أردوغان أسير تحالفه مع المتشدد بهجلي

بتخلصه من كافة حلفائه السابقين وبعد تآكل شعبيته بات المستقبل السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان رهن حليفه القومي المتشدد دولت بهجلي الذي يقود حزب الحركة القومية. ويعول أردوغان على بهجلي لتجديد ولايته في 2023 إلا أن ذلك لن يكون سهلا في ظل معارضة وازنة يرجح أن تتكتل وراء مرشح واحد لهزيمته.
أنقرة - في ظل تآكل شعبية الرئيس التركي على خلفية المصاعب الاقتصادية التي تعصف بالبلاد بسبب سياساته قد يحتاج رجب طيب أردوغان إلى دعم دولت بهجلي وحزبه الحركة القومية أكثر من أي وقت مضى للفوز بولاية رئاسية ثالثة.
ويثير موقع بهجلي في السياسة التركية انقساما بين من يصفه بصانع الملوك ومن يقول إنّه صاحب القرار في مجال السياسات الأمنية، فيما يرى مراقبون أنّه رجل الكواليس الذي يحرّك حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبهجلي رئيس الحركة القومية ليس موجوداً في الحكومة ولم يحظ حزبه إلا بنسبة 11 في المئة في انتخابات 2018، ولكنّ تأثيره كبير خصوصا في مسائل على غرار التشدد في وجه المعارضة المساندة للأكراد والسياسة الخارجية المتصلبة.
ويظلّ هذا الرجل الذي يحب الظهور في صورة “رجل الشعب” لغزاً بالنسبة إلى الكثيرين رغم وجوده على رأس حزب الحركة القومية منذ عام 1997.
ويتعرض أردوغان من منتقديه إلى اللوم لأنّهم يعتقدون أنّه اتجّه كثيراً إلى اليمين بسبب ما يعتبرونه استسلاما لابتزازات رئيس الحركة القومية الانتخابية، بما في ذلك منحه امتيازات لا تحظى بشعبية.
وعندما تفاقمت الأزمة الوبائية العام الماضي حظي بهجلي بإطلاق سراح رجل قريب منه وهو من كبار شخصيات المافيا في سياق عفو عن بعض السجناء.

أحمد داود أوغلو: حزب العدالة والتنمية يخضع لوصاية القوميين المتشددين
ويقول إدريس شاهين، أحد قادة حزب العدالة والتنمية سابقاً ونائب رئيس حزب “ديفا” المعارض حالياً، إنّه منذ 2016 “تحدد رؤية السيّد بهجلي مسار سياسات حزب العدالة والتنمية”.
ولا يشغل حزب الحركة القومية مناصب وزارية، بيد أنّ وزير الداخلية النافذ سليمان صويلو يعدّ من المفضلين لدى قيادات هذا الحزب.
وحينما أراد صويلو الاستقالة العام الماضي، وسط انتقادات وجهت له بسبب طريقة إدارته أوّل إغلاق جزئي في البلاد لمواجهة تفشي فايروس كورونا، سارع بهجلي وحزبه إلى مساندته. ورفض أردوغان الاستقالة، وخرج وزير الداخلية من الأزمة أقوى من ذي قبل.
وكان تأثير بهجلي قائما في مارس الماضي عندما قدّم النائب العام التماساً إلى المحكمة الدستورية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
وكان الزعيم القومي قد قاد حملة لإقرار هذا الحظر وتمّ الإعلان عن بدء المسار القضائي عشية مؤتمر حزبه، في خطوة فسّرها معارضون على أنّها “هدية” من أردوغان إلى شريكه القومي.
ويقول الباحث السياسي بوراك بيلغيهان أوزبك إنّ حزب الحركة القومية يعمل كـ”مجلس أمن قومي” جديد، في إشارة إلى المؤسسة النافذة التي كانت تبتّ في مسائل تركيا الأمنية والدفاعية.
ويضيف بيلغيهان أوزبك أنّ “حزب الحركة القومية يحدد إطار سياسة الأمن القومي… بهجلي يقرر من سيصنّف إرهابياً”.
وتثبت التطورات الأخيرة في تركيا أن هناك حدودًا لسلطات أردوغان الذي لا ينبغي له أن يتعدى الخطوط الحمراء التي رسمها له شريكه اليميني المتطرف بهجلي.
ويعتقد أن الخطوط الحمراء التي لا يستطيع حتى أردوغان، بكل قوته، أن يتجاوزها لا تحددها قوانين أو مؤسسات تركيا، وإنما يحددها بهجلي.
ووجّه رئيس حزب المستقبل المعارض أحمد داود أوغلو (منشق عن حزب الرئيس التركي مؤخرا) انتقادات لاذعة إلى أردوغان، وقال إن حزبه العدالة والتنمية يخضع لـ”وصاية بهجلي”.
أردوغان يتعرض إلى اللوم من منتقديه لأنّهم يعتقدون أنّه اتجّه كثيراً إلى اليمين بسبب ما يعتبرونه استسلاما لابتزازات رئيس الحركة القومية الانتخابية
وأكّد داود أوغلو أنّه “منذ الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي كان مجال السياسة يتقلص، واقتصادنا يتقلص، وديمقراطيتنا تتراجع، وسيادة القانون أصبحت مختلة”.
وأضاف “في حين أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو المزيد من الديمقراطية، فإنه من الواضح أن قوى التحالف تجعل بلدنا يبتعد عن الديمقراطية كل يوم”.
وكان تحالف الشعب (اسم الائتلاف غير الرسمي لحزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية) قد تعذّر إنشاؤه إلى أن بدّل بهجلي رأيه بشأن النظام الرئاسي العزيز على أردوغان، بعدما كان يعارضه في البداية.
وانتقلت تركيا في 2018 إلى نظام حكم رئاسي يمنح صلاحيات واسعة جدا لأردوغان.
ويعتبر الباحث أرك ايسين أنّ مساندة حزب الحركة القومية للنظام الرئاسي أتاحت أمام الكثير من أنصارها التعيين في الوظائف العامة.
ولكن في المقلب الآخر يتساءل دبلوماسيون غربيون عما إذا كان بهجلي شريكاً وازناً لأردوغان أم عبئا عليه. فبعدما أقصى حلفاءه السابقين، بمن فيهم الليبراليون القريبون إلى الغرب، لم يبق من حوله سوى القوميين المتشددين.
ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة القادمة في تركيا عام 2023، لكنّ العديد من المؤشرات برزت حول احتمال إجراء انتخابات مبكرة، منها الاقتصاد المُتعثر في البلاد وتشكيل أحزاب منافسة جديدة من قبل شخصيات بارزة، فضلا عن دعوات التحالف الحاكم لإدخال تغييرات على قوانين الانتخابات تضع قيودا كبيرة على أحزاب المُعارضة وإمكانية تمثيلها في البرلمان القادم.
ويقول مراقبون إنه “إذا أخذنا التوجهات التاريخية بعين الاعتبار، يتبين أن التحالف بين حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية لا يبشر بخير بالنسبة إلى استقرار تركيا، فجميع الحكومات التركية التي كان يدعمها حزب الحركة القومية انهارت بعد تعرضها لأزمات خطيرة، بما فيها الاشتباكات المشابهة للحرب الأهلية التي نشبت في الشوارع عامي 1977 و1979، والأزمة الاقتصادية الأسوأ التي مرت على تركيا بين عامي 2001 و2002”.