أحداث عنابة.. بطالة الشباب وفشل سياسات الدولة

الخميس 2016/06/30

يحاول النظام الجزائري، عبر وسائل الإعلام التي تروّج له، أن يقدم للرأي العام الوطني والدولي أحداث عنابة العنيفة التي اندلعت السبت الماضي واستمرت إلى غاية الأحد بأن سببها مجرمون وتجار شباب فوضويون يمارسون التجارة بطرق غير قانونية في طرقات هذه المدينة الواقعة بالشرق الجزائري ويرفضون الامتثال للقانون وإزالة الأسواق الفوضوية.

لقد لخصت وسائل الإعلام المتواطئة مع هذا النظام هذه الأحداث بأنها همجية، وأصيب فيها 11 شرطيا بجروح وتم توقيف 17 تاجرا فوضويا، كما تم تخريب كاميرات المراقبة ونهب مبلغ قدّر بأربعة مليارات سنتيم، فضلا عن قيام عدد من الشبان الذين وصفوا بالمنحرفين بالاعتداء على أملاك المواطنين. ويفيد التقرير الموضوعي الذي نشرته يومية الشروق مؤخرا حول هذا الحدث أن “شرارة أعمال الشغب التي عاشتها العديد من الأحياء بوسط مدينة عنابة” قد جاءت “بعد حملة المداهمات التي شنتها مصالح الأمن ضد الباعة غير الشرعيين بوسط المدينة أين حجزت على إثرها كميات معتبرة من السلع والبضائع التي كانت معروضة للبيع من قبل التجار، وهو ما أثار ثائرتهم وجعلهم يقومون بأعمال شغب سرعان ما تطورت بعد أقل من ساعة من اشتعالها إلى احتكاكات بين التجار المحتجين وعناصر الأمن الذين حاولوا فض هذا الاحتجاج”. ويعني هذا أن رجال الأمن هم الذين استعملوا العنف أولا بأمر من السلطات المحلية وفي المقدمة المحافظ، في الوقت الذي كان من المفروض أن تحل مشكلة ما يسمى بالأسواق الفوضوية المنتشرة عبر الوطن كله وليس في مدينة عنابة فقط بأسلوب حضاري وبالحوار، وعن طريق إيجاد البدائل التي تضمن للشباب العمل ولقمة العيش الكريم.

الغريب أن رجال الأمن قد استعملوا الهراوات والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، مثلما قاموا بمصادرة بضائع هؤلاء الشبان. الصورة المضخمة التي نقلتها وسائل الإعلام التي تمولها أجهزة الدولة تهدف إلى تحقيق غايتين وهما؛ تشويه سلوك الشبان الجزائريين الفقراء الذين عانوا ولا يزالون من البطالة المتوحشة لسنوات طويلة، وإبعاد المسؤولية عن الحكومة الحالية والحكومات السابقة التي فشلت فشلا ذريعا في القضاء على وحش البطالة المستشرية التي خرّبت ولا تزال تخرب حياة ملايين الشبان والشابات من جهة أخرى.

وهنا نتساءل؛ لماذا لم تبن الجهات المعنية وخاصة الوزارة المسؤولة عن العمل أسواقا عصرية في إطار برنامج تشغيل الشباب الذي وضعه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ زمن طويل، وأسس له هيئة وطنية رسمية لتنفيذه في آجال محددة، وضُخّت أموال طائلة لإنجاح هذا المشروع؟ ثم أين ذهبت أموال هذا المشروع التي تقدر بمئات الآلاف من المليارات، ولماذا لم يحاسب المسؤولون على صرفها العشوائي وبطرق غير شرعية الأمر الذي ساهم في تكريس الفساد المالي في البلاد؟ وماذا تعمل وزارة الشباب التي تختزل مهمتها في بذخ الرياضة الترفيهية وتصرف عليها المبالغ الطائلة علما أن المطلوب منها هو حل المشكلات الحقيقية التي حولت الملايين من الشبان والشابات الجزائريين إلى مواطنين ومواطنات من الدرجة الأخيرة، وساهمت في تفريخ العنف الذي أصبح ظاهرة خطيرة تخرّب نسيج المجتمع الجزائري والذي هو نتيجة لسوء المعيشة، والفقر الذي يحاصر نسبة تتجاوز نطاق المعقول في بلد يصنف عالميا في المرتبة الخامسة في ما يخص إنتاج الغاز، وفي المرتبة العاشرة في ما يتعلق بإنتاج البترول؟

وفي الحقيقة فإن الوقائع تؤكد أن برنامج تشغيل الشباب الذي تتكفل به الوكالة الوطنية المؤسسة بقرار رئاسي منذ سنوات من أجل القضاء على البطالة قد عطلته البيروقراطية التي لعبت ولا تزال تلعب أدوارا سلبية في إفشاله، وزيادة على ذلك فإن الحكومة المركزية ومؤسساتها عبر الولايات (المحافظات) لا تملك مخططا وطنيا مؤسسا على الإحصائيات الدقيقة والصحيحة التي تبين بوضوح عدد العاطلين عن العمل عبر بلديات الجزائر التي يبلغ عددها 1541 بلدية. إلى جانب ما تقدّم فإن تشغيل 675 ألف عاطل وعاطلة في سنة واحدة من بين أكثر من أربعة ملايين منهم لا يعني شيئا.

في هذا السياق أكدت التقارير المحايدة أن نظام ما قبل التشغيل الذي تعمل به الحكومة تتخلله ثغرات كثيرة، وفي مقدمتها توظيف الآلاف بطرق غير مشروعة من جهة، ومن جهة أخرى فإن أحد التقارير المنشورة يوضح أن “عقود ما قبل التشغيل هي عقود مهنية خاصة، يتم بموجبها تشغيل خريجي الجامعات والمعاهد من الشباب الجزائري في مؤسسة عمومية أو خاصة، على أن تقوم مديرية التشغيل بدفع المنحة شهريا ولمدة 3 سنوات قابلة للتجديد، وتعرف هذه العقود عند الشباب الجزائري بعقود الاستعباد. ويعتقد البعض أن الهدف الحقيقي من وراء هذه العقود هو امتصاص الاحتقان في وسط الشباب، وتغطية عجز الوزارة عن توفير سياسة توظيف عادلة”.

كاتب جزائري

9