أبوظبي تحتضن ندوة "رواد المشرق" والمؤتمر الدولي للترجمة

حدثان ثقافيان دوليان يطلقان مبادرات مستقبلية وتطلعات تجدّد العلاقة مع الآخر.
الخميس 2019/11/28
الترجمة والمترجمون جسور بين الشعوب

تتولّى دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي مسؤولية حفظ وحماية تراث وثقافة إمارة أبوظبي، والترويج لمقوماتها الثقافية ومنتجاتها السياحية، كما تدعم الدائرة أنشطة الفنون الإبداعية والفعاليات الثقافية بما يُسهم في إنتاج بيئة حيوية للفنون والثقافة ترتقي بمكانة التراث في الإمارة. ومن بين أهم أنشطتها نظمت مؤخرا مؤتمر أبوظبي الدولي السابع للترجمة تحت شعار “كلمة إلى العالم” إضافة إلى ندوة “روّاد المشرق – الرحّالة الغربيون والجزيرة العربية” ومعرض “خمسة قرون من المغامرة والريادة – رحّالة الغرب في الجزيرة العربية” في المجمّع الثقافي.

أبوظبي – انتظمت أخيرا فعاليات مؤتمر أبوظبي الدولي السابع للترجمة، الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، تحت شعار “كلمة إلى العالم”، وذلك في المجمّع الثقافي بمشاركة نخبة من المؤلفين والأكاديميين وكبار المترجمين والناشرين المرموقين من المنطقة وحول العالم.

وسلط المؤتمر الضوء على الدور الهام للترجمة والأعمال الأدبية في نقل المعرفة، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات حول العالم، ولتقديم رؤية مستقبلية تعزز أهمية الترجمة في مد جسور التواصل.

أهمية الترجمة

تأتي النسخة السابعة من مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة لمناقشة الدور الذي تلعبه الترجمة في بناء الجسور بين الحضارات والشعوب، والارتقاء بجودة الترجمة مع إلقاء الضوء على إشكاليات الترجمة الأدبية وإتاحة الفرصة أمام المشاركين لتبادل الخبرات.

حضر افتتاح المؤتمر الدكتور علي بن تميم، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للغة العربية، وباتريك مودي سفير بريطانيا لدى الدولة، وبحضور 41 خبيراً وأكاديمياً من 21 دولة عربية وأجنبية.

في كلمته الافتتاحية، أشار عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب بالإنابة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، إلى الدور الكبير الذي لعبه مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة على مدار سنواته الماضية في ترسيخ دور مشروع “كلمة” للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي كداعم محوري في نقل المعرفة من حول العالم إلى القارئ العربي بمختلف اهتماماته.

مؤتمر أبوظبي يسعى إلى الارتقاء بجودة الترجمة مع إلقاء الضوء على إشكاليات الترجمة الأدبية ورهاناتها

وأضاف قائلاً “نحتفي معكم اليوم بتحقيق مشروع ‘كلمة‘ إنجازا آخر يتمثل في إضافة 5 لغات عالمية جديدة إلى قائمة ترجماته وهي الكورية، الأوكرانية، الفنلندية، البولندية، والهندية، ليصبح إجمالي اللغات 18 لغة عالمية. رغم أنه واجهتنا الكثير من التحديات في مشروع ‘كلمة‘ للترجمة تتعلق بفنيات الترجمة إلى اللغة العربية، إلا أن مؤتمرنا اليوم يأتي كمنصة لتبادل آفاق الترجمة وإشكالاتها عبر التفكير المشترك والحوار الفعال والتلاقي والتشاور بما يتماشى مع رؤية دولة الإمارات في التسامح والانفتاح على الآخر من خلال ثقافته وحضارته”.

وأضاف “لا يخفى على أحد أن مشروع ‘كلمة’ استطاع أن يوجد بيئة تتبنى المترجمين وتوفر لهم منصة لإبداعاتهم الأدبية المترجمة، وبخاصة أن الترجمة ليست عملية ميكانيكية، بل عملية تحتاج إلى خلفية ثقافية جيدة، وإلى القدرة على التعامل مع النصوص الأدبية والعلمية والفكرية”.

ناقشت الجلسة الافتتاحية خيارات الترجمة من العربية وإليها، بمشاركة كل من  ديفيد فاغنر، المؤلف والكاتب الألماني، والباحث سعد البازعي، الناقد والأديب السعودي، وفريدريك لاغرانج، أستاذ الأدب العربي في جامعة السوربون.  وأدار الجلسة سهيل الزبيدي، الإعلامي في قناة أبوظبي.

منصة لتبادل آفاق الترجمة وإشكالاتها
منصة لتبادل آفاق الترجمة وإشكالاتها 

أشار ديفيد فاغنر إلى أن المترجمين هم أفضل أنواع القراء وإلى أن ترجمة أعماله كانت طموحا شخصيّا، مثله مثل باقي الكتاب، لم يحققه حتى كتابه السابع. أما سعد البازعي فتحدث عن التحديات التي تواجه قطاع الترجمة، وسلط الضوء على أهمية وضع معايير من قبل هيئات غير ربحية بإمكانها توجيه أعمال الترجمة لما يقتضي ترجمته، بينما ناقش فريدريك لاغرانج، أستاذ الأدب العربي في جامعة السوربون، موضوع ترجمة الرواية العربية المعاصرة إلى الفرنسية، وأشار إلى إشكاليات الترجمة في ظل هيمنة الأعمال الرائجة على ما يترجم وما لا يترجم في الحقل الأدبي العربي.

وتناولت الجلسة الثانية واقع الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، والتي شارك فيها الرئيس التنفيذي لقطاع الأدب والنشر والترجمة في وزارة الثقافة السعودية الروائي محمد حسن علوان، ومدير المركز القومي للترجمة في القاهرة أنور مغيث، والناشرة ورئيسة تحرير مجلة “بانيبال” مارجريت أوبانيك، وأدار الجلسة  الشاعر والإعلامي الإماراتي عادل خزام.

تحدثت مارجريت أوبانيك عن بدايات مجلة بانيبال قبل 22 عاماً، وهي مجلة متخصصة حصرياً بنشر الأدب العربي الحديث إلى الإنكليزية، حيث عرضت جملة من التحديات التي واجهتها في ترجمة الأعمال الأدبية العربية، وكيف أصبحت المجلة مرجعاً دولياً وللوسط العربي على حد سواء.

وشدد أنور مغيث، الحاصل على جائزة ابن خلدون – سنجور للترجمة، على أهمية التنسيق بين أقطاب الوسط الأدبي لتحديد جملة من المعايير لما يستحق أن تتم ترجمته من اللغة العربية إلى لغات أخرى، ولإثراء الأدب العالمي في نهاية المطاف. واستعرض محمد حسن علوان تجربته الشخصية ككاتب روائي ترجمت أعماله إلى الانكليزية والفرنسية، وأشار إلى الدور الذي يلعبه الناشرون في نشر الأدب المنطوي ضمن الصورة النمطية للعالم العربي، وابتعادهم عما يكسر النمطية. وأكد أنور مغيث على أهمية التحرير في إخراج النص العربي النهائي، الأمر الذي يلعب دوراً كبيراً في تعزيز جودة الأعمال الأدبية قبل ترجمتها.

رحالة غربيون

كما نظمت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي مؤخرا ندوة بعنوان “رواد المشرق – الرّحالة الغربيون والجزيرة العربية”، ومعرض “خمسة قرون من المغامرة والريادة – رحّالة الغرب في الجزيرة العربية”، وذلك في المجمّع الثقافي في أبوظبي، حيث تهدف هذه التظاهرة إلى تسليط الضوء على الثقافة العربية وتاريخ الحوار الثقافي والتبادل الحضاري بين الأمم.

حضر افتتاح الندوة والمعرض في المجمّع الثقافي كل من  محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد للغة العربية، والدكتور فهد عبدالله السماري، المستشار بالديوان الملكي، الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز، المشرف العام على المركز الوطني للوثائق والمحفوظات في المملكة العربية السعودية، والدكتور علي بن تميم، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للغة العربية، بالإضافة إلى نخبة من الأكاديميين ورواد الفكر والثقافة والمتحدثين من خبراء دوليين مرموقين ومستشرقين وكتّاب وأكاديميين من الإمارات والخليج والعالم العربي.

في الكلمة الافتتاحية للندوة، قال عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع المكتبة بالإنابة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي “نستعيد اليوم من خلال جلسات ومحاور ندوة ‘رواد المشرق‘ التاريخ العزيز على قلوبنا، ومدى ارتباطه بتاريخ منطقة الخليج العربي عموماً، والإمارات العربيّة المتحدة بشكل خاص”.

ونوه آل علي في كلمته إلى أنّ هذه المبادرة تطمح إلى الإسهام في تعريف الجيل الجديد على مجموعة واسعة من الرحلات التي قام بها المستشرقون إلى منطقتنا العربية، وخاصة إلى منطقة الخليج العربي، والتي سنكتشف من خلالها كنوزاً معرفية تفتح آفاقاً جديدة في رؤية تاريخ منطقتنا هذه.

تحدث في الجلسة الأولى للندوة، التي جاءت بعنوان “تمثيلات الجزيرة العربية في كتابات الرحّالة الغربيين”، الدكتور فهد عبدالله السماري، شارحا الأسباب التي تجعل من ندوة ومعرض روّاد المشرق حدثاً ذا أهمية خاصة، حيث تتم دراسة ما تركه رحالة الغرب من منظور معرفي وبصري هام جداً على مدار خمسة قرون.

فتح آفاق تفتح جديدة في رؤية تاريخ المنطقة
الرحلات تؤسس لثقافة التسامح 

فيما ناقشت الجلسة الثانية منهجية الدراسات والتجارب المتعلقة بأدب الرحلات إلى المشرق وجزيرة العرب، وقد شارك فيها الدكتور ديونيسوس أغيوس، زميل الأكاديمية البريطانية وأستاذ فخري في الدراسات العربية من جامعة أكستر، والكاتب والأديب البولندي ستانيسلاف ستراسبورغر، وأدارتها الباحثة والكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري.

واستعرض أغيوس التراث الملموس وغير الملموس لحياة المجتمعات التي تعيش على سواحل البحر الأحمر على مدار الزمن، وتطرق إلى المنهجية التي اتبعها لتوثيق معالم التراث البحري للجزيرة العربية، بعد دراسته للمواد التاريخية التي تركها الرحالة الأوروبيون وتقارير الأرشيف البريطاني، وزياراته المتعددة لسواحل ومدن البحر الأحمر وخليج عمان لتسجيل السمات الأساسية لسكان سواحل الجزيرة العربية.

أما الكاتب والأديب البولندي ستراسبورغر، مؤلف كتاب “بائع الحكايات” الذي وضعه بعد زياراته المتعددة للعالم العربي ومن ثم قام بترجمته إلى اللغة العربية، فقد قام بعرض المنهج الحديث لتوثيق التراث، وتكلم أيضاً عن بدايات شغفه بالمجتمعات العربية ومنهجية السرد القصصي للحكايات التي تروي التراث المحلي.

وتناولت جلسات صباح اليوم الثاني من ندوة “رواد المشرق – الرّحالة الغربيون والجزيرة العربية” المقارنات الأدبية بين الرحالة الغربيين والعرب، حيث سلّطت الضوء على فكرة وطموح سلسلة رواد المشرق العربي الصادرة عن دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي.

قدمت الجلسة الأولى مقارنات بين تراث الرحالة الغربيين والعرب والآثار والانعكاسات الأدبية لرحلات الشرق، وطرحت تساؤلات عن الكيفية التي تعامل بها الرحالة العرب مع الغرب، وكيف أثرت شبه الجزيرة العربية في اهتمامات الرحالة الغربيين. أدار الجلسة الدكتورمحمد الوهيبي، عضو المجمع العلمي التونسي للعلوم والآداب والفنون، شارك فيها كل من الدكتور سعد البازعي، الناقد والباحث السعودي، والدكتور حمد بن صراي، الباحث الإماراتي والمحاضر في جامعة الإمارات العربية المتحدة، والأستاذة الجامعية والمؤلفة البريطانية ديبورا مورجان جونز.

روّاد المشرق

وجاءت الجلسة الثانية بعنوان “مشروع سلسلة رواد المشرق العربي: الفكرة والطموح”، وهي سلسلة كتب تصدر عن دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي وتعكس مدى اهتمام الدائرة بحفظ تراث الآباء والأجداد، وحرصها على جمع المصادر المتعلقة بتراث منطقة الخليج العربي وجزيرة العرب والعالم العربي.

بدأ مشروع رواد المشرق العربي عام 2008 وصدر أول كتاب من السلسلة بعنوان “ارتياد جزيرة العرب” في معرض أبوظبي الدولي للكتاب عام 2009. وقد صدر عن السلسلة حتى الآن أكثر من 53 كتابا، وتمت إعادة طباعة بعضها مثل كتاب “رحلة عبر الخليج العربي”.

جمعت هذه الجلسة الباحث والمؤرخ السوري المرموق الدكتور أحمد إيبش، والباحثة الروسية إينا سافينيج، وأدارتها فاطمة الورد، الإعلامية الإماراتية في قناة أبوظبي.

في جلسة بعنوان “تمثيلات المرأة الرحالة في جزيرة العرب” شاركت فيها كل من المؤرّخة الألمانية فراوكه هيرد باي، والباحثة والكاتبة الإماراتية الدكتورة فاطمة الصايغ من قسم التاريخ والآثار في جامعة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الدكتور كاورو ياماموتو، الأكاديمية والمترجمة والباحثة اليابانية، وأدارتها الكاتبة الهنوف محمد، استهلت الصايغ النقاشات بإظهار الاهتمام الكبير الذي حظيت به منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وكيف أسهمتْ الرحّالات الغربيات في التعريف والتأثير على واقع المرأة العربية.

ومن جانبها، قدمت ياماموتو مقاربات بين الرحلات الغربية إلى المنطقة العربية وإلى اليابان، واعتبرت أن معظم الانطباعات القديمة التي شكلها اليابانيون عن المنطقة العربية جاءت من نتاج الرحلات الغربية للجزيرة العربية، كما أشارتْ أيضاً إلى بداية عصر التبادل الحضاري الياباني مع الدول العربية في بداية القرن العشرين حيث زار المنطقة الكثير من الرحّالة والرحّالات اليابانيات.

نقل المعرفة من حول العالم إلى القارئ العربي
نقل المعرفة من حول العالم إلى القارئ العربي

إلى جانب ذلك، عدّدتْ المؤرخة الألمانية فراوكه هيرد باي أبرز التجارب للرحالات الغربيات إلى الجزيرة العربية منذ بداية القرن التاسع عشر، ممن تركن قصصاً ومذكرات في غاية الأهمية لدراسة التراث القديم المتعلق بالمرأة العربية.واختُتمت أعمال ندوة “رواد المشرق – الرّحالة الغربيون والجزيرة العربية” بجلسة بعنوان “تجارب شخصية بالرحلات” شارك فيها الكويتي زيد الرفاعي، أول متسلق عربي لقمة جبل إيفرست، والرحالة والباحث الإيطالي آيروس بالدسيرا، ونوري الجراح، مدير المركز العربي للأدب الجغرافي في سوريا، وأدارت الجلسة الدكتورة هناء صبحي، أستاذة اللغة والأدب الفرنسي بجامعة السوربون- أبوظبي.

تحدّث المستشرق الإيطالي آيروس بالدسيرا عن ترحاله الثقافي من إيطاليا إلى العالم العربي منذ عام 1968، حيث مكّنته هذه الرحلات من إصدار الكثير من الدراسات المتعلقة بالأدب العربي الحديث. وتحدث نوري الجراح عن الجهود والمساهمات في توثيق مشروع ارتياد الآفاق، والذي يتناول مقارنات بين الرحلات القديمة والمعاصرة في أدب الرحلة العربية، وأشار إلى أهمية ندوة رواد المشرق في تجديد البحوث المتعلقة بدراسة الروايات القديمة والجديدة المتعلقة بالثقافة العربية في أدب الرحلات.

من جانبه استعرض المتسلق زيد الرفاعي بدايات شغفه بالتسلق، حيث تحدث عن رحلته لجبل إيفرست، والتحديات الكبيرة التي واجهته وكيف تخطاها للوصول إلى القمة، كما شدد على أن الدافع الرئيسي للرحلات في العصر الحديث ينبع بشكل رئيسي من الفضول للبحث عن الذات. وفي نهاية الجلسة، تحدثت الدكتورة هناء صبحي عن كتاب “إنسانية البشرية” للفيلسوف الفرنسي أدغار موران، والذي قامت بترجمته إلى العربية في عام 2014.

ويقدم معرض “خمسة قرون من المغامرة والريادة – رحّالة الغرب في الجزيرة العربية” والذي يستمر إلى غاية السبت 30 نوفمبر، فرصة للزوار للإطلاع على مجموعة من أبرز المقتنيات التاريخية النادرة ومجموعة واسعة من الكتب والوثائق التاريخية من بينها 130 صورة نادرة بعضها يعرض لأول مرة، إضافةً إلى الصور والخرائط والرسومات المأخوذة من السلسلة التراثية “رواد المشرق العربي”، والتي تهدف إلى التعريف بتجربة الرحالة الغربيين أثناء تجوالهم في الجزيرة العربية، من خلال نشر الوثائق والرحلات التاريخية التي قام بها المؤرخون عبر الزمن.

14