أبناء السجناء يتحملون ذنب جرم لم يرتكبوه

يؤثر الحكم على الأب أو الأم بالسجن على الأطفال من جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وتلاحق وصمة العار أسر المساجين وخاصة الأطفال حيث يكون تأثيرها مضاعفا عليهم.
لندن – تتبنّى المجتمعات العربية مبادرات خجولة تسلّط الضوء على أبناء المساجين، متجاهلة معاناتهم النفسية والمادية والاجتماعية بسبب وصمة العار التي يخلّفها سجن أحد الآباء، ومن بين هذه المبادرات يذكر يوم العلم المركزي الخاص بالمساجين وأبنائهم في تونس، والذي يعتبر بادرة أولى من نوعها لمزيد ربط الصلة بين المودعين في السجون وعائلاتهم وضمانا لاندماج أكبر في المحيط العائلي والاجتماعي للمساجين، أو دعوات بعض الجمعيات وأخصائيي علم النفس والاجتماع لحماية هؤلاء الأطفال من النظرة الدونية التي يعانون منها بسبب ذنب لم يرتكبوه، والتركيز على حاجتهم إلى الدعم النفسي والاجتماعي، لتجاوز محنتهم التي قد تتسبب في تحويل مجرى حياتهم وتدمير مستقبلهم.
ويمثّل الاحتفال السنوي بيوم العلم المركزي الخاص بالمساجين وأبنائهم الذي أقرّته تونس في 2018 مناسبة هامة لتعزيز آليات اندماج المساجين، وتمتين روابط تواصلهم مع عائلاتهم وأبنائهم من خلال تكريم المتفوقين سواء من المودعين الذين يواصلون تعليمهم من داخل الوحدات السجنية أو أبنائهم الذين تفوّقوا في دراستهم العادية.
ويعتبر تأطير أبناء المساجين من الناحية النفسية والاجتماعية أمرا ضروريا لحمايتهم من مغبّة الانحراف بسبب نظرة المجتمع، ولا يتم ذلك إلا عن طريق توعية المجتمع بضرورة معاملتهم معاملة إنسانية تتفهّم وضعهم الخاص.
عقوبة المحكوم بالسجن آثارها تمتد أيضا إلى أسرته، التي تصطدم بالإقصاء والرفض الاجتماعي
ونبّهت دراسة قامت بها جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء في مصر إلى أن العقوبات السالبة للحرية تؤثر على أسر المسجونين تأثيرا سيئا، مشيرة إلى أن إحساس الابن أن والده نزيل السجن يعطيه مشاعر عدائية قد تدفع به نحو الجريمة أو الانحراف أو العزلة أو الانسحاب.
وكشفت نتائج الدراسة تعرّض أسر المساجين وأبنائهم إلى العنف المادي والمعنوي، وإلى التهميش في غياب المبادرات الرسمية التي تسعى إلى إدماجهم في المجتمع، وتغيير نظرة المجتمع إليهم كفئة مجتمعية تعاني من التهميش والعمل على توفير فرص حياة أفضل لها.
ودعا عبدالرحيم العلام الباحث المغربي في العلوم الإنسانية، إلى العناية بالآلاف من أبناء السجناء، لأنهم يفقدون مورد رزقهم، ويتهددهم العوز والاحتياج، وقد يجرفهم تيار التطرف أو الدعارة أو الهجرة السرية، وفق تقرير سابق لموقع “هسبريس” الإلكتروني.
وقال العلام “كي يؤدّي السجن وظيفته المَرجُوّة، ينبغي أن يُنظر إلى جميع النتائج التي تترتّب عنه، لأنه في هذه الحالة بدلا من إصلاح الآلاف من السجناء، سيتم تشريد الآلاف من الأسر، وتخريج مئات الآلاف من المواطنين العاجزين والفاشلين.
وأضاف “ينبغي التمييز بين العقاب الواجب الذي يجب أن يتحمّله ‘المجرم’ وبين الآثار الجانبية التي يمكن أن تلحق بأفراد أسرته. وهذا لا يعني أنه يمكن تفادي كل الآثار السلبية التي قد تلحق بأقرباء السجين، لأن ذلك مستبعد جدا وإلا لَما كان لتقييد الحرية مفعوله، ولكن الذي ينبغي تفاديه هو العمل على ألاّ يُساهم حبس ‘المجرم’ في خلق المزيد من المجرمين أو المعاقين اجتماعيّا ونفسيّا”.
وشدّد المختصون على ضرورة حرص الجهات الرسمية على دعم روابط الصلة مع أسر السجناء، وضمان تماسك المودعين في السجن ودعم الجانب النفسي وربطهم بالمجتمع، ودفعهم إلى الالتزام بالسلوك السوي، وقضاء فترة العقوبة دون الشعور بالبعد والانفصال الاجتماعي والأسري.
ولفتت الدراسات إلى أن آثار العقوبة المحكوم بها السجين تمتد أيضا إلى أسرته، التي تصطدم بالإقصاء والرفض الاجتماعي، وأفادت دراسة عربية جاءت تحت عنوان “صدمة الإفراج عن السجناء وإدماجهم في المجتمع”، أن “70 في المئة من أسر السجناء، ليس لديهم مورد مالي، فيما بلغت نسبة تسرّب أبناء السجناء من المدارس 13 في المئة، مبينة أن “آثار العقوبة المحكوم بها السجين تمتد أيضاً إلى أسرة السجين، ولكن بسجن أكبر لا قضبان له”.
وقال أخصائيو علم الاجتماع إنه من المعتاد تهميش المجتمع لأبناء السجناء، ويتم بذلك تحميلهم ذنب جرم لم يرتكبوه مما يضاعف معاناتهم ويفقدهم الثقة في أنفسهم، ولفتوا إلى أن أطفال السجناء حالة مقلقة تتزايد بوتيرة متسارعة نتيجة عدة عوامل، ولها نتائج وخيمة على استقرار المجتمع لأنها تؤدي إلى الانحراف، بسبب ما يعانيه الأطفال نتيجة الإهمال والتهميش، فالواجب إيجاد الحلول لأن حقوق الملايين من الأطفال معرضة لشتّى أنواع الإقصاء أو الإهمال.
وأشاروا إلى أن أبناء السجناء لا يمكن الحديث عنهم كظاهرة وإنما هم فئة مهمّشة، حيث تفتقد المجتمعات العربية إلى نشاطات مخصّصة لأسر السجناء والمفرج عنهم وخصوصا الأطفال، مشددين على ضرورة توضيح أن غياب الأب له آثار سلبية كثيرة في سلوك بعض أفراد الأسرة، وقد تسبّب مشاكل نفسية لهم نتيجة تجنّب تعامل الآخرين معهم أو النظر لهم بشكل دوني.
وأضافوا أن هؤلاء الأطفال “يواجهون نظرة المجتمع وحكمه عليهم ونكرانه لهم، مما يؤثر سلبًا على الجوانب النفسية والاجتماعية والمستقبلية لهم، والذي قد يبني بداخلهم الحقد والكره لأقرانهم من الأطفال بل من المجتمع بأكمله”.
وفي مقابل ذلك ينظر هؤلاء الأطفال إلى المجتمع بخجل وخوف، إلا أن هذه المشاعر قد تتبدد إذا وجدوا أنهم محاطون بالحب والحنان، وقد تتحوّل ثقة بالنفس واحتراما، وإن لم تكن كذلك فقد تتطوّر تلك النظرة لتصبح نظرة استنكار لذنب لم يقترفه الطفل مما يربّي بداخله الحقد والضغينة، وقد يتطور الأمر إلى نكران الذات والإحباط والإحساس بالفشل فتتكون بذلك شخصية سلبية لا فائدة منها.
وأوضح الباحث المغربي “أن الحديث منصبّ بشكل كبير على الآلاف من الأطفال الذي يوجدون في المجتمع من دون آبائهم ليس بسبب جهل هوية الأب أو وفاته، ولكن على اعتبار غياب الأب بسبب السجن. ولأن هؤلاء الأطفال يفقدون مورد رزقهم المتمثّل في الأب، فإنهم يقعون تحت وطأة العوز، ممّا يؤثر على السير العادي لحياتهم”.
وتابع “بالتالي يضطرّون إلى مغادرة مقاعد الدراسة من أجل البحث عن لقمة العيش، ويُجبرون على ترك مسكنهم الأصلي والبحث عن بديل عنه يكون مناسبا لظروفهم الجديدة، وإذا لم يجدوا هذا المسكن، فإنهم ينضمّون إلى الآلاف من المشرّدين والمتسكّعين في الشوارع”.
وأكدت دراسة أميركية سابقة أن وضع أحد الأبوين وراء القضبان، يجعل الطفل يصاب بمجموعة من الاضطرابات النفسية والسلوكية، مشيرة إلى أن سجن أحد الوالدين يؤثر على الطفل بشكل سلبي أكثر مما يحدث في حالة انفصال الوالدين أو حالة وفاة أحدهما.
وتوصّلت الدكتورة كريستين تورني وزملاؤها خلال هذه الدراسة إلى أن وجود أحد الوالدين في السجن، يجعل الطفل يعاني من مشاكل صحية كاضطرابات السلوك واضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة، وكذلك اضطرابات التركيز والتعلّم ومشاكل الكلام وتأخر النمو.