آمال تسوية خلافات بريكست تتضاءل

قبل نحو أسبوعين من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن العلاقات المستقبلية بين لندن وبروكسل، بما في ذلك التوصل إلى اتفاقية تجارية بالغة الأهمية، ما تزال المفاوضات متعثرة، فيما الوقت يضيق أكثر أمام الطرفين. وإذا ما تعذر التوصل إلى اتفاق ستجد لندن نفسها خارج الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، وهو سيناريو يحذر اقتصاديون من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية الكارثية.
لندن - دخل المفاوضون البريطانيون والأوروبيون في “الساعات الأخيرة” من سعيهم للتوصل إلى اتفاق تجاري بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الجمعة، منقسمين بشدة حول مسألة حقوق الصيد البحري المثيرة للجدل، ما يقلل آمال التسوية وينذر بسيناريو كارثي تطال تداعياته بالأخص الحياة اليومية للمواطنين البريطانيين كما الأوروبيين.
ورغم أن سيناريو التوصل إلى اتفاق في آخر لحظة وتفادي الفوضى، الذي ستنجر عن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق لا يزال قائما، إلا أن التشاؤم يغلب على تصريحات كلا الطرفين، في ظل تصلب مواقف لندن وتحذيرات بروكسل بأنها لن تتنازل أكثر لتلبية المطالب البريطانية، التي ترى فيها انتهاكا لقواعد الاتحاد الأوروبي.
وستغادر المملكة المتحدة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في أقل من أسبوعين، وقد نفد الوقت تقريبا حتى تتم الموافقة على أي اتفاق في الوقت المناسب لتجنب حدوث أزمة اقتصادية شديدة الوطأة.
وطالب البرلمان البريطاني بأن يطّلع على نص أي اتفاق بحلول الأحد على أبعد تقدير، فيما تقول حكومة المملكة المتحدة إنها لن تسمح للمحادثات بتجاوز موعد 31 ديسمبر.
وقال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه للبرلمان الأوروبي “إنها لحظة الحقيقة. لم يتبق لدينا سوى القليل من الوقت، بضع ساعات فقط لإنجاح هذه المفاوضات… إذا كنتم تريدون أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في الأول من يناير”.
وأوضح بارنييه، الذي توجه إلى المحادثات الأخيرة مع نظيره البريطاني ديفيد فروست فور لقائه أعضاء البرلمان الأوروبي، إن مسألة الصيد البحري ما زالت نقطة الخلاف الرئيسية.
وأضاف “لا أظن أنه سيكون من العدل أو المقبول ألا يسمح للصيادين الأوروبيين… بالوصول إلى تلك المياه”.
ويريد الاتحاد الأوروبي الحفاظ على حق الوصول إلى المياه البريطانية الغنية بالأسماك عبر اتفاق طويل الأمد، لكن المملكة المتحدة، التي ترى فيها رمزا لاستعادة سيادتها، اقترحت فقط الحفاظ على الوضع الحالي لمدة ثلاث سنوات، قبل اتخاذ قرار بشأن حقوق الصيد التي تمنحها.
ونبه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الجمعة، إلى أن “الوضع يبدو صعبا فثمة هوة ينبغي ردمها. لقد بذلنا الكثير ونأمل أن يطرح أصدقاؤنا في الاتحاد الأوروبي شيئا ما على طاولة”.
ويرى الكثيرون في بروكسل أن الخطاب المحموم من الجانبين كان بمثابة مناورة لتحقيق مكاسب في اللحظات الأخيرة قبل توقيع الاتفاق الذي يقال إنه جاهز بنسبة 95 في المئة.
وقال عضو البرلمان الأوروبي ورئيس الوزراء البلجيكي السابق غي فيرهوفستات “الأمر دائما على هذا النحو في السياسة، تنجز الأمور دائما في النهاية”.
واعتبر الخبير في مجموعة أوراسيا مجتبى رحمن أن “تشاؤم لندن تكتيكي، في محاولة لانتزاع تنازلات اللحظة الأخيرة من الأوروبيين”.
وأضاف “تأجيل الاتفاق حتى آخر لحظة يمثل أيضا ميزة تقليص تدقيقه إلى الحد الأدنى من قبل البرلمان البريطاني”.
وبعد مغادرتها رسميا الاتحاد الأوروبي في 31 يناير، ستخرج المملكة المتحدة نهائيا من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي الأوروبي في 31 ديسمبر، مع اتفاق أو من دونه.
وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق تجاري، ستتم المبادلات بين لندن وبروكسل وفق قواعد منظمة التجارة العالمية، ما قد يعني فرض رسوم جمركية أو حصص.
ومنذ الساعة الأولى من إقرار بريكست دون اتفاق سيتكبد البريطانيون أضرار اختلال السوق وتفقد لندن عضوية المؤسسات الأوروبية، وتنتهي كافة الميزات التي اكتسبتها بريطانيا كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي لتجد نفسها فجأة في علاقة تجارية مع الجانب الأوروبي تحكمها قواعد منظمة التجارة العالمية.
وهذه مسألة مؤثرة، لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة، حيث تصدر بريطانيا للاتحاد ما يعادل نصف صادراتها الإجمالية، ويمثل الاتحاد الطرف المقابل في حوالي نصف المعاملات التجارية مع المملكة المتحدة في مجال الخدمات.
وبعد الخروج، ستزداد الحواجز أمام تجارة السلع والخدمات، بينما ستتراجع حرية حركة العمالة. وستخضع البضائع البريطانية المصدّرة إلى الاتحاد الأوروبي للفحوص والرسوم الجمركية، التي تخضع لها بضائع أي دولة أجنبية من خارج الاتحاد.
وسيفقد البريطانيون العديد من ميزات حرية التنقل، وسيحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى الاتحاد الأوروبي، كما سيضطرون إلى استخراج رخصة السياقة الدولية ليستطيعوا القيادة في أوروبا. وسيُفرض نظام التسعيرة العالمي على الاتصالات.
وسيكون الخروج من الاتحاد الأوروبي إيذانا بفترة ممتدة من البطالة الهيكلية المرتفعة، ما يتسبب في فقدان بعض المكاسب الكبيرة المحققة في مجال التوظيف خلال السنوات القليلة الماضية.
وستؤدي الحواجز الجمركية إلى انخفاض الهجرة، وتراجُع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لكل قطاع اقتصادي في المملكة المتحدة، كما أن تأخر حركة البضائع بين الجانبين سينعكس سلبا على الصناعات المعتمدة على استيراد قطع مصنعة في دول الاتحاد الأوروبي، ويرفع من تكلفة استيرادها أيضا، ما قد يدفع المصنعين إلى نقل المصانع خارج بريطانيا.