أحمد فتوح.. من أضواء الشهرة إلى النوم على الإسفلت

منذ صغره اتخذ أحمد فتوح لاعب الزمالك والمنتخب المصري لكرة القدم نجم الأرجنتين الراحل دييغو أرماندو مارادونا مثلا أعلى له، لكن ما لم يدر بذهن الشاب المصري القادم من منطقة شعبية على أطراف القاهرة أنه مهدد بالسير على خطى النجم الأرجنتيني، في طريق المشاكل والإدمان، وليس داخل ملاعب كرة القدم.
مارادونا الذي رحل في نوفمبر 2020 كان صديقا دائما للمشاكل ومثيرا للجدل في معظم سنوات حياته واتهم في أكثر من مرة بإدمان المخدرات، لكن الطفل الذهبي كما كان يلقب، قدم لعشاق الكرة مردودا خرافيا قد يشفع سقطاته خارج المستطيل الأخضر.
أما أحمد فتوح الذي يعد الأعلى مهارة بين كل من شغلوا مركز الظهير الأيسر على مدار تاريخ الكرة المصرية، فيبدو أنه اختصر الطريق ليس باتجاه مجد مارادونا الكروي وإنما نحو نهايته المؤسفة.
لاعب الزمالك الذي أفرجت عنه حديثا محكمة مصرية قبل أيام بكفالة 50 ألف جنيه (حوالي ألف دولار) كان موقوفا منذ الحادي عشر من أغسطس الماضي بتهمة تعاطي المخدرات وقيادة سيارته الفارهة بما يتجاوز السرعة القانونية، ما قاده إلى دهس مواطن (شرطي) خلال عبوره الطريق وتسبب في مقتله.
ويواجه فتوح احتمال السجن لعدد من السنوات في حالة أخفق هو ومحاميه في التوصل إلى اتفاق مع أسرة ضحية حادث الدهس لقبول الدية مقابل التنازل عن حقهم القانوني، وهو اتفاق يخفف الحكم المتوقع صدوره ضد اللاعب من الحبس إلى الغرامة، وربما عقوبة بالسجن المخفف، أو مع إيقاف التنفيذ، لكن التصريحات المنسوبة لابنة القتيل تؤكد رفض التنازل حتى الآن.
وفي حال إصرار الأسرة على المضي في الإجراءات القانونية سيكون على ظهير المنتخب المصري التعود على النوم على الإسفلت، وهو ليس مقطعا من الديوان الشهير للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي كان يرثي فيه صديقه رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، لكنه تعبير يعرفه من قضوا عقوبات في السجون المصرية، حيث ينام المسجونون غالبا على بطاطين مفروشة على الأرض مباشرة.
نجم واعد
المثير أن التهم السابقة لم تكن سوى تتويج لمشوار من السلوك غير المنضبط تميز به اللاعب ليتحول من نجم متألق تتبارى صفحات الرياضة في الصحف المصرية المختلفة على نشر أخباره إلى ضيف شبه دائم على صفحات الحوادث.
ظهر فتوح لأول مرة مع فريق الزمالك عام 2016 وسط ضجة غير عادية لم يحظ بها لاعب في الفريق الأبيض (لقب الزمالك) ربما منذ استقبال زميله محمود عبدالرازق (شيكابالا) في نفس الفريق في بداية الألفية الحالية، وتحدث العديد من المدربين واللاعبين السابقين في الزمالك عن مهاراته وقدرته على أن يكون نجم الكرة لسنوات قادمة.
ساعد على إيمان جمهور الكرة بما يقال إن فتوح المولود في مارس عام 1998 شارك مع الفريق الأول وهو لم يكمل عامه السابع عشر، على غرار أساطير الكرة الشباب السابقين واللاحقين، أمثال مارادونا وميسي ولامين جمال.
وبدلا من أن يتوهج الشاب القادم من مدينة السلام، وهي إحدى المناطق الشعبية الفقيرة القابعة على أطراف القاهرة، ويستغل الفرصة للتعبير عن موهبته الفذة مثلما فعل قبله النجم محمد صلاح لاعب ليفربول الإنجليزي، والذي عاش طفولة محرومة مثله بسبب نشأته في أسرة بسيطة، استسلم فتوح إلى كل شيء يلهيه عن التركيز في الملعب، فكانت النتيجة تراجع مستواه ما دفع النادي إلى إعارته أكثر من مرة إلى فريق سموحة ثم إنبي، على أمل أن تساعده المشاركة المستمرة كأساسي في التركيز على كرة القدم.
أتت التجربة ثمارها ونجح اللاعب في خطف الأنظار ما دفع مسؤولي النادي إلى إعادته في بداية موسم 2020 – 2021، لكن منذ ذلك التاريخ تأرجح مستوى اللاعب صعودا وهبوطا، وزادت حالات تمرده على ناديه.
في بطولة أمم أفريقيا التي استضافتها الكاميرون في يناير عام 2022 قدم مستوى مذهلا مع منتخب مصر، وبلغ النهائي الذي خسره الفراعنة بركلات الترجيح أمام السنغال، واختير وقتها ضمن التشكيلة المثالية في البطولة.
لم يفكر في الاحتراف الخارجي وتطوير مستواه الفني، وعاد اللاعب الشاب إلى عاداته القديمة في التمرد وعدم الانضباط، وتمت معاقبته أكثر من مرة من إدارة الزمالك، بسبب مغادرة معسكرات الفريق قبل مباريات مهمة.
غادر ذات مرة بسبب غضبه من خصم الضرائب من مستحقاته كما حدث في عهد لجنة حسين لبيب التي كانت تدير نادي الزمالك بشكل مؤقت، أو بسبب رغبته في السهر مثلما فعل في بداية الموسم الماضي حين خرج مع زميليه، الحارس محمد صبحي والمدافع مصطفى الزناري من معسكر الفريق عشية مباراة مهمة في الدوري.
من بين كل المرات التي ارتكب فيها فتوح أفعالا غير منضبطة تبرز المرة التي نالت الكثير من الجدل حين اتهمه مرتضى منصور رئيس النادي السابق بتعاطي مخدر الحشيش مع زميله عبدالله جمعة، واستبعده من المشاركة في التدريبات والمباريات إلى حين التحقيق معه.
شعور زائف بالاسترخاء
إقبال بعض اللاعبين على تعاطي المخدرات قبل المباريات فسرته دراسة نشرتها عدة صحف بريطانية منها صحيفة “أثلتيك” في أبريل الماضي حين ذكرت أن أغلب اللاعبين الذين استطلعت آراؤهم أجمعوا على أن المخدر يمنحهم شعورا بالاسترخاء في مواجهة ضغوط الجماهير ويزيد قدراتهم البدنية بما له من محفز على الأعصاب.
وذكرت الدراسة أن العديد من لاعبي كرة القدم في بريطانيا، أشهرهم ماركوس راشفورد نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي، يتناولون مخدر “سنوس” الذي يشبه في طريقة تعاطيه وفي مفعوله مخدر القات اليمني، حيث يقوم اللاعبون بوضع سنوس في الخد واللثة من داخل الفم.
وانتهت الدراسة إلى أن الاعتياد على تعاطي ذلك المخدر، وهو غير ممنوع بالمناسبة في الملاعب الإنجليزية يؤدي إلى الإدمان، فضلا عن عواقب صحية وخيمة.
وتقول الحكمة العربية أن من أمن العقوبة أساء الأدب، وهي أكثر ما تنطبق على اللاعب الأعسر، فلو اتخذ نادي الزمالك موقفا صلبا من فتوح في ذلك الوقت وأصرّ على إيقافه ربما ساعده على الوقوف مع نفسه ومحاولة علاج أخطائه.
تساهل رئيس النادي وقبوله بعودة اللاعب إلى الفريق بمجرد اعتذاره جعله يدرك في قرارة نفسه أن نجوميته الكروية كفيلة أن تغفر له ذنوبه التي يرتكبها خارج الملعب.
ووجد اللاعب في دفاع بعض الجماهير المستمر عنه حافزا للاستمرار في سلوكه غير المنضبط، خصوصا حينما ثارت الجماهير على مرتضى منصور واتهمته بتوجيه اتهامات جزافية ضد اللاعب للضغط عليه من أجل تجديد عقده مع الزمالك بلا شروط.
وليس فتوح أول من وقع في هذا المحظور في تاريخ نادي الزمالك، فهناك لاعبون سابقون اشتهر عنهم عدم الانضباط، والسهر في الملاهي الليلية والارتباط بفنانات وراقصات.
في هذا السياق يتم استحضار فيلم “غريب في بيتي” الذي تقاسم بطولته النجمان سعاد حسني ونور الشريف في بداية ثمانينات القرن الماضي للدلالة على حالة الانفلات الموجودة بين لاعبي الزمالك، حيث يروي الفيلم قصة شحاتة أبوكف وهو لاعب كرة يتمتع بمهارات خارقة جاء من منطقة ريفية بسيطة لينضم لفريق الزمالك.
وبعد أن نجح شحاتة بالفعل في أيامه الأولى في فرض موهبته وتسجيل عشرات الأهداف، اشتعلت الغيرة في نفوس زملائه واتفقوا مع راقصة (قامت بدورها الفنانة هياتم) لإفساده وهو ما حدث لتنتهي قصة مشروع نجم كروي، وكان من مفارقات الفيلم أن هياتم تحديدا ارتبط اسمها في الحقيقة بواحد من نجوم الزمالك في تلك الفترة.
سجال كروي
أغرب ما في أزمة أحمد فتوح أنها تحولت إلى مصدر جديد للسجال بين جمهور أكبر ناديين في مصر، وهما الأهلي والزمالك، فبينما تغنّى الكثيرون من جماهير القلعة الحمراء (الأهلي) بالمناخ الصحي وروح الالتزام التي يتميز بها ناديهم والتي لا تسمح لأيّ لاعب مهما كانت نجوميته أو شعبيته بالخروج على قواعد السلوك الحميد، ردت جماهير نادي الفن والهندسة (الزمالك) بأن حالة فتوح هي الأولى التي يتم رصدها بين لاعبي الزمالك مقابل أكثر من حالة بين لاعبي الأهلي.
أول وأشهر تلك الحالات كانت لمحمد عباس مهاجم الأهلي في سبعينات القرن الماضي، والذي كان منطلقا نحو النجومية بسرعة الصاروخ لولا وقوعه في شرك تعاطي المخدرات وابتعاده عن الملاعب، وتدهور حالته التي لم يغير منها محاولة النادي مساعدته، وانتهى به الأمر معاقبا بالسجن لتنتهي حياته الرياضية وتتغلب صحيفة اتهاماته على مسيرته الكروية.
وتعرض عمرو سماكة لاعب الأهلي السابق لعقوبة الإيقاف بسبب ثبوت تناوله الحشيش خلال تقديم عينة من بوله عقب إحدى مباريات الأهلي في أفريقيا ليقرر الكاف إيقافه، ثم يبادر النادي بالاستغناء عنه، وهناك حالة ثالثة لمهاجم الأهلي أيضا السيد حمدي الذي تم توقيفه في كمين شرطي وبحوزته عدة أقراص من مخدر الترامادول.
بعض جماهير الزمالك ذهبت إلى أبعد من ذلك حين قامت بالتذكير أنه من بين 6 حوادث دهس سابقة تورط فيها لاعبو الكرة، كانت 5 منها من نصيب لاعبي الأهلي، مقابل حادث وحيد ارتكبه بشير التابعي مدافع الزمالك السابق، بل إن حادث السرعة الزائدة والدهس والقتل الذي تورط فيه رضا عبدالعال لاعب الزمالك السابق في منتصف التسعينات وقع بعد فترة قليلة من انتقال اللاعب للعب في صفوف الأهلي.
ولم تخل الأزمة من ملامح إيجابية في العلاقة بين جماهير الناديين، حيث كشف مرتضى منصور الذي تطوع للدفاع عن اللاعب بصفته صاحب واحد من أكبر مكاتب المحاماة في مصر أن المحامي أشرف عبدالعزيز الذي يحضر جلسات المحاكمة مع فتوح ينتمي للنادي الأهلي.
وحيا مرتضى زميله الأهلاوي الذي يبذل جهدا لتبرئة أحد نجوم الزمالك، وهي ملاحظة يمكن أن تذيب الكثير من الجليد بين الجماهير قبل اللقاء المرتقب بين الفريقين في السابع والعشرين من سبتمبر الحالي في الرياض على كأس السوبر الأفريقي.