أجواء العمل الضاغطة تحوّل النساء إلى أمهات مستبدات

تسعى المرأة العاملة إلى تحقيق التوازن بين العمل وحياتها الأسرية إلا أنها تعيش ضغوطا كبيرة لبلوغ هذا الهدف، وتزيد بيئة العمل المشحونة وسوء المعاملة في مكان العمل من توترها، مما ينعكس سلبا على سلوكها ومعاملتها لأطفالها، مما يجعلها أما متسلطة، هذا بالإضافة إلى ما سببه الإجهاد الذي تعيشه للتوفيق بين متطلباتها الأسرية وعملها من مضار صحية.
نيويورك ــ يعتقد الكثيرون أن سوء المعاملة في العمل لا يؤثر على سلوكيات الأمهات مع أطفالهن، ربما لتصورهم بأن الأمهات العاملات قادرات على الفصل بين ما يعشنه في مكان العمل وحياتهن الأسرية، خاصة القدرة على السيطرة على انفعالاتهن في التعامل مع الأطفال بعد يوم عمل ليس شاقا فحسب بل أيضا يتسم بسوء المعاملة والقسوة، إلا
ان دراسة أميركية أكدت أن النساء العاملات اللاتي يتعرّضن لسوء المعاملة أو القسوة في أماكن العمل يكنّ مؤهلات أكثر للانخراط في ممارسات تكون أكثر صرامة وأكثر استبدادية في المنزل، والتي سيكون لها حتما تأثير سلبيّ على الأطفال.
وقالت الباحثة بجامعة كارلتون الكندية، أنجيلا ديونيسي، في بيان أصدرته الجمعية النفسية الأميركية “تكشف هذه النتائج بكل تأكيد عن بعض الطرق التي لم يتم التطرّق إليها
من قبل والتي تعاني منها النساء على وجه الخصوص، نتيجة سوء المعاملة التي يتعرّضن إليها في مكان العمل”.
وأضافت موضحة “من خلال اكتشاف كيفية تداخل سوء المعاملة في مكان العمل مع التفاعلات الإيجابية بين الأم والطفل، يهتم هذا البحث أيضا بتسليط الضوء على مجموعة من ضحايا الاضطرابات غير المباشرة، أي الأطفال، الذين لم يتم الإشارة إليهم في السابق”.
وعرّف الباحثون الذين أشرفوا على إنجاز الدراسة سوء السلوك في مكان العمل بأنه سلوك جسيم أو غير محترم أو وقح أو أي سلوك آخر ينتهك قواعد الاحترام العادية في مكان العمل، ويكشف عن عدم اهتمام الآخرين. ومن بين الأمثلة التي ذكرتها الدراسة تجاهل أو إبداء ملاحظات مهينة حول زميل في المكتب، وعدم تقدير عمل الآخرين وتجنّب شخص ما، واستبعاد أشخاص آخرين من الفرق أو إلقاء اللوم على أخطاء أخرى.
قدرة الأمهات على السيطرة على انفعالاتهن في التعامل مع الأطفال بعد يوم عمل ليس شاقا فحسب بل يتسم بسوء المعاملة والقسوة
وأفادت الكاتبة المشاركة في الدراسة كاثرين دوبري “نحن نعرف الآن، استنادا إلى الكثير من الأدلة التجريبية، أن عواقب سوء المعاملة في مكان العمل كبيرة وسلبية”، مضيفة “على سبيل المثال، يرتبط سوء المعاملة بانخفاض الجهد والأداء في العمل، وارتفاع مستويات التوتر، وضعف الانتباه في معالجة المعلومات واتخاذ القرارات”.
ومن أجل فهم ديناميات الوقاحة في العمل التي تتدخل في الحياة الأسرية، طلب فريق البحث من 146 من الأمهات الناشطات ومن أزواجهم تعمير الاستطلاع، حيث سُئلت كل أم عن تجربتها الشخصية حول سوء المعاملة في العمل وعن مدى فعاليتها كأمّ. ثم تمّ سؤال الأزواج عمّا إذا كانت زوجاتهن يتسمن بسلوكيات سلطوية أو متساهلة.
وكشفت نتائج الاستطلاع عن وجود علاقة كبيرة بين سوء المعاملة والوقاحة والقسوة في مكان العمل وتسلّط الأمهات العاملات. ومع ذلك، لم يتم توضيح مثل هذا الارتباط في ما يتعلق بالممارسات الأبوية المتساهلة أو الأكثر ليونة.
كما أشارت النتائج إلى أن بيئة العمل المشحونة بالتوتر تؤدي إلى دفع العديد من الأمهات إلى الشعور وكأنهن لسن أمهات مؤثرات، وهو ما قد يفسر السبب الذي يجعل هؤلاء الأمهات يبررن ضرورة اتّباع استراتيجيات أبوية أكثر صرامة.
وأكد الباحثون أن الأمهات المستبدات يتسمن بالشدة في التعامل مع أطفالهن، إلا أنهن في مقابل ذلك يفشلون في دعم أبنائهن ومدهم بملاحظات فعّالة، وبدلا من ذلك يخترن معاقبتهم بشدة على أبسط التصرفات الطائشة. وإدارة الشؤون الصغيرة لكل جانب من جوانب حياة الأطفال هي سمة مشتركة بين المستبدين.
ويقول الدكتور دوبري “تشير البحوث إلى أن الدور الأبوي الاستبدادي يعتبر أكثر نمط أبوي سلبية من أنماط الأبوة الأخرى. وارتبط هذا النمط بمجموعة متنوّعة من النتائج التي لها تأثيرات سلبية على الأطفال، بما في ذلك ربط الطاعة والنجاح بالمحبّة، أو إظهار السلوك العدواني خارج المنزل، أو الشعور بالخوف أو أن يكون خجولا جدا في محيطه الأسري والمدرسي، كما تصبح لديهم صعوبات في المواقف الاجتماعية بسبب عدم وجود الكفاءة الاجتماعية، كما يعاني الطفل من الاكتئاب والقلق ويكافح من أجل ضبط النفس”.

وعبّر مؤلفو الدراسة عن صدمتهم من مدى تأثير سوء المعاملة في العمل على الأمهات العاملات، لأن أغلب المجتمعات تعتبر هذا النوع من السلوك غير ضار بشكل عام أو ليست له تأثيرات سلبية على المحيط الأسري.
ومن جانبها أوضحت ديونيسي قائلة “إنه شكل من أشكال سوء المعاملة التي يعتقد الكثيرون أنها غير مؤثرة. إنه أمر غير سار ومحبط، ولكن هذا قد يلخّص رؤية زميل يتصرّف بحماقة. ومع ذلك، تشير النتائج التي توصلت إليها الدراسة إلى أن هذا السلوك السيء قد يؤدي في الواقع إلى تآكل إحساس الأمهات بالكفاءة، وبالتالي قد يضر أطفالهن بشكل غير مباشر”.
ويأمل فريق البحث في أن تشجع نتائج دراستهم المنظمات والشركات على فهم ونبذ كل شكل من أشكال سوء المعاملة، والتي تتسرّب إلى مكان العمل بشكل كبير دون أن يلاحظها أحد.