أراجيح الموت في أعياد فلسطين

“كانت البناية تهتزّ كالأرجوحة بسبب القصف” يقول طفل فلسطيني من غزّة. وأراجيح غزّة تحركها صواريخ الطّائرات وقذائف الدّبابات وحمم المدافع ولهيب البوارج، لا تحركها الرّياح ولا سواعد الشبان كما هو معتاد في كل الأعياد. في عيد الفطر السّعيد في كل أصقاع العالم إلا في فلسطين المحتلّة، يمضي الأطفال أوقاتهم بين خوف وقلق ورعب ودموع عالقة في الجفن أو تنهمل على الخدود الذّابلة بسبب وحش الجوع الذي يكاد يبلغ من العمر 7 أشهر، هذا الوحش الذي يستطيب افتراس العشرات من الرضع والصغار، أولئك يمضون أيامهم وكأنهم في وقت مستقطع بين الموت والحياة، يتثاقل العيد في ملاهي البؤس واليأس الموحشة، هم الصّامدون بين فكي الموت الشّره.
تتحدث حكومة التطرف اليهودي عن إغراق قطاع غزّة بالمساعدات الإنسانية، وكأنها تقدم منحة أو هبة إضافية فوق العادة، فشعور صغار غزة وكبارها بالحياة وبالشّبع من الطعام أو الارتواء من المياه النقيّة هو شعور لا يستحقونه، بل هو منِّة من منن التطرف اليهودي في إسرائيل.
كل هذه الجرائم لا تلزم إسرائيل بوقف إطلاق للنار، فهي تتحدث عن رفح والهجوم عليها وكأنها لم ترتو من الدم الفلسطيني، رغم كل خسائرها البشرية، أكثر من 600 عسكري، وتخفيض المستوى الائتماني لها لأوّل مرة منذ عدة عقود، مع خسائر بلغت 123 مليار دولار أميركي، ونزوح عشرات الآلاف من المستوطنين، وارتفاع الصراخ العالمي المطالب بوضع حد لهذه المأساة، لكن إسرائيل لا تفوّت أيّ فرصة لتؤكد أنها دولة فوق القانون وفوق المحاسبة.
إن هذا الرعب المستمر الذي كابده ويكابده مواطنو قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس في شهر رمضان المبارك وعيد الفطر والذي قد يمتد للأيام المقبلة، يؤكد المؤكد، أن الاحتلال الإسرائيلي لا يعنيه من قريب أو بعيد أيّ من الشعائر الإسلامية المعروفة، في الوقت الذي يتغول فيه متطرفو الديانة اليهودية على باقي الديانات السماوية من إسلامية ومسيحية، ويتعاملون بفوقية واستعلاء واضحين وكأنهم دين الله الوحيد المنزل من سابع سماء.
القضية الفلسطينية لا يحددها موضوع الأرض.. الأهم من الأرض هو المواطن الفلسطيني فهو من يعمّر الأرض، ويسعى لغرز العلم الفلسطيني المرفرف عليها عاليا
اليوم ليست إسرائيل هي وحدها المسؤولة.. المسؤولية تطال كل من يقدّم لها الغطاء لتقوم بكل ما تقوم به، ويمدها بالمال والسلاح ويبرر أفعالها وتصرفاتها الشائنة التي ترقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية.
كل ما تقدم يعيدنا إلى التساؤل المطروح: هل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة من حرب غزة؟ الجواب قطعا لا فهي لم تفلح في تحقيق قوة الردع التي فقدتها في السابع من أكتوبر، ولم تستطيع تحرير أيّ رهينة من رهائنها، وبدأت تخسر الانحياز المطلق لها من دول العالم المتحضر التي تدّعي أنها جزء لا يتجزأ منه. وهي تخوض جولات المفاوضات جولة إثر جولة وتماطل وتبتز الفلسطينيين بآلامهم. ولكن على القيادة الإسرائيلية التي تعيش في كهف العنصرية والظلام أن تعرف تماما أنه لم يتبق للفلسطينيين ما يخسرونه، وبالتالي هي تدفعهم للمزيد من شجاعة اليأس.
كل العائلات والعشائر في قطاع غزّة، التي فقدت مساكنها ومؤسساتها ومحلاتها التجارية ومصادر رزقها وتعرضت لمجازر جماعية، تتحدى بصلابة الفدائي المعروفة كل مخططات التهجير والترانسفير الذي تصبو إليه القيادة الصهيونية المتطرفة. يشاركها في تحديها المعلن هذا دول المنطقة من مصر والأردن والخليج العربي الذي لا يبخل بالمساعدات والدعم اللامحدود.
القضية الفلسطينية لا يحددها موضوع الأرض.. الأهم من الأرض هو المواطن الفلسطيني فهو من يعمّر الأرض، ويسعى لغرز العلم الفلسطيني المرفرف عليها عاليا.
هناك العديد من المؤشرات الواضحة على تقليص المساحة الممنوحة لإسرائيل لممارسة همجيتها وفوضويتها المتجلية في القتل والاعتقال العشوائييْن، والعمل على دفع كل الفلسطينيين بكافة مناطق تواجدهم على دفع ثمن ما حدث في السابع من أكتوبر، ولكن هل ستفلح إسرائيل في تحقيق أهدافها أم لا عبر قوة السلاح أو عبر المفاوضات التي تسير بسرعة السّلحفاة؟
هذا ما ستظهره الأيام القادمة لا محالة.