أبناء الزواج العرفي في الجزائر يعيشون على هامش الحياة

تتضارب إحصائيات أطفال الزواج العرفي في الجزائر، فخلف علاقات زواج غير موثقة ولا مقيدة في السجلات الرسمية، تختبئ أرقام تتراوح بين 20 ألف طفل و45 ألفا، بحسب تقارير حقوقية، وخلف تلك الإحصائيات تختفي معاناة أطفال وجدوا أنفسهم على الهامش، رغم أنهم أبرياء من ذنب لم يرتكبوه ولم يختاروا والديهم ولا نوعية العلاقة التي أنجبتهم.
الجزائر - تؤكد تصريحات محامين ورجال قانون في الجزائر، على تصاعد مؤشرات أطفال الزواج العرفي في البلاد، خلال السنوات الأخيرة، بسبب لجوء البعض إلى مثل هذه العلاقة للتحايل على النصوص القانونية التي ضيقت الخناق على تعدد الزوجات، ولإضفاء النسب على مواليد العلاقات غير الشرعية.
يذكر المحامي علي بوعبدالله لـ”العرب”، أنه “من الصعوبة ضبط إحصائيات أطفال الزواج العرفي من طرف الهيئات الرسمية، بسبب نزوع أصحابها إلى السرية، وللظروف الاجتماعية، وغالبا ما يتم ذلك عند طلب توثيق العقد، وتقييد الأطفال في السجلات الرسمية لممارسة حياتهم بصفة عادية، والاستفادة من فرص التعليم والصحة والسكن.. وغيرها من الخدمات”.
وأضاف رجل القانون أن “الظاهرة تنتشر بشكل لافت في المناطق الداخلية والصحراء، وتقل في المدن والمحافظات الحضرية، فعلاوة على الرغبة في إخفاء علاقة الزواج من طرف البعض، هناك ظروف اجتماعية وعادات وتقاليد لا تولي أهمية لمثل هذه المسائل".
ولا تزال عمليات التوليد تتم خارج المستشفيات، ولا تزال قضية تعليم الأبناء لا تدخل في اهتمامات الأولياء، في المناطق المعزولة، وهي عوامل تشجع على شيوع الزواج العرفي، لأن حياة الرعي والتنقل المستمر لا تحفز أو لا ترغم أصحابها على تسوية أوضاعهم الرسمية”.
وروى جيلالي زرورو (50 عاما)، قصة عائلته التي لم تكن مقيدة في السجلات الرسمية، وأنه وأشقاءه الخمسة، لم يجلسوا على مقاعد الدراسة في حياتهم، واكتفوا ببعض السنوات في المدرسة الابتدائية، واكتشف في ما بعد أن مدير المدرسة، كان يغض الطرف على وضعيتهم غير القانونية، لأنه من سكان قرية نائية ويعلم خبايا الوضع.
وعن سؤال حول الأسباب التي حرمته وأشقاءه من التعلم، قال جيلالي في تصريحه لـ”العرب”، إنه “رغم أن قريتنا لا تبعد عن العاصمة إلا بنحو 100 كيلومتر، إلا أن عقلية والديّ والتقاليد البالية، ربطت بينهما عرفيا ولم يسجلا عقد الزواج في دفاتر الحالة المدنية، ولم نقيد نحن بدورنا".
وتابع بحسرة "فقدنا فرصة التعلم، ولم تتم تسوية الوضع إلا ونحن في سن الشباب، حينها أرغمنا والدنا على توثيق عقد زواجه وتسوية وضعنا الإداري وحصلنا بذلك على وثائق هويتنا كمواطنين جزائريين”.
ويرى المحامي بوعبدالله، أن “الظاهرة كادت تختفي في السنوات الأخيرة في المدن والمناطق الحضرية، لارتفاع منسوب الوعي الاجتماعي والثقافي، وتساهل القضاء في تسوية هذه الوضعيات".
اللافت للانتباه أن الظاهرة بصدد العودة تدريجيا في السنوات الأخيرة، بعد لجوء البعض إلى إبرام عقود زواج عرفي، للتحايل على القوانين التي حدت من تعدد الزوجات
أما اللافت للانتباه فهو بحسب بوعبدالله أن "الظاهرة بصدد العودة تدريجيا في السنوات الأخيرة، بعد لجوء البعض إلى إبرام عقود زواج عرفي، للتحايل على القوانين التي حدّت من تعدد الزوجات، الذي ينتج أطفالا هم أبناء لزواج عرفي، فيشكلون عبئا على المجتمع وعلى الدولة”.
ووصف تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الوضع، بـ”القنبلة الموقوتة”، ودق جرس الإنذار من خطورة عودة الزواج العرفي إلى المجتمع، ما ينجم عنه جيل من مواطنين جزائريين دون هوية، فيُضاف إلى أعباء اجتماعية متراكمة.
وأشار التقرير إلى أن الرابطة أحصت نحو 50 ألف حالة زواج عرفي في السنوات الأخيرة، وإلى أن الرقم قفز من حوالي 36 ألف حالة خلال فترة التسعينات (العشرية الحمراء)، حيث كان متشددو الجماعات المسلحة يمارسون هذا النوع من الزواج، وأنجبوا آلاف الأطفال في الجبال والغابات، فضلا عن شيوع الظاهرة بشكل لافت في أوساط البدو الرحل في الهضاب والصحراء.
ونبّه التقرير إلى حالات خارقة تتعلق بسياسيين وبرلمانيين ووزراء وضباط يبرمون عقود زواج عرفي، إلا أن المواليد نادرة لدى هؤلاء.
وأكد أن “الزواج العرفي يعد قنبلة موقوتة تهدد المجتمع، بالنظر إلى تورط العديد من الوزراء والإطارات السامية والبرلمانيين ووجوه فنية وأخرى إعلامية بارزة، في الحياة السياسية، والثقافية، والاجتماعية وحتى رجال أعمال يعيشون في وضعية زواج عُرفي”.
وأشار إلى أن “التعليمة التي توجب إصدار عقد زواج قبل العقد الشرعي بقراءة الفاتحة التي صدرت سنة 2005، لا تطبق في ظل غياب صرامة قانونية تلزم كل الأئمة بالعمل بها، ورغم كونها تساعد على تجنب الوقوع في العديد من المشاكل، إلا أن الكثير من الأئمة يتجاهلونها، وينتج عن ذلك عقد عرفي سواء بغرض التحايل أو برضا الطرفين وأفراد العائلتين المتصاهرتين”.
ويثبت الزواج العرفي في التشريع الجزائري، بنسخة من سجل الحالة المدنية، وفي حال عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي، ويوجب تسجيل حكم تثبيت الزواج في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة.
ويتم تسجيل الزواج العرفي في الدوائر الحكومية الرسمية “بواسطة عريضة مشتركة بين الزوج والزوجة تودع أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية أو أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه في حالة وجود نزاع بين الزوج والزوجة حول مسألة إثبات الزواج”.
ويوجب المشرع على القاضي قبل أن يصدر حكما يقضي بتثبيت الزواج العرفي “التأكد من الوثائق القانونية الموجودة في الملف لتقصي وجود الأركان الشرعية للزواج المتمثلة في رضا الزوجين وولي الزوجة والشاهدين والصداق، ومن خلو الزواج من موانع الارتباط كالمحرمات بالقرابة وبالرضاعة.. وغيرها”.
وبموجب صدور عقد الزواج وتقييده في السجلات المدنية، يتم فتح المجال أمام تسجيل المواليد في الدفتر العائلي، بعد صدور قرار مماثل من هيئة المحكمة المختصة.
وبعد هذه المرحلة يمكن لأبناء الزواج العرفي أو الشرعي الحصول على وثائق تثبت الهوية وبالتالي يمكنهم التمتع بحقوقهم كباقي الأطفال، خاصة أن وثائق الهوية هي الطريق الوحيد الذي يفتح لهم الباب لدخول المدارس أولا، وللتمتع بحق التعليم وأيضا للتمتع بالخدمات الصحية ثانيا، وهي حقوق أساسية لا يمكن حرمان الطفل منهابسبب أخطاء والديه.