أحمد شوبير.. ناظر مدرسة الإعلام الرياضي في مصر تفضحه تناقضاته

نجم الكرة المصرية يخرج عن الحياد المطلوب ويكرس تضارب المصالح.
الخميس 2022/06/02
شخصية مثيرة للجدل

إذا كانت الهيئات المعنية بتنظيم المشهد الإعلامي في مصر نجحت نسبيا في تحجيم الفوضى في بعض الفضائيات، فإنها لا تزال عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الانضباط في الإعلام الرياضي، في ظل سيطرة لغة المصالح على بعض البرامج، وهيمنة الانتماء الكروي على كثير من مقدميها وضيوفها من النقاد الرياضيين. ويعد الإعلامي والرياضي السابق أحمد شوبير في مقدمة من توجه إليهم أصابع الاتهام في هذا المجال، حيث لا يخفي انتماءه إلى النادي الأهلي صاحب الشعبية الكبيرة في مصر.

وينعكس الانحياز لنادٍ معين على مهنية الإعلام الرياضي، ويجعل صاحبه مطعونا في نزاهته لدى شريحة كبيرة من الجمهور، حيث تتم مناقشة القضايا الرياضية بشكل يفتقد إلى الكثير من الموضوعية المطلوبة، ويجري حاليا تصنيف المذيعين على أساس الانتماء إلى هذا النادي أو ذاك بلا اكتراث بتناول الشأن الرياضي بشكل حيادي.

وتزداد المعضلة عندما يكون مقدم البرنامج الرياضي في حجم شوبير، وهو من الشخصيات الشهيرة التي استطاعت تكوين شعبية منذ أن كان حارسا لمرمى الأهلي ومنتخب الفراعنة، لكنه لم يستطع التخلي عن الانتماء وأصبح أشبه بمتحدث باسم النادي، ما يتسبب في تغذية التعصب الجماهيري.

وأصبح العديد من نجوم الكرة في مصر مقدمي برامج رياضية، لكن أشهرهم شوبير الذي يصنّف بأنه “ناظر مدرسة الإعلام الرياضي”، لكونه من أوائل اللاعبين الذين اعتزلوا الكرة ودخلوا مجال الإعلام وقت أن كان عدد القنوات محدودا، ولم يكن هناك سوى التلفزيون الحكومي وبعض المحطات المملوكة لرجال أعمال.

أيوب المصري

اللعنة التي تطارد شوبير تعود إلى إقحامه نفسه في السياسة أواخر عهد مبارك

ارتدى شوبير قميص الأهلي في مركز حراسة المرمى نحو عقدين، وقرر الاعتزال عام 1998، وما بين اللعب والاعتزال جلس على مقاعد البدلاء فترة طويلة، وأطلق عليه الجمهور “أيوب المصري” لشدة صبره وجلده وعدم استعجاله الانتقال إلى ناد آخر، حيث كان احتياطيا لكل من الراحل ثابت البطل وإكرامي، وهما من أبرز حراس المرمى بالأهلي، ولم يأخذ شوبير فرصته كاملة إلا بعد اعتزالهما.

 اتجه إلى التعليق على المباريات، وكانت بدايته في القناة السادسة الإقليمية، وبعدها انتقل إلى قناة “دريم” ثم التلفزيون المصري، ومنها إلى فضائية “الحياة”، وتعددت انتقالاته من “مودرن كورة” و”سي.بي.سي” إلى “صدى البلد”، وأخيرا “أون سبورت” التي تعد الشبكة الرياضية الأولى في بمصر.

ارتبطت شعبية شوبير عند الجمهور بكونه صنع العديد من الإنجازات الرياضية على مدار مسيرته كحارس مرمى للنادي الأهلي ومنتخب مصر، فقد حصل مع فريقه على 17 بطولة محلية وعربية وأفريقية، وحصل مع المنتخب على لقب أفضل حارس في أفريقيا عامي 1990 و1994، وثالث أفضل حارس في مونديال 1990 بإيطاليا، وكان قائدا لمنتخب الفراعنة وخاض معه 103 مباريات دولية وودية.

ولم يعد يُنظر إلى شوبير على أنه مقدم برنامج رياضي على فضائية “أون تايم سبورتس”، لكنه أصبح بمثابة متحدث شبه رسمي لأندية على رأسها الأهلي، ما أقحمه في أزمات وصدامات مع شريحة من جمهور ومسؤولي نادي الزمالك، والذي يعد الغريم التقليدي للأهلي والمنافس التاريخي له.

تختلف أو تتفق مع شوبير، لكن لا أحد ينكر اجتهاده ودأبه في عمله، ويحاول أن يبدو حياديا عند التطرق إلى أخبار وقضايا ومباريات الأهلي، إلا أنه يضل الطريق أحيانا، حيث يدافع بقوة عن هذا النادي، ويظهر حرصا في الرد على الشائعات التي تطاله، ويقوم بدور المفسر لقراراته والشارح لسياساته.

وبرغم علاقاته القوية داخل الوسط الرياضي، ومحاورته للعديد من لاعبي ومسؤولي الأندية المختلفة، يظل شوبير في نظر خصومه الرياضيين متهما بمحاباة الأهلي والدفاع عنه، وبات في نظر شريحة كبيرة من الجمهور سببا لتصاعد ظاهرة التحزب الرياضي، حيث يتردد أن هناك حزب الأهلي، وحزب الزمالك، وحزب اتحاد الكرة، ما جعل السيطرة على الإعلام الرياضي مستحيلة.

وعلى إثر ما يعد “انفلاتاً”، تحولت بعض المنصات الرياضية إلى معارك لفظية انعكست على أداء برامجها، فكل منبر يقدمه إعلامي ينتمي إلى ناد بعينه، هذا يقول، وذاك يرد عليه، وصارت الساحة مستباحة وبلا ضوابط، رغم تدخل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لوضع ميثاق شرف ومدونة سلوك تستهدف ضبط الإعلام الرياضي.

ويُتهم شوبير بين العديد من أبناء المهنة بأنه من أبرز المذيعين الذين انتهكوا المدونة السلوكية لضبط فوضى المنابر الرياضية، إذ تنص على حظر قيام مقدمي البرامج بأية وظيفة أو نشاط يؤدي إلى تعارض المصالح، في حين أنه يعمل نائبا لرئيس نادي “مستقبل وطن” التابع لحزب سياسي يحمل نفس الاسم، ويملك فريق “فيوتشر” الذي يلعب في الدوري الممتاز لكرة القدم.

شبكة علاقات مؤثرة

أزمة شوبير أنه من الشخصيات التي يراها الجمهور متقلبة، وتتبدل مواقفها بمرور الوقت لمجرد اختلاف الوضع القائم
أزمة شوبير أنه من الشخصيات التي يراها الجمهور متقلبة، وتتبدل مواقفها بمرور الوقت لمجرد اختلاف الوضع القائم

يمتلك شوبير قاعدة علاقات قوية في الوسط الرياضي، ومن الصعب أن يفصح عن معلومات مغلوطة أو مشكوك في مصداقيتها، فقد اعتاد الحصول على المعلومة من مصدرها، لكن مشكلته في شعور البعض تجاهه أنه يعمل لحساب أطراف على حساب أخرى، أو يتعمد إلقاء بالونات اختبار لصالح جهة بعينها، وتمرير قرارات لها علاقة بالكرة.

وبحكم شهرته الواسعة وتربعه على عرش مقدمي البرامج الرياضية، فإن من ينتقده شوبير أو يتحدث عنه بالسلب قد لا ينجو من التهلكة، أو يكون ذلك مقدمة لمحاسبته بقسوة مهما كان اسمه وصفته، فهو من المؤثرين في الرأي العام ويتفادى كثيرون الصدام معه، خوفا من النتائج السلبية الرياضية.

من هؤلاء اللاعب أحمد الميرغني، لاعب نادي الزمالك السابق الذي كتب ذات يوم على صفحته الشخصية على تويتر أنه “سيشجع النادي الأفريقي التونسي ضد النادي الأهلي”، وكان ذلك في إحدى مباريات دوري أبطال أفريقيا، وحينها تلقى اتصالا هاتفيا من شوبير يعنفه ويُقسم له بأنه سينهي مسيرته الكروية، وقد حدث، وفق تصريحات أدلى بها اللاعب لاحقا.

لدى شوبير قائمة طويلة من المعارك داخل الوسط الرياضي، ما جعله شخصية مثيرة للجدل، فهو طرف أصيل لأشهر صراعات الكرة في مصر ضد مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، ورغم تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي للصلح بينهما وقت أن كان مرشحا للرئاسة، ويشغل منصب وزير الدفاع، لكن خلافاتهما لا تزال مستمرة، تخفت وتتصاعد دون أن تهدأ تماما.

الجمهور لم يعد ينظر إلى شوبير على أنه مقدم برنامج رياضي محايد، ما أقحمه في أزمات وصدامات مع شريحة من المشجعين والمسؤولين

ويتصور البعض من النقاد أن شوبير يملك حصانة رسمية تمنحه شجاعة كبيرة في مواجهة خصومه، لكن لا يُدرك هؤلاء أن هذه الحصانة وهمية، ويتناسون أن مرتضى منصور يمتلك قاعدة علاقات قوية بإمكانه من خلالها تسهيل مهمة الانتقام والثأر.

ولا تزال اللعنة تطارد شوبير بعد إقحام نفسه في العمل السياسي في أواخر فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، ونجاحه في نسج شبكة علاقات قوية مع ابنيه جمال وعلاء، وبقدر ما أفادته هذه الشبكة سابقا وحقق من ورائها مكاسب بقدر ما تتحول إلى ثغرة ينفذ منها خصومه إليه عندما يريدون توبيخه.

شغل مقعدا في البرلمان خلال عصر مبارك، وهو ما منح خصومه السلاح الذي يحاولون النيل به منه، وتم اتهامه من مجلس إدارة اتحاد الكرة المصري بتكدير السلم العام وبث شائعات تهدد الدولة، بعدما قال إن عضوا بالمجلس حرض الجماهير المصرية على قذف حافلة المنتخب الجزائري قبيل لقائه مع نظيره المصري في تصفيات كأس العالم 2010، وهو التصريح الذي تسبب في أزمة بين البلدين وطلب النائب العام من البرلمان رفع الحصانة عنه لبدء إجراءات التحقيق معه في الاتهامات المنسوبة إليه، لكن اندلعت ثورة يناير 2011 وسقط نظام مبارك وهدأت العلاقات الرياضية مع الجزائر، وعاد شوبير ليتأقلم مع الأوضاع الجديدة.

عقدة بلا حل

شوبير يُتهم بأنه من أبرز المذيعين الذين انتهكوا المدونة السلوكية لضبط فوضى المنابر الرياضية

هناك تهمة تطارده إلى اليوم جاءت خلال مكالمة مسربة نُسبت إليه مع إحدى الصحافيات، يتحدث معها بطريقة غير أخلاقية، ورغم براءته منها ونفيه القاطع أن يكون هو المتحدث وأن ما حدث جزء من محاولة لاستهدافه، لكن مرتضى منصور خرج وهدده بأن لديه المزيد ضده إذا حاول انتقاده في أي برنامج أو حتى جلسة ودية، وبعدما عاند شوبير وهاجم منصور نجح الأخير في حرمانه من الظهور الإعلامي لمدة عامين.

كان ذلك في بدايات انتشار الفضائيات الرياضية الخاصة، على رأسها “مودرن كورة”، لكن نبيل دعبس مالك المحطة أقنعه بالذهاب إلى منزل منصور والاعتذار له كي يُسمح له بتقديم برنامج جديد على القناة وقبل منصور اعتذاره، وبعد فترة عاد الخصام بينهما، لكنه أقل وطأة مما كان عليه في السابق.

أزمة شوبير أنه من الشخصيات التي يراها الجمهور متقلبة، وتتبدل مواقفها بمرور الوقت لمجرد اختلاف الوضع القائم، فقد كان مصنفا بأنه أحد أبناء نظام مبارك لكونه ترشّح إلى البرلمان في عهده عام 2005 كعضو عن الحزب الوطني الحاكم عن دائرة طنطا بمحافظة الغربية في شمال القاهرة مسقط رأسه.

ولكن سرعان ما انقلب شوبير على نظام مبارك وأعلن تأييده للمحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين للمطالبة بإسقاطه متهما بعض رموز السلطة بأنهم أفسدوا الحياة السياسية، ثم تحدث عن التزوير الذي شاب انتخابات مجلس النواب عام 2010، وهو الذي كان مرشحا فيها لكنه سقط، وقرر الثأر لأن النظام أطاح به.

كان شوبير من أبرز الإعلاميين الرياضيين الذي استثمروا برامجهم لتلميع صورة نظام مبارك، واستضاف ابنه جمال على فضائية “دريم”، وقت أن كان رئيسا للجنة الشباب بالحزب الحاكم، وقام بتقديمه للشارع باعتباره مهموما بالفئات الشبابية ومتابعا جيدا للملف الرياضي في مصر ولديه خطة طموحة في هذا القطاع الجماهيري.

تقلبات سياسية

شغله لمقعد في البرلمان خلال عصر مبارك منح خصومه السلاح الذي يحاولون النيل به منه، فتم اتهامه من مجلس إدارة اتحاد الكرة المصري بتكدير السلم العام وبث شائعات تهدد الدولة

عندما تمت استضافته بعد ثورة يناير 2011 ليتحدث عن أفضل الشخصيات المؤهلة بالنسبة إليه لإدارة البلاد اختار السياسي محمد البرادعي، الذي شغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية، ليبدو أنه شخصية معادية لكل ما يرتبط بنظام مبارك، كنوع من إبراء الذمة من الانتماء إليه.

وبعدما هدأت الأمور، واستقرت الأوضاع السياسية نسبيا، وجرى فتح الحديث مجددا عن نظام مبارك، خرج شوبير لينفي عن الحزب الحاكم تهمة الفساد المطلق، مؤكدا أن كل الذين انتموا إلى النظام السابق وعملوا معه ليسوا فاسدين، بل بينهم شخصيات وطنية، ما عكس قدرته على إدارة تناقضاته الشخصية التي لا تنفصل كثيرا عن تناقضاته الإعلامية في بعض الأحيان.

بدأت التناقضات تظهر جليا عندما كان مذيعا رياضيا، وتقدم لانتخابات اتحاد الكرة في العام 2015، ورفض الابتعاد عن المشهد الإعلامي، فهو الذي كان إعلاميا وفي نفس الوقت مسؤولا يشارك في إدارة الكرة المصرية، وأخفق في أن يكون حياديا بين نقد قرارات الاتحاد وحفاظه على مهنته كمقدم برنامج رياضي شهير.

وعلى إثر هذا الوضع الذي استمر قرابة أربع سنوات، فُتحت شهية الكثير من نجوم كرة القدم السابقين لأن يكونوا مقدمين لبرامج رياضية مهما كانت مصالحهم متضاربة، ويجمعون بين المنصب ومهنة الإعلامي، وأصبح هذا المشهد متعارفا عليه على الكثير من الشاشات، بغض النظر عن القواعد المهنية والأعراف الإعلامية، إذ أصبحت البرامج حكرا على مشاهير الكرة.

واستعان شوبير بابنته سلمى لتقديم برنامج رياضي معه على راديو “أون سبورت إم.إم”، ليتم فتح ملف التوريث في مهنة الإعلام، الأمر الذي تعرض بسببه إلى انتقادات لاذعة، لكنه لم يكترث أو يتراجع وقرر المضي في طريقه غير عابئ بأصوات رأت في ذلك مقدمة لتكريس الاستعانة بأهل الثقة على حساب الكفاءات.

يأتي ذلك بالتزامن مع توظيف شوبير لبرنامجيه في التلفزيون والإذاعة للإشادة المتكررة بابنه مصطفى الذي يحرس مرمى فريق الكرة بالنادي الأهلي، وعلى الرغم من ندرة نزوله إلى الملعب، غير أنه يراه حارس مرمى عملاقاً.

قل ما شئت في شوبير، بدءا من براغماتيته إلى قدرته على توظيف علاقاته وكثافة تربيطاته داخل الوسط الرياضي وخارجه، غير أنه يمتلك أسلوبا مميزا في التعليق وتقديم البرامج يجعل الكثير من متابعيه يتجاهلون سقطاته وهفواته وتتعلق أبصارهم وآذانهم بمهاراته المتعددة وقدرته على التسلل إلى قلوب وعقول الناس، وهي الوصفة التي جعلته ينجو من المطبات التي وضعها خصومه في طريقه.

12