أحمد نجيب الشابي.. معارض تونسي يلازمه الإخفاق في أغلب المحطات السياسية

التحالف مع الإسلاميين يعيق طموحاته في لعب دور سياسي مجمّع.
الأحد 2023/04/30
الشابي لم يستخلص العبر والدروس من تجاربه السابقة

أحمد نجيب الشابي شخصية معارضة في كل مراحل الدولة الوطنية. تقارب مع الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي وأمضى على الميثاق الوطني في 1988 ثم انقلب عليه وانحاز للإسلاميين وتحالف معهم عبر محطات مختلفة بدءا من جبهة 18 أكتوبر 2005 إلى حدود جبهة الخلاص الحالية.

تونس - لم يوفّق المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي في نحت مسيرة سياسية ناجحة تفضي إلى تقلّد منصب وازن في السلطة، وأخفق في أن يتحول إلى فاعل سياسي مجمّع للقوى التقدمية والحداثية وكل من يشاركونه الفكر والانتماء، والسبب يعود إلى كونه وضع الوصول إلى السلطة هدفا أولا وبنى على ضوئه تحالفاته المختلفة، والتي بدت في كثير من المحطات متناقضة مع مبادئه وأرضيته الفكرية.

ويقول مراقبون إن كل المحطات السياسية التي مرّ بها الشابي لم تكن مدروسة، وفي كل مناسبة يسمو فيها إلى الوصول إلى السلطة ولعب دور القيادة، يجد نفسه خارج الحسابات، فضلا عن فشله في اختيار الزمن السياسي المناسب وتشكيل التحالفات التي من شأنها أن تحقق أهدافه ومصالحه الخاصة.

ويجمع الشابي بين القومية والاشتراكية، وكان من أبرز المعارضين لنظام الزعيم المؤسس الحبيب بورقيبة والرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي. ناضل من أجل الديمقراطية والحريات، وتحالف مع الإسلاميين من خلال جبهة 18 أكتوبر 2005، وفتح حزبه “الحزب الديمقراطي التقدمي” أمامهم ليحولوه إلى غطاء لنشاط حزبهم المحظور وقتها.

ناجي جلول: الشابي ارتكب خطأ سياسيّا بتحالفه مع الإسلاميين
ناجي جلول: الشابي ارتكب خطأ سياسيّا بتحالفه مع الإسلاميين

ولد الشابي في 30 يوليو 1944 في العاصمة تونس، وكان والده المنحدر من جنوب غرب تونس (ولاية توزر) من مؤيدي صالح بن يوسف خصم بورقيبة.

شغل الشابي موقع العضو المؤسس وعضو المكتب السياسي في “الحزب الديمقراطي التقدمي”، وتقلد منصب رئيس الحزب بين 1983 و2006، وساهم في تأسيس “جبهة 18 أكتوبر”. كما عمل الشابي، وهو محام، مديرا للنشر في الصحيفة الأسبوعية “الموقف” المعارضة في عهد بن علي، والتي تحولت إلى فضاء لنشطاء المعارضة وخاصة من الإسلاميين.

وبعد الثورة، تقلد منصب وزير التنمية الجهوية والتخطيط بين يناير ومارس 2011، في الفترة الانتقالية التي شهدتها تونس بعد الثورة.

وخلال هذه الانتخابات انتخب نائبا في المجلس الوطني التأسيسي. وقاد رهان حركة النهضة على محمد منصف المرزوقي واختياره رئيسا إلى شرخ كبير بينها وبين الشابي الذي كان يتوقع أن تكافئه النهضة على تضحياته لأجلها ولأجل قادتها الذين بقوا في تونس خلال حكم بن علي، بأن تدعم ترشيحه إلى رئاسة تونس.

ويعود سبب مؤاخذات النهضة على الشابي أنها تتهمه بالمشاركة في محاولة إنقاذ النظام القديم بقبوله المشاركة في حكومة محمد الغنوشي وفي وجود رئيس انتقالي كان رئيسا لبرلمان بن علي، وهو فؤاد المبزع. لكن إكراهات السياسة أعادت النهضة إلى حليفها وعاد الشابي إلى الحركة التي تخلت عنه وانحازت لمن لم يخدمها مثله.

ويتزعّم الشابي الآن جبهة الخلاص الوطني المعارضة لتوجهات الرئيس التونسي قيس سعيّد. ويرى المراقبون في هذه الجبهة واجهة لحركة النهضة التي لا تقدر على أن تتحرك بوجه مكشوف بسبب رفض أغلب القوى التحالف معها، ولا حتى الظهور معها في ندوات أو تظاهرات مشتركة. لكن الشابي أنقذها مجددا برئاسة جبهة الخلاص، وأوحى لمتابعي الوضع في تونس بأن النهضة ليست وحيدة، وأن لديها حلفاء في الجبهة المدنية والتقدمية.

يمينة الزغلامي: اسم الشابي مطروح دائما في النهضة للتحالف معه
يمينة الزغلامي: اسم الشابي مطروح دائما في النهضة للتحالف معه

وكلّف الترحال بين الأفكار والتجارب السياسية والتنظيمية الشابي خسائر كبيرة، حيث خسر الكثير من الأصدقاء والحلفاء والفرص لتقلد نصيب من المسؤوليات خاصة بعد 7 نوفمبر 1987، إذ دعم نجيب الشابي الرئيس الأسبق بن علي، لكنه سرعان ما أغلق قنوات التواصل معه احتجاجا على الأساليب التي اعتمدها نظامه للتخلص من تيار الإسلام السياسي آنذاك.

وتقول القيادية بحركة النهضة يمينة الزغلامي إن “الالتقاء كان بالأساس في 18 أكتوبر 2005، حيث تجمعت العائلة الوسطية الممثلة خصوصا في الشابي مع الإسلاميين (القياديين في النهضة وقتها علي العريّض وسمير ديلو)، ثم يلتقي الآن مع الحركة من منطلق جبهة الخلاص ومعارضة توجهات الرئيس سعيد”.

وتضيف الزغلامي لـ”العرب” أن “الالتقاء في المناسبتين، دليل على أن الرجل يدافع عن الممارسة الديمقراطية ويؤجّل الخلافات، لكن الخلاف الأيديولوجي والسياسي قائم بين الطرفين”.

وطرح تخلي الإسلاميين عن الشابي مقابل دعم المرزوقي في انتخابات 2011 جدلا في الأوساط السياسية، وحتى داخل حركة النهضة نفسها حيث كان الاتجاه يميل إلى دعم الشابي الذي يوصف بالصديق والحليف التاريخي فيما كانت العلاقة مع المرزوقي طارئة وتكونت في لقاءات خارج تونس.

وتوضّح الزغلامي في هذا الصدد أن “المرزوقي تحصّل على عدد مقاعد مهم في المجلس التأسيسي (حركة النهضة، المؤتمر من أجل الجمهورية، العريضة الشعبية)، وتحالفت معه الحركة في إطار البحث عن توازنات سياسية في البلاد، كما أن الشابي سارع مباشرة وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات واستبق المفاوضات، ليعلن أنه سيكون في صفّ المعارضة”.

وتابعت أن “الشابي اسم مطروح دائما في النهضة للتحالف معه، وهو استفاد من الحركة كما أن النهضة استفادت منه، وهناك التقاء موضوعي، ويمكن أن يكون التقارب أكثر بين الطرفين في الفترة القادمة”.

الشابي يقدم ترشحه للانتخابات الرئاسية 2014.. نتيجة مخيبة
الشابي يقدم ترشحه للانتخابات الرئاسية 2014.. نتيجة مخيبة

وعلى الرغم من تتالي الخيبات وتعقيدات المشهد السياسي، لم يرم الشابي المنديل، وكثيرا ما يفاجئ الجميع بخوض غمار تجارب سياسية من حين إلى آخر، أملا في تحقيق ما عجز عنه في السابق.

ودخل الشابي تجربة بناء حزبي وسياسي مع سلمى اللومي رئيسة ديوان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ومع أحد مؤسسي حركة نداء تونس رضا بلحاج في حزب ليبرالي هو “حزب الأمل” في خطوة بدت متناقضة مع توجهات الشابي العروبية اليسارية، ما يؤكد الاتهامات التي توجه إليه بأنه يبحث عن التحالفات من أجل المواقع وليس من أجل الأفكار والبرامج.

وقال ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي إن “الشابي قبل أن يكون سياسيا هو رجل مثقّف، وخاض كل المعارك منذ عهد بورقيبة، ودافع عن حركة النهضة في عهد بن علي، ثم على المنتمين إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي بعد ثورة يناير 2011”.

وقال لـ”العرب”، “اليوم نرى الشابي في تحالف مع حركة النهضة من منطلق تأسيس جبهة الخلاص، وهذا خطأ سياسي ارتكبه، وكان يمكن أن يحافظ على شعبيته لو اصطف في المعارضة بعيدا عن الإسلاميين”.

وتابع جلّول “تم اقتراح اسم الشابي كبديل سياسي لبن علي بعد 2011، لكنه أساء التصرف في شعبيته وهو لا يستمع إلا لقناعاته، وأخطأ بالذهاب إلى جبهة الخلاص مثلما أخطأ أيضا في الانضمام إلى حكومة محمد الغنوشي في 2011، وكنت قد نصحته شخصيا بعدم فعل ذلك”.

وحاولت حركة النهضة استغلال نقاط ضعف الشخصيات السياسية التي تسعى لتصدر المشهد في تونس وتطمح لتقلّد مناصب مهمة في السلطة بعد 2011، عبر الإيهام بتوفير ممهدات النجاح لها لاستغلالها في ضرب خصومها وتحقيق مصالحها الحزبية، وهو ما جرى من خلال ما يعرف بحراك “مواطنون ضد الانقلاب” الذي حركته النهضة من وراء ستار كمبادرة سياسية قبل أن يتسع ليصبح “جبهة الخلاص” كواجهة للحركة وأداة في معاركها مع سعيّد، في الوقت الذي لا تريد فيه النهضة أن تبدو لوحدها في مواجهة السلطة، وأن من حولها قوى ليبرالية ويسارية وشخصيات مستقلة تعارض الرئيس سعيد.

الشابي جمع بين القومية والاشتراكية، وكان من أبرز المعارضين لنظامي بورقيبة وبن علي، ودافع عن الإسلاميين وتحالف معهم في جبهة 18 أكتوبر

وانخرط الشابي في توجهات داعمة للحركة بهدف إلغاء قرارات سعيّد التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو 2021، وأدلى بتصريحات داعمة للنهضة وأخذت له صور مع رئيسها راشد الغنوشي، بعد أن أطلق مواقف صادمة ضدّها ووجّه اتهامات خطيرة لها.

ويرى مراقبون أن الشابي لم ينقطع عن دعم توجهات النهضة التي تغازله بترشيحه مجددا لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة، وهذا بمثابة طعم تقدمه الحركة للرجل بهدف تحقيق أهدافها السياسية حسبما تقتضيه المرحلة الحالية.

وأعادت مساندة الشابي للنهضة في الظرف الراهن إلى الأذهان هيئة الثامن عشر من أكتوبر للحقوق والحريات التي تأسست سنة 2005 لمعارضة نظام بن علي، وتكونت من نشطاء سياسيين من توجهات سياسية مختلفة على غرار الشابي أمين عام الحزب الديمقراطي التقدمي حينها، وحمة الهمامي الناطق الرسمي لحزب العمال الشيوعي التونسي، وعبدالرؤوف العيادي نائب رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية في تلك الفترة وسمير ديلو القيادي في حركة النهضة.

وتلقت العائلة الوسطية، التي ينتمي إليها الشابي، ضربة قاصمة في الانتخابات التشريعية الفارطة بعد خروج ممثليها من الرئاسية بنتائج ضعيفة، ونجاح سعيّد وهو من خارج دائرة الحكم التقليدية في اقتلاع الفوز وإحداث رجة بالمشهد السياسي.

ويجمع المتابعون على أن تشتت هذا التيار وعدم التفافه على شخصية بعينها قاد إلى قلب معادلة الحكم في تونس لصالح الرئيس سعيد وثم لحركة النهضة.

وسبق أن عزا الشابي “ضعف قوى الوسطية وتشتتها إلى غياب قيادة قادرة على توحيدها، كما أن الوسط التونسي مشتت، غير متماسك وليست له قيادة وأزمته جزء من أزمة البلاد”.

الشابي خلف الغنوشي.. يدا بيد وراء أجندة النهضة
الشابي خلف الغنوشي.. يدا بيد وراء أجندة النهضة

ويتوجس مراقبون من عدم قدرة العائلة الوسطية في حال تجميع صفوفها من جديد على النجاح، مستحضرين مبادرات سابقة انتهت بالفشل نتيجة الخلافات على الزعامة وضبابية البرنامج وعدم تقديم بدائل حقيقية للشارع.

وعلى الرغم من عمله السياسي المتواصل لأكثر من نصف قرن، لم يستخلص الشابي العبر والدروس من تجاربه السابقة، وفي كل مرّة يطفو اسمه على السطح، يسارع الإسلاميون إلى الاستثمار في “شعبيته” لتوظيفها وتسجيل نقاط سياسية ضد “خصومهم”.

والشابي متزوّج وله ابنتان من زواجه الأول من نمساوية، وابنتان وولد من زواجه الثاني من صفية المستيري ابنة السياسي التونسي أحمد المستيري.

وتخلّى عن مواصلة الدراسات العليا في الطب بفرنسا بعد سنتين من إحراز شهادة البكالوريا، ليعود إلى تونس ويدرس القانون، لكن نشاطه السياسي حال دون إنهاء دراسته للقانون إلا عام 1984 والتحق بسلك المحاماة في سن الأربعين.

7