أبناء الاغتصاب في رواندا يحملون وصمة آبائهم

ربع مليون امرأة تعرضت للاغتصاب خلال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
الخميس 2021/03/04
ضحايا الصراعات العرقية

موهانغا (رواندا) - نشأوا وهم يحملون وصمة العار المتمثلة في كونهم “أطفال الجلادين”، منبوذين من مجتمعهم وباحثين عن هوية ما زالت مجهولة بعد أعوام طويلة من دون أن يبزغ ضوء في نهاية النفق.

ومر ما يقرب من 27 عاما على الإبادة الجماعية في رواندا. لكن الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب الذي ارتُكِب خلال محنة البلاد ما زالوا يعانون من الصدمة، حتى في وقت تعمل السلطات على تحقيق المصالحة الوطنية.

وقال باتريك (26 عاما) “في قلبي ندوب كثيرة”. وأضاف “لا أعرف من هو والدي وسيكون مستقبلي دائما معقدا لأنني لا أعرف ماضيّ”.

وعلى مدى 100 يوم في عام 1994، قُتل حوالي 800 ألف من أقلية التوتسي والمعتدلين من أغلبية الهوتو في حملة نظمتها وزادت سعيرها حكومة الهوتو المتطرفة.

وتعرضت ربع مليون امرأة للاغتصاب في إطار حملة ممنهجة شنها جنود حكومة الهوتو والميليشيات المتحالفة معهم إنتراهاموي – وأحيانًا من قبل رجال محليين، وحتى جيران ضمن أحياء.

وولد من رحم هذا العنف الجهنمي ما يقدر بعدة آلاف من الأطفال. وحكم عليهم بالعار في بلد تعتبر الولادة لأب مجهول الهوية مصدر خزي.

وتحدث باتريك من بلدة نيانزا في جنوب رواندا حيث يدرس المحاسبة. وكلما تذكر كيف أنه نادرا ما اختلط بأطفال آخرين في المدرسة أصابه الانهيار.

وقال إن العبء والعزلة الاجتماعية كانا ثقيلين إلى درجة محاولته الانتحار مرة في سن 11 ومرة أخرى في 22. وأوضح “حتى سنوات قليلة ماضية، لم يكن المجتمع قادرا على قبول ما أنا عليه بسبب تاريخي”. وأضاف “لم يهتم بي التوتسي أو الهوتو”.

مر ما يقرب من 27 عاما على الإبادة الجماعية في رواندا. لكن الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب ما زالوا يعانون من الصدمة

وطبقا لأرقام الأمم المتحدة، تم اغتصاب ما لا يقل عن 250 ألف امرأة خلال تلك الفترة. ويقول المؤرخون إن الكثيرين احتجزوا كعبيد جنس نقلت للبعض الآخر عمدا عدوى فايروس نقص المناعة البشرية.

ولم تخبر الكثير من النساء أطفالهن قط أنهم ولدوا نتيجة الاغتصاب كما لم يشاركن محنتهن مع من تزوجنهم لاحقا، خوفا من التعرض للرفض.

لكن العديد وافقن مؤخرا على التحدث إلى فرانس برس في منازلهن أو على هامش ورشة عمل في وسط مدينة موهانغا نظمتها المعالجة إميلين موكانسورو، لكنهن تحدثن بشرط عدم الكشف عن هويتهن.

وقالت المؤرخة هيلين دوما إن “الاغتصاب استُخدم كوسيلة لإذلال وتدمير مجتمع التوتسي”.

وأوضحت “من خلال استهداف أجساد هؤلاء النسوة، سعى من يقفون وراء الإبادة الجماعية إلى فرض تفكيك جذري للأبوة حتى لا تلد أي امرأة طفلا من التوتسي”. وأضافت “كانت هذه عمليات اغتصاب أيديولوجية وجزءا من حملة الإبادة الجماعية”.

وقالت أونورين، والدة باتريك، إنها احتُجزت لمدة أربعة أيام مع عدة نساء أخريات خلال الإبادة الجماعية على يد مجموعة من المتطرفين الهوتو الذين كانوا يغتصبون أسراهم بعد حملة الذبح اليومية.

وأوضحت المرأة البالغة من العمر 48 عاما والدموع تنهمر على وجهها “كانوا يقولون إنهم يريدون الحلوى.. والحلوى كنت أنا لأنني أصغرهم سنا”.

وأشارت إلى أنها حاولت العودة إلى عائلتها في شمال البلاد بمجرد هروب عناصر الميليشيا، حيث تعرضت للاغتصاب مرة أخرى خلال رحلتها ما أدى إلى حملها. وفي حي فقير في موهانغا، يخيّم التوتر على منزل غريتا البالغة من العمر 53 عاما، والتي لا تزال بحاجة إلى المهدئات يوميا بعد حوالي 27 عاما من محنتها.

وكانت غريتا متزوجة حديثا وحبلى بطفلها الأول عندما فقدت طفلها وأصيبت بحروق شديدة بعد أن اشتعلت النيران في منزلها مع انطلاق الإبادة الجماعية، بينما كان زوجها في الخارج يزور عائلته.

وقالت إنها “فقدت عقلها” لأسابيع بعد المأساة وتعرضت للاغتصاب بعد ذلك لكنها قررت وزوجها الاحتفاظ بالطفل -وهو صبي ويدعى كاليكست- وعدم مشاركة سرهما مع أي شخص.

ومع ذلك، في عام 2010 علم الطفل أن الرجل الذي كان يناديه “أبي” طوال حياته ليس والده البيولوجي، بعد نقاش محتدم بشأن دفع الأسرة الرسوم المدرسية.

5