أحزاب تونسية تقايض الجملي بتعديل حكومته مقابل منحها الثقة

قبل أيام من جلسة منح الثقة، أعلنت ثلاثة أحزاب تونسية رفضها التصويت على حكومة الحبيب الجملي المقترحة، فيما اشترطت أحزاب وازنة بالمشهد السياسي مثل قلب تونس تعديل الجملي لفريقه الحكومي مقابل التصويت، ما يزيد الغموض حول مصير الحكومة المرتقبة.
تونس - قالت ثلاثة أحزاب تونسية، على الأقل، إنها لن تصوت للحكومة المقترحة في البرلمان، في خطوة تكشف أن مرور حكومة الرئيس المكلف حبيب الجملي التي أعلنها مؤخرا على البرلمان، محفوف بمخاطر عدم نيل الثقة.
وقال النائب في البرلمان هيكل المكي، عن حزب حركة الشعب، إن “الحزب لن يمنح ثقته للحكومة المقترحة من رئيس الحكومة المكلف بسبب تحفظات على تركيبتها وأسماء عدد من الوزراء”.
وأضاف المكي، في تصريحات لإذاعة محلية، الاثنين، “وجود هذه الحكومة سيكون خطرا على الدولة”. وتابع “حكومة الجملي فيها الكثير تحوم حولهم شبهات فساد بأحكام قضائية نهائية تدينهم، وحكومة فيها من تفترض إحالته للقضاء باعتباره يمجّد الإرهاب”.
وبذلك انضم حزب حركة الشعب إلى حزب التيار الديمقراطي الذي كان أعلن في وقت سابق أنه لن يصوّت للحكومة بسبب “منهجية اختيار الوزراء”.
ويمثل الحزبان كتلة برلمانية مشتركة تضم 41 نائبا، بجانب عدد من النواب المستقلين، وهي الكتلة الثانية بعد كتلة حزب حركة النهضة الإسلامية الفائزة في الانتخابات التشريعية.
وقال حزب حركة تحيا تونس الذي يرأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية يوسف الشاهد، إنه لن يمنح الثقة للحكومة في جلسة التصويت المقررة الجمعة المقبل.
وأوضح الحزب أن تركيبة الحكومة المقترحة “لا تحترم حتى المعايير التي التزم بها الحبيب الجملي، في ظل وجود شكوك حول استقلالية بعض الأسماء، ونقاط استفهام أُثيرت حول كفاءة البعض وشبهات تضارب مصالح متعلقة بأسماء أخرى”.
ويقترح الحزب الذي يملك 14 مقعدا في البرلمان، في بيان، “تكوين حكومة مصلحة وطنية قائمة على شراكة سياسية وطنية مسؤولة”.
بدوره، اشترط حزب قلب تونس على رئيس الحكومة المكلف تعديل فريق حكومته المقترحة مقابل التصويت مع اقتراب جلسة منح الثقة. وقال رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، في حوار لقناة تلفزيونية خاصة، إن حزبه لا يزال على نفس الموقف الرافض لحكومة الحبيب الجملي، معتبرا أن ما قيل عنها بكونها حكومة كفاءات اتضح أنه غير صحيح وأن أغلبية هذه الكفاءات هي كفاءات النهضة.
وأكد القروي أنه لم يتم التشاور مع حزبه حول التركيبة والأسماء، مبينا أن قلب تونس يعتبرها حكومة كثيرة العدد، واعتبر أن “حكومة بمثل هذه التركيبة وهذا التمشي لا يمكن أن تستجيب لاستحقاقات المرحلة”.
وشدد القروي على ضرورة القيام بتعديلات ومراجعات في تركيبة الحكومة شكلا ومضمونا، مبينا وفق تعبيره، أنه في صورة إصرار الحبيب الجملي على موقفه فإن الاتجاه العام لحزب قلب تونس سيكون عدم التصويت على الحكومة، الجمعة القادم.
وعلى رغم ما تواجهه تشكيلة حكومة الجملي والتي جاءت إثر تجاذبات سياسية وأقصيت الأحزاب من المشاركة فيها، انتقادات على مستوى استقلاليتها ومدى نجاعتها في تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن مراقبين يتوقعون حصولها على ثقة البرلمان.
ويعتقد هؤلاء أن الأحزاب الرافضة للتشكيلة الحالية تحاول الضغط على الجملي، بهدف تعديل حكومته واقتراح وزراء محسوبين عليها، لتعزيز تموقعها في المشهد السياسي الجديد.
وفيما تحاول حركة النهضة الإيحاء برفضها حكومة الجملي واعتراضها على خمسة أسماء من الحكومة المقترحة للنأي بنفسها من تهم السيطرة على المشاورات بغاية فرض حكومة على المقاس، فإن بقية
الأحزاب تناور لتحسين شروط التفاوض في مرحلة ما بعد التصويت على الحكومة وإعلان شارة الانطلاق لعملها.
وأشار المحلل السياسي باسل الترجمان لـ”العرب” أن “قيادات هذه الأحزاب تمارس مرة أخرى سياسة استبلاه الشعب وتكرار نفس المهازل التي جرت في مجلس النواب السابق، وهذا سيؤدي بعد التصويت للحكومة التي من المتوقع أن تنال أكثر من 120 صوتا من أصوات النواب إلى تعزيز اهتزاز ثقة”. وتوقع ترجمان أن “تنال الحكومة ثقة كل نواب حركة النهضة والتي يحاول بعض من قياداتها الإيحاء، بأنها غير موافقة عليها وأنها تطالب بتعديل داخلها”.
وتابع “يعلم الجميع أن كل أعضاء هذه الحكومة باستثناء وزيري الدفاع والخارجية تم اختيارهم بشكل شخصي ومباشر من قبل رئيس الحركة راشد الغنوشي”.
ووصفت أوساط سياسية تركيبة حكومة الجملي بالهجينة، ففي الظاهر مستقلة عن الأحزاب، ولكن عمليا تريد أن ترضي الأحزاب الداعمة لكي تمر في البرلمان.
وبات رضوخ الجملي وقبوله إجراء تعديلات في الساعات الأخيرة قبل الذهاب إلى البرلمان متوقعا، بغاية ضمان التصويت والنجاح في المهمة التي كلفته بها حركة النهضة.
ويملك حزب النهضة 54 مقعدا في البرلمان وهناك منحى للتوافق مع منافسه حزب قلب تونس الليبرالي الذي حل ثانيا في الانتخابات ويملك 38 مقعدا، بينما تحتاج الحكومة المقترحة إلى 109 أصوات على الأقل لنيل الثقة.
ولم يستبعد رئيس البرلمان وحركة النهضة، راشد الغنوشي، في تصريحاته إثر اجتماع مكتب مجلس البرلمان، السبت، أن “يتم تعديل قائمة الوزراء بهدف ضمان توافق أوسع حول الحكومة قبل جلسة التصويت”.
ويرى ترجمان أن هذه الحكومة هي “حكومة النهضة وحلفائها السياسيين من قلب تونس وائتلاف الكرامة ونداء تونس وبعض النواب من أحزاب مختلفة ومستقلين وكل ما يحاول البعض الحديث عنه من خلافات هو لرفع مستوى الكسب السياسي والتفاوض على ما بعد تشكيل الحكومة من ملفات بعضها سياسي والباقي قضائي”.
ومع إعلان ثلاثة أحزاب رفضها التصويت لحكومة الجملي وطلب أحزاب وازنة إجراء الجملي تعديل على حكومته، يبقى إلغاء جلسة منح الثقة، الجمعة، فرضية واردة.
ورجح القيادي بحركة النهضة بلقاسم حسن في تصريحات للوسائل إعلام محلية إمكانية إجراء تغيير على هذه الحكومة المقترحة دون تجاوز الدستور، لافتا أنه من الممكن كذلك تغيير موعد الجلسة العامّة للبرلمان المقررة، الجمعة، نظرا إلى أن الآجال الدستورية ما زالت مفتوحة إلى غاية الرابع عشر من يناير”.
وشرح بقوله “يمكن لرئيس الحكومة المكلف تغيير بعض الأسماء التي وردت بشأنها انتقادات واحترازات ويعيد تقديم القائمة إلى رئيس الجمهورية الذي يراسل بدوره البرلمان مجدّدا في شأنها، ويتم تحديد جلسة عامّة أخرى”.
وكان الحبيب الجملي، وهو شخصية مستقلة مرشحة من قبل حزب حركة النهضة، قد قدم الأسبوع الماضي حكومة كفاءات مستقلة بعد فشل مشاوراته مع الأحزاب السياسية.
وتضم الحكومة المقترحة 28 وزيرا و14 كاتب دولة برتبة وزير، وحتى الآن ليست هناك ضمانات فعلية لتحصيل الأغلبية المطلقة التي تحتاجها لنيل ثقة البرلمان.