أحمد حضراوي: بروكسل الجريحة أرض حوار وقنطرة ثقافات

يبدأ الشاعر المغربي أحمد حضراوي حديثه لـ”العرب” عن العاصمة البلجيكية بروكسل التي اتخذ منها مقرا لإقامته، يصفها اليوم بأنها أصبحت نقطة تلاقي الحضارات والثقافات بل والصراعات المتأججة في المشارق والمغارب، في هذه الجغرافية أراد أن يكون للكلمة العربية منبر، فكان المقهى الأدبي في بروكسل بهدف “مأسسة” الجمال والخطاب الإنساني العربي فيها من جهة، وسعيا لإبراز الوجه المشرق للمدينة كي لا تضيع في زحام الأحكام الجاهزة على حد قول ضيفنا.
أحمد حضراوي شاعر وروائي مغربي ولد عام 1971 بمدينة طنجة، و هاجر إلى بلجيكا عام 1997، حيث أسس المقهى الأدبي في بروكسل، شارك في العديد من البرامج الشعرية التلفزيونية وله مجموعة من الأعمال الصادرة أهمها ديوان “آمنت بالإسلام وبالمسلمين كفرت”، “شذرات”، “شيء من المنفى”، رواية “في شراك أحمد بخيت”، رواية “عصابة شيرين وببلاوي”، ديوان “الدموع الملتهبة”.
الشاعر أولا
يرى ضيفنا نفسه شاعرا أولا وأخيرا، فالكلام الموزون المقفى يحتل كل مساحة حبره وورقه، حيث بدأ بالشعر العمودي ثم الثلاثيات فالرباعيات والموشحات انتهاء بالشعر الغنائي، حتى قرر خوض تجربة الشعر الحر. يعترف ضيفنا أنه تقليدي في كتابته الشعرية وحداثي في تركيب وبناء القصيدة على مذاهبها الحديثة شاملا بذلك القصيدة الحرّة، فمقومات الشعر عنده هي التي تستطيع أن تخترق زمن الكتابة من خلال التغذي بضبط قواعد الكتابة الشعرية في ممارسة زمنية نحو التطور والاحترافية دون التخلي عن الوزن والقافية والإيقاع الموسيقى الداخلية للشعر العربي رغم اختلاف المبنى بين العمودي والحر والموشح وغيره.
|
لكن السرد عنده يأخذ سيرة أخرى، حيث يروي لنا قصصا حدثت معه في عاصمة عربية، تلك القصص في مجملها تمر عبر بوابات ثقافية لتعري الوسط الثقافي وتضعه في مواجهة حادة مع سلبياته، فكانت روايتاه “في شراك أحمد بخيت” و”عصابة شيرين الببلادوي”، ويعترف حضراوي أن تجربته في السرد هي نتاج ذاكرته الحقيقية ومعارفه الحياتية التراكمية.
الغربة والإبداع
عن الغربة يقول ضيفنا المولود في وجدة المغربية إنها أشبه بالحاضنة الزجاجية التي تؤوي الجنين غير مكتمل الولادة، فالغربة التي تعطي الاستقرار في كثير من الأحيان تحرم الإنسان من تفاصيل الحياة المكتملة في الوطن الأم، معادلة صعبة الفهم دون مراس كما يصفها ضيفنا الذي سألناه عن دور المثقف العربي في هذه المنافي البعيدة عن الشرق ليقول إن الأشكال الأهم هو تحديد مفهوم الثقافة ثم مفهوم المثقف لنصل إلى الوظيفة الجغرافية والهوياتية والحضارية والإشعاعية له كأقلية في مجتمع متحرك لم يعد لديه الوقت الكثير ليلتفت إلى ثقافة الآخر، إلا إذا تمّت الترجمة له، في هذا المشهد يرى حضراوي أن دور المثقف هو تقديم رؤية جديدة تقوم على الفلسفة والفكرة، هذه الثنائية يمكن أن تكوِّن لدى المتلقي الغربي مساحة تتناسب مع تكوينه النفسي والقلبي وتتلاءم مع سعيه للإطلاع على ثقافة الآخر.
أمام هذه المصطلحات المختلفة “الثقافة، الغربة، الاغتراب، المثقف”، يرى ضيفنا أننا أمام غزو فكري أدبي وإبداعي إلى جانب كل أشكال الغزو الأخرى التي يتعرض لها العالم العربي ، هذا الغزو في عمق التعامل معه يحمل إشكالية خالصة تتمثل في جوهرها بالانسياق للتأثيرات والإغواءات الهوياتية المختلفة.
والحل هنا يكمن كما لمسه حضراوي في الحفاظ على الهوية الأصلية دون تطرف وانغلاق، يكون ذلك بالانفتاح على كل تجربة يمكن أن تصقلها وتشبعها وتطورها، هذا الانفتاح الحذر يشترط فيه الشاعر المغربي عدم الانبهار بالآخر، فالتمسك بالهوية العربية هو الذي يضمن استمرارية المثقف العربي في الغرب ويؤمن بقاء بصمته.