أحمد كايا.. المتمرد صياد المفردات وصوت المظلومين

هناك في فرنسا حيث تسدل القواميس ستارها على آخر مفرداتها وحين ينتهي تصريف أفعال الحياة، ألقى الفنان والشاعر الكردي التركي أحمد كايا وشاحه على مقبرة بير لاشيز حيث يرقد صيادو المفردات الشقية والشاقية، يرتلون الزمن في المسافة ما بين اللحظة ولقطة الختام في البعد الوجودي.
كايا الفنان المتعدد المواهب شريكنا في رحلات الإياب حين يخيم الحزن وتحبل الثانية بآلاف الذكريات لنحزم معها كل عدة الفرح، تراه يغرف من بحر الحياة وعاء من الكلمات ويعرف جيدا أنه سيعزف من خلالها لحن كل بيت مظلم في مدينة مضيئة ويحيي كل غصن مكسور في الغابة. أرق لا يعرف الرقاد، ومع ذلك تجده أرق من ورقة بيضاء ومن ريق البلابل. لكنه يبقى ذلك الطفل المشاغب صياد المفردة الشقية يؤرق حراس الكلمات ويعبر عن روح الشارع وينقل كلمات أترابه ممن عانوا الظلم وخيبة الوطن ويرفع نخبهم بنجابة النخب وصخب الترب.
ضد الظلم والظلام
ألبومات الفنان تعبر عن روح الشارع وتنقل كلمات من عانوا الظلم وخيبة الوطن لترفع نخبهم عاليا بعناية
سننتظر طويلا حتى نجد صوتا كصوته وذوقا فنيا كتذوقه، وتصرفا كتصرفاته، لا يعرف الاعتدال في شيء؛ لأنه واسع الخيال وحاد الحس وسليم القلب، يهيم في أودية الإبداع، ويجيد كل ما يغنيه في الدور والتوشيح والطقطوقة والمونولوغ والموال والقصيدة وإعطاء كل كلمة المعنى الذي يترجمها ترجمة صادقة، فالتوفيق يأبى إلا أن يلازمه في جميع ما يغني.
هو موجود لا يجد للوجود معنى إلا في صخبه وتوتراته، فهو يعزف على الكمان والطنبور والبغلما، ومجيد في علم النغم وأيضا ملم ببحور الشعر وقوافيه، يمتاز بتكوين سليم لا عيب فيه، يضبط نسب مقاماته ضبطا محكما ويتبين في الجو مسارح أنسه الأولى ومعاهد هواه القديم.
اختطفه القدر في ريق نضارته تخليصا له من كل السفاكين الذين اغتالوا شبابه، غنى من خلال هذا العمر القصير ما يزيد عن مئتي أغنية كما لحن ما يزيد عن مئة وتسعين أغنية، إضافة إلى كتابته كلمات ما يزيد عن خمسين أغنية، وهذه إحصاءات تقريبية بعد جهد مضن في البحث.
النتاج الفني
في البداية لحّن كايا معظم أغانيه كما كتب كلمات البعض منها، إضافة إلى قصائد لشعراء وفنانين آخرين
بدأ أحمد كايا مسيرته الفنية في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، وسرعان ما استطاع الوصول إلى قلوب العديد من الجماهير التركية من خلال كلماته وألحانه إلى جانب صوته الجميل.
في أبريل من عام 1985 أصدر كايا ألبومه الأول الذي كان يحمل عنوان “لا تبك يا طفلي” وغنى فيه حوالي أربع عشرة أغنية، لحن ثلاث عشرة أغنية منه، وكتب كلمات ثلاث أغان منها التي تحمل عنوان الألبوم، إضافة إلى ثلاث قصائد غناها للشاعر صباح الدين علي (1907 – 1948) وقصيدتين لأحمد عارف (1927 – 1991) وقصيدة لناظم حكمت (1902-1963) وأخرى لمحمد عاكف آرصوي (1873 – 1936) وواحدة لعارف دمر (1925 – 2010).
وفي ديسمبر من العام ذاته أطلق ألبومه الثاني بعنوان “التشبث بالألم” وضم عشر أغان لحنها جميعها، كما كتب كلمات ثلاث منها إضافة إلى ست قصائد للشاعر حسن حسين كوركمازغيل (1927 – 1984) إحداها عنوان الألبوم، وقصيدة للشاعر أورهان والي (1914 – 1950) وأخرى لأتاوول بهرام أوغلو (1942) وثالثة لأنور غوكتشه (1920 – 1981).
في عام 1986 كانت انطلاقته الفعلية نحو الجمهور التركي مع ألبوم “أغنية الفجر” الذي ضم إحدى عشرة أغنية لحنها جميعها وكتب كلمات ثلاث منها، إضافة إلى تلحينه خمس قصائد للشاعر نوزاد جيليك (1960)، إحداها عنوان الألبوم، وقصيدة واحدة للشاعر أنور غوكتشه وأخرى لحسن حسين كوركمازجيل وثالثة لإبراهيم برا أيان أوغلو (1946).
ولعل ما ميز هذا الألبوم منذ إصداره أغنية الألبوم وعنوانها وأكثر أغانيه شهرة، كونها قصيدة من قصائد الشاعر نوزاد جيليك التي كانت ممنوعة في تلك الفترة بسبب الرقابة، وفي هذا العام تحديدا حكم على شاعر هذه القصيدة بالإعدام، والجدير بالذكر أن هذا الحكم لم ينفذ وأطلق سراحه في ديسمبر من العام التالي.
وفي نهاية العام ذاته أصدر أحمد كايا ألبوم “اللحظة آتية” الذي ضم إحدى عشرة أغنية، لحن عشرا منها وكتب كلمات أربع أغان، أما البقية فكانت قصائد للشعراء ناظم حكمت ونوزاد جيليك وحسن حسين كوركمازجيل وأولكو تامر (1937 – 2018) وثلاث قصائد للشاعر اتيلا إلهان (1925 – 2005) إحداها أغنية الألبوم.
في عام 1987 أصدر ألبوم “الديمقراطية المتعبة” الذي احتوى على اثنتي عشرة أغنية. وكسابق ألبومات كايا فقد لحن معظم أغانيه وكتب بعضها، إضافة إلى قصائد لكل من الشعراء يوسف خيال أوغلو (1953-2009) وزكي أوزغرأركداش (1948-1973) وأنور غوكتشه (1920 – 1981) وأتيلا إلهان وحليم شفيق غوزالسن (1913 – 1990).
في العام التالي أصدر كايا ألبوم “أعلن تمردي” الذي ضم عشر أغان لحنها جميعها وشارك في كتابة البعض منها، إضافة إلى قصائد للشعراء إرسين أرغن (1957) وأتيلا إلهان وأولكوتامر ورضا توفيق بلكباشي (1896 – 1949) ونهاد بهرام (1947) وجورجي إيفانوف نيكوف (1922) وأغنيتين للشاعر يوسف خيال أوغلو منهما عنوان الألبوم.
وفي عام 1989 أصدر كايا أكثر من عشرين أغنية من خلال ألبومين، الأول هو “Resitaller – 1” والثاني “وردة متفائلة”. وبالطبع كانت معظم هذه الأغاني من ألحانه وبعضها من كلماته.
في الألبوم الأول الذي ضم ست عشرة أغنية استعان بقصائد شعراء أمثال صباح الدين علي وقصيدتين ليوسف خيال أوغلو وواحدة لأتيلا إلهان وأخرى لأنور غوكتشه وواحدة لنوزاد جيليك وثلاث قصائد لحسن حسين، أما في الألبوم الثاني الذي ضم اثنتي عشرة أغنية فغنى ولحن كايا سبع قصائد للشاعر يوسف خيال أوغلو منها عنوان الألبوم، وواحدة لفتحي بيريلي أوغلو ومزج إحدى أغانيه بكلمات الشاعر البوليفي بيدروشيموس (1940).
في مطلع عقد التسعينات أصدر كايا ألبومين، الأول بعنوان “Resitaller – 2” والثاني “جدار الحب”، ضم الأخير عشر أغان، ثمان منها من ألحانه واثنتان فقط من كلماته.
أغان وكلمات خاصة
لحن كايا في البداية معظم أغانيه كما كتب كلمات البعض منها، إضافة إلى قصائد لشعراء وفنانين أمثال إسماعيل أيدن (أشقديمي) واثنتين ليوسف خيال أوغلو وواحدة لروحي سو (1912 – 1985) وفاضل حسين داغ لارجا (1914 – 2008) والتي كانت من ألحان تحسين اينغرجي وأغنية لابوزير قرقوش (1952 – 1993) وأخرى لأولكو تامر (1937 – 2018) وقصيدة لحسن حسين وأخيرة لأنور غوكتشه.
أما الألبوم الآخر الذي صدر في نفس العام وضم عشر أغان فكعادة كايا لحن معظم أغانيه كما كتب كلمات البعض منها، إضافة إلى قصائد لكل من أحمد إرهان (1958 – 2013) وجان يوسيل (1926 – 1999) ومنها عنوان الألبوم، وأغنية من كلمات الشاعر حسن حسين والمستوحى لحنها من أغنية للفنان اللبناني مارسيل خليفة، وأخرى للشاعر نهاد بهرام (1947) وواحدة للشاعر الأذري علي آغا وحيد (1895 – 1965)، والتي لحنها علي بابا محمدوف (1929 – 2022)، وأغنيتين للشاعر علي تشنار (1965).
وفي عام 1991 كان موعد الجمهور مع ألبوم “أنا متورط” الذي ضم اثنتي عشرة أغنية جميعها من ألحانه وواحدة فقط من كلماته أما البقية فكانت من كلمات يوسف خيال أوغلو بسبع أغان واثنتين للشاعر أحمد عارف ومثلهما للشاعر أتيلا إلهان.
في يوليو من عام 1992 طرح ألبوم “لا تلمسني ستحترق”، والذي ضم أيضا اثنتي عشرة أغنية لحن معظمها وكتب كلمات أربع منها، إضافة إلى كلمات الشاعر يوسف خيال أوغلو لأربع أغان وأتيلا إلهان لاثنتين وواحدة لسهى توغتيبي (1956) وأخيرة للناشطة والشاعرة عائشة هوليا أوززمورت (1960).
وفي أبريل من العام التالي أصدر ألبوم “غير مستقر” الذي ضم إحدى عشرة أغنية، وقد لحن معظم أغانيه وكتب كلمات أغنيتين إضافة إلى كلمات كل من الشعراء ست لعلي تشنار منها عنوان الألبوم وثلاث قصائد لأتيلا إلهان وواحدة لسيدا أكاي.
في مايو من عام 1994 أصدر ألبوم “أغنيتي إلى الجبال” وكان من أكثر الألبومات الغنائية نجاحا وانتشارا في تركيا، انطلاقا من هذا العام حتى الأعوام التالية من فترة التسعينات، وقد حافظ على أرقام قياسية من ناحية المبيعات.
وضم الإصدار اثنتي عشرة أغنية لحن كايا معظمها وكتب كلمات البعض منها، أما البقية فكانت لكل من زينب تالو (1967) وأتيلا إلهان وغولتن خيال أوغلو وأورهان كوتان (1944 – 1998)، ولحن أغنية من أغاني الألبوم الملحن الأرمني أرا دينكيجان.
مع مطلع عام 1995 أصدر كايا ألبومه “والآن سترضى”، وكسابقاته كانت معظم الأغاني من ألحانه وبعضها من كلماته، إضافة إلى كلمات كل من الشعراء نوزاد جيليك واتيلا إلهام ورضا توفيق ويوسف خيال أوغلو.
وفي نهاية العام ذاته أصدر ألبوم “جدني” الذي ضم اثنتي عشرة أغنية لحن معظمها وكتب بعضها، إضافة إلى كلمات يوسف خيال أوغلو وصالح غونغور.
وفي عام 1996 أعاد غناء وتسجيل بعض أغانيه السابقة وأدرج جميع هذه الإصدارات الجديدة في ألبوم حمل عنوان “النجوم وضوء القمر”.
وتواصل العطاء الغزير للفنان فأصدر في عام 1998 الألبوم الأخير قبل وفاته، وكان بعنوان “صديق يواجه عدوا” وضم اثنتي عشرة أغنية لحن معظمها وكتب كلمات أغنية واحدة فقط إلى جانب الألحان والغناء، وكانت بعنوان “Söyle”، وقد حققت هذه الأغنية نجاحا واسع الأمد وتحديدا بعد وفاته، فبات يرددها العديد من نجوم الفن التركي إلى جانب جماهيرهم حتى تركت أثرها في الجيل الحديث الذي لم يشهد نجومية أحمد كايا الفعلية.
كما استند في الألبوم ذاته على كلمات كل من الشعراء والفنانين أورهان كوتن وحسين قرقوش ومظفر أصلان وكانت من ألحان عبدالرحمن كيزلاي واثنتان لغولتين خيال أوغلو وخمس ليوسف خيال أوغلو.
في عام 2001، بعد وفاة أحمد كايا، صدر ألبوم بعنوان “وداعا يا عيوني”، وقد ضم هذا الألبوم بعض الأغاني التي سجلت بصوته في عام 1998 ولم تنشر في ألبومه الأسبق، وقد ضم هذا الألبوم عشر أغاني، سبع منها من ألحان أحمد كاياو أربع من كلماته واثنتان من كلمات يلماز أوداباشي ومثلها لغولتنكايا وواحدة بالكردية من ألحان وكلمات الفنان الكردي خوشنا فتيلو.
وفي عام 2002 أصدرت شركة الإنتاج التركية جام برودكشن ألبوما بعنوان “اسمعني يا بلدي الحبيب” ضم العديد من أغاني أحمد كايا بصوت نجوم الموسيقى التركية مثل نيران أونسال وبانوكيرباغ والموسيقي كيفرجيك علي والمغنية نازان أونجال وغيرهم الكثير.
أما في عام 2003 فقد أصدرت الشركة ذاتها ألبوم “ابك قليلا”، ضم تسجيلات لأغان قديمة للراحل أحمد كايا، منها ثلاث عشرة أغنية، وأشرفت على تنفيذ الموسيقى السيدة جولتين كايا زوجة أحمد كايا والفنان إيمره أيدودو.
بعض كلمات أغاني أحمد كايا:
من الآن فصاعدا لا طريق
بقيتْ أحلامنا وراء الجبال العالية مرة أخرى
ثمة موت جديد في هذه المدينة وتعود إلى الحياة ثانية عتمة على المدينة
وحب مزيف إذن في القلب حزن جديد.. من الآن فصاعدا، لا يوجد طريق كان على هاتين الذراعين أن تتعفنا
أبعد من ذلك السواد أنت لم تفهمني عيناك حمراوان كأنها بقعتا دم هناك شقاق في الطرف الآخر ثمة شيء ما أكبر من الانفصال من الآن فصاعدا، لا يوجد طريق مددت ذراعي طويلا.. ولم يبادرني أحد آه! إنك تمزق قلبي بهاتين العينين الجميلتين وهما تلوحان للأمل وأنا في منفاي هذا… لكن قفصي كسر جناحيّ مع ذلك اشتم عبيرك في كل هبة نسيم.. أنت لم تفهمني عيناك حمراوان كأنها بقعتا دم هناك شيء ما أكبر من الانفصال
****
اعثري عليّ يا أمي
البارحة راودني حلم رأيتك فيه يا أمي.. كم اشتقت إليك يداي بين يديك.. وعيناك غارقتان بالدمع مسحت الدمع عن عينيك عندها أسقطت الزجاجة على الأرض وغرقت يداي بالدماء تعالي يا أماه تعالي اثنان من الدرك يمسكان بي ويداي مكبلتان بالأغلال البارحة راودني طيفك في المنام اشتقت إليك يا أماه والدمع الذي سقط من عينيك على صدرك أكان أنا إذن هل آلمتك يا أماه أسقطت الزجاجة على الأرض وغرقت يداي بالدماء اثنان من الدرك يمسكان بي ويدي في الأغلال تعالي الآن أماه تعالي اعثري عليّ بين هذا الزحام جديني
*****
بقيت بلا نافذة يا أمي
كلمات: يوسف خيال أوغلو وأحمد كايا أين ألعابي كرياتي الزجاجية.. بلابلي قميصي الذي مزقته شجرة الكرز سرقوا طفولتي على غفلة بلا نافذة بقيت يا أمي على أسلاك شائكة علقت طائرتي الورقية أين شبابي يا أمي ما بال هذا البخار يحرق الحلق كالماء ومثل الخبز ماذا بجوار كل هذا الحب الذي كبرت ونشأت فيه ما هذا التناقض الفاضح أماه وقعت على مائدة الذئاب أين شبابي أين تلك الأشياء التي كانت مصدر أفراحي الكناري حوض الأسماك الذي وضعت فوقه زهرة الصبار وكتبي التي صادروها دون أن يسألوني الجدران صامتة يا أمي صامتة لا تتكلم لا باب هنا يبقى مواربا كل الأبواب موصدة والأمطار تكدست يا أمي حتى اشتعل هذا العمر أين الشباب الذي احترق