أدباء صينيون وعرب يحيون طريق الحرير على ضفاف النيل

"الحزام والطريق" مبادرة صينية ثقافية شاملة تتمدد للأدب بعد التراث للحد من الهيمنة الغربية على الشرق.
السبت 2018/06/30
الأدب طريق للتنمية والتعايش

أنهى المنتدى العربي الصيني الأدبي الأول أعماله الجمعة الماضية في دورة استمرت يومين بالقاهرة؛ حيث أقيم المنتدى في ظل مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بعنوان “الإبداع الأدبي على طريق الحرير الجديد”.

جاء المنتدى موزعا على ثلاثة محاور جامعة للقاء الأدبي عبر طريق الحرير الجديد، المحور الأول تعلق بالتراث والماضي وحضوره ودوره في الأدب بعنوان “التراث والإبداع الأدبي”، والمحور الثاني كان مختلفا عن المحور الأول ليشمل دراسة الشكل الأدبي ومقارباته الحديثة أو الحياة المعاصرة الأكثر تأثرا بالأنماط الأوروبية الوافدة على الشرقين (الأوسط والأقصي) بعنوان “الأدب في الحياة المعاصرة”، أما المحور الثالث فكان محورا إجرائيا شمل نقل وترجمة الأدب من العربية للصينية والعكس بعنوان “حركة ترجمة الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية والصينية”.

وأقيم المنتدى بمشاركة ثلاث جهات رئيسة، فشاركت الصين من خلال اتحاد الكتاب الصيني بعشرين من كبار الكتاب، وشارك من مصر اتحاد كتاب مصر بحوالي ثلاثين كاتبا وأديبا، إضافة إلى مشاركة اتحاد الكتاب العرب بحوالي عشرين أديبا من الإمارات والسودان واليمن وعمان والكويت وفلسطين والجزائر والأردن وتونس، وغيرها من الدول العربية.

مشروع حضاري

 

إن الهيمنة الشاملة التي يمارسها الغرب على مختلف الثقافات الإنسانية الأخرى، ساهمت في تنميط كبير لكل منتجات الثقافات على اختلافها، حيث لم يقم انتشار الثقافة الغربية على التجاور والاختلاف بل على الهيمنة، وهو ما يمكننا ملاحظته من خلال اندثار الكثير من الثقافات، في دحض لمفهوم الاختلاف والتعايش الجوهريين في الحضارة الإنسانية، ولذا لا بد من مبادرات لتحقيق هذا الاختلاف والحد من الهيمنة والتأسيس للتعايش السلمي، ولا باب لذلك غير الثقافة المنفتحة على الماضي والمستقبل والذات والآخر

بداية يجب الإشارة إلى المبادرة الحضارية الصينية الجديدة ومرتكزاتها حتى نستطيع التعاطي معها؛ فقد بدأت المبادرة عام عام 2013 موسومة بـ”طريق واحد وحزام واحد” ثم تطور اسمها إلى “الحزام والطريق”، وهي تستند إلى فكرة الشراكة والمصلحة المتبادلة انطلاقا من المركز الصيني، من خلال ربط الجغرافيا بالثقافة بالاقتصاد في تحدّ لمشروع الهيمنة والاحتلال الغربي القديم.

المقصود بالحزام هو ما كان يعرف تاريخيا بطريق الحرير القديم الذي كان ينطلق من الصين عبر شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى تركيا وأوروبا.

وتقوم فكرة المبادرة الصينية الراهنة على إحياء شبكة الطرق البرية ودعمها عبر البنية التحتية المناسبة من خلال ستة محاور برية من الصين عبر آسيا وأوروبا، وكذلك دعم البنية التحتية في عدة موانئ عبر الطريق البحري في شرق أفريقيا وأوروبا، لتشمل المبادرة إجمالى حوالي 68 دولة تقريبا.

أهم ما في المشروع الصيني العملاق للقرن الحادي والعشرين هو الربط بين الجغرافيا والثقافة والاقتصاد، فهي تقدم مشروعا للتعارف والتبادل الحضاري على المستوى الثقافي، بديلا لفكرة فرض النمط الذي قام به الاستعمار قديما، وعلى المستوى الاقتصادي تسعى الصين إلى ترسيخ مفهوم التنمية المستدامة واحترام الآخر والمصالح المتبادلة.

أما على المستوى المعرفي والثقافي والأدبي للمبادرة الصينية العالمية، فقد عقدت عدة اتفاقات للتبادل والتعاون الثقافي وصلت إلى أكثر من أربعين اتفاقا بشأن العلوم والتعاون التقني، وحوالي 300 خطة عمل للتبادل الثقافي، كما قامت بتأسيس ما يقرب من 35 مركزا ثقافيا صينيا عبر البحار، و140 معهدا تحت اسم معهد  كونفوشيوس الشهير، علاوة على 16 مركزا للطب التقليدي الصيني.

أدباء على النيل

بالعودة إلى المنتدى الأدبي العربي الصيني الأول الذي عقد في إطار ترسيخ التعاون العربي الصيني، نجد أن الجانبين قد قدّما رؤيتهما للمحاور الثلاثة من خلال الكتاب الذي صدر عن المنتدى، الذي من المفترض أن يعقد بالتبادل بين واحدة من البلدان العربية وبين الصين، على أن يكون العام القادم في الصين ويتنقل كل دورة في واحدة من الدول العربية التي شاركت في المنتدى.

فكرة المبادرة الصينية تقوم على إحياء شبكة الطرق البرية والشراكة الثقافية والأدبية لتحقيق التنوع المطلوب

واللقاء الحدث الصيني مزدوج، بمعنى أنه يشمل عدة لقاءات ثنائية بين الصين والدول المشاركة في المبادرة الحضارية “الحزام والطريق”، ثم لقاء دوليا يشمل كل دول المبادرة في مؤتمر موسع، يهتم بعرض وجهة نظر الأطراف المختلفة تجاه الأدب والموروث والهوية التاريخية ومكوناتها الشعبية، ومناقشة الأفكار النمطية السائدة الوافدة من الغرب. بما يؤسس لمشروع حضاري جديد، للشراكة والعمل وفق القدرة على المبادرة وطرح الرؤى المغايرة.

والجانب العربي هو الضفة الاخرى من هذا المشروع الكبير، لذا يعمل العرب المشاركون على طرح وجهة نظر واضحة تجاه الموروث والهوية والذات العربية، وموقفا واضحا تجاه الأبنية الأدبية النمطية ونظرياتها التي غزت العالم العربي طوعا وكرها خلال القرن الماضي، شأنهم شأن الصينيين الذين كانوا واضحين في طرحهم لرؤاهم من خلال كلمة الروائية الصينية تيه نينغ في المنتدى، عن الاعتداد بالتاريخ والريادة الحضارية تحديدا حين قالت في كلمتها “اليوم يجتمع الأدباء الصينيون والمصريون على ضفاف نهر النيل في مدينة القاهرة الجميلة التي يطلق عليها المصريون ‘أم المدن‘ لنشهد افتتاح منتدى الأدب الصيني العربي الأول الذي ينظمه اتحاد الكتاب الصينيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب واتحاد كتاب مصر، وهو تجمع للرواد”.

وعلى الجانب العربي نستشرف الإطار الراهن للعلاقة مع الجانب الصيني من خلال كلمة حبيب الصايغ رئيس اتحاد الكتاب العرب على الجانب الإجرائي والعملي وتمثلات المنتدى في الترجمة والتبادل الأدبي بين الجانبين حين قال “إن إقامة ‘منتدى الأدب العربي الصيني‘ يهدف إلى تعزيز الاستفادة المتبادلة بين الحضارات، وتوطيد الصداقة العريقة بين الصين والدول العربية، مما يسهم فى وضع رؤية مشتركة جديدة لـ‘الحزام والطريق‘، والمشاركة في خلق عصر جديد مبهر للتبادلات الأدبية العربية الصينية”.

في حين ركز علاء عبدالهادي، رئيس اتحاد كتّاب مصر على الجانب التاريخي والسياسي في المسألة للانطلاق منها للثقافي حين قال “إن الصين تعد الحليف الدائم للقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، لافتا إلى أن هذا التحالف يشكل دافعا قويا من أجل تأسيس قاعدة ثقافية وتوطيد العلاقات الثقافية بين الصين والبلدان العربية”.

 لكن الأمر سيحتاج للمزيد من الاستعداد والدراسة والعمل في المرة القادمة، وسيحتاج موقفا حضاريا من التراث وعناصره داخل الأدب بتمثلاته المختلفة، كإحدى وسائل الحد من الهيمنة المطلقة للنموذج الغربي في الأدب الحديث وتمثلاته، فمبادرة “الحزام والطريق” ليست آلية جامدة لتبادل المتاح والموجود والسائد بالفعل في البلدان المشاركة فيها، هي مبادرة حضارية تواجه المركزية الغربية التاريخية وتسعى إلى تجاوزها روحيا وماديا، ثقافيا واقتصاديا.

14