذلك في تصريح عقب لقائه نظيره الأميركي مايك بومبيو، حيث قال إن بلاده تريد من أميركا إرسال صواريخ باتريوت لدعمها في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا.
وكان بومبيو قد اكتفى بالقول إن واشنطن “تدرس خيارات لمساعدة تركيا” دون أيّ تفاصيل إضافية، وهو نفس موقف حلف الناتو في اجتماعه الطارئ الجمعة، حيث اكتفى بالتعبير عن الدعم والمساندة دون أيّ خطوات عملية.
وفي تناقض مع طلب الدعم العاجل، يستمر الرئيس التركي في ابتزاز أوروبا عبر ورقة اللاجئين، والتلويح بأن أعدادهم قد تصل إلى ثلاثين ألفا، وهو موقف سيزيد من تصلب الموقف الأوروبي بدل تليينه تجاه مطالب أنقرة.
وقال أردوغان “ما الذي قمنا به بالأمس؟ فتحنا أبوابنا”، مضيفاً “لن نغلق هذه الأبواب (…) لماذا؟ لأن على الاتحاد الأوروبي أن يفي بتعهداته”.
ووقّعت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقاً عام 2016 يهدف إلى وقف تدفق المهاجرين عبر الحدود مقابل تقديم بروكسل مساعدات بمليارات الدولارات لأنقرة.
وأضاف الرئيس التركي إن 18 ألف مهاجر تجمّعوا عند الحدود بين تركيا وأراضي الاتحاد الأوروبي منذ الجمعة، مضيفا أن العدد قد يصل إلى 30 ألفا السبت.
ويعتبر مدير مركز “إيدام” للدراسات في إسطنبول سينان أولغن أن فرصة تركيا في الحصول على دعم عسكري من الحلف الأطلسي ضئيلة، خصوصاً بعد إثارة استياء حلفائها بتقاربها مع موسكو وحيازتها منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400”.
ويقول إن تركيا لا تملك أيّ “خيار مناسب” في سوريا، موضحاً أن ضربات النظام الخميس “كشفت هشاشة موقع تركيا لغياب تفوقها الجوي”. ويضيف الباحث “بمعنى آخر، تبقى القوات التركية مكشوفةً أمام الضربات الجوية كما حدث مؤخرا”.
وفي هذا السياق، يمكن أن تجد تركيا نفسها، وفق أولغن، مرغمةً على قبول ترتيبات تتفق عليها مع روسيا، تتيح لها السيطرة على “منطقة صغيرة على طول الحدود التركية تتكدس فيها القوات التركية ونحو مليون نازح سوري”.
من جهته، يقول الباحث في مركز “كارنيغي الشرق الأوسط” يزيد صايغ إن “أردوغان يواجه اليوم خيارات شديدة الصعوبة تتضمن جميعها مخاطر هائلة”.
وتابع “لا يستطيع أردوغان إلا الرد على الهجمات المباشرة للنظام، لكن عليه في الوقت نفسه أن يتفادى المضي بعيداً في التصعيد”.
وأضاف الباحث أن التصعيد الحالي، رغم “حجمه”، يبقى “ربما مجرد تكتيك مفاوضات عالي المخاطر سيؤدي إلى تفاهم روسي تركي جديد حول إدلب”.
وأوضح الصايغ “باختصار، لا أعتقد أن حرباً شاملة ستقع، أو أن تركيا ستتقرب مجددا من حلف شمال الأطلسي”.
اقرأ أيضاً: الورطة التركية في إدلب