آشنا أحمد دولت من نوافذ الانتظار وأبواب الوجع إلى موسيقى اللون

آشنا أحمد فنانة لا تعرف اليأس وليس لطموحها الفني حدود، ورغم المصاعب التي تعترضها، لا تتخلى عن جذورها وانتمائها لمحيطها فتجسده ألوانا متناغمة ومتوازنة على سطح لوحاتها الجريئة التي تخضع لرغبتها الدائمة في التجديد.
”ألواني حرة مثلي” الجملة التي قالتها الفنانة التشكيلية الكردية العراقية آشنا أحمد (1969) في سياق الحوار الذي أجراه معها الأديب التشكيلي صبري يوسف، تكاد تلخص الكثير مما كانت تود قوله في أعمالها، وقد تلخص ما سنقوله عن تجربتها، فالتي تطلق العنان لألوانها بهذه العفوية وبهذه الطفولة وهذا الحب لا بد أنها تحمل في داخلها ينابيع عذبة وبالتالي داخل مشروعها الفني الكثير من العبق الجميل الذي بتنا نفتقد إليه كثيرا، فهي تمنح فضاءاتها حالات محسوسة من أطياف اللون التي تتحول بين فرشاتها إلى ضوء يفرش الجهات كلها، بدلالات تنتقل بين تجسيد أشيائها كمنطق لتعبيرها التشكيلي وبين إحالة ألوانها تلك كتقابلات ممكنة ومرتبطة إلى حد ما بأدوات إنتاجها.
وتبحث الفنانة آشنا وبكثير من التمايز في ظواهر ذاتها كشكل من أشكال الاشتغال في حدود مستويات علاقاتها المباشرة التي لا تحتاج إلا إلى وسائطها الخاصة، فعوالمها الحسية هي في واقع الأمر غير معزولة عن نسيجها البصري الذي يلخص بدوره تجربتها الإنسانية أولا ثم الإبداعية، فإدراك ذاتها يقتضي إلماما بخزان ممكناتها، ولهذا فهي تستعيض بوقائع بصرية هي مجموع المعطيات الطبيعية التي ستوفر لها لاحقا الكثير من الاختزال داخل صرحها البصري، والكثير من الألوان الحارة والصارخة الحاملة لطاقة إدراكية ضمن دائرة تحقق كيانها الخاص.
☚ آشنا فنانة تشكيلية تبحث بكثير من التمايز في ظواهر ذاتها كشكل من أشكال الاشتغال في حدود مستويات علاقاتها المباشرة
ومع ذلك فإن نتاجها بوصفه قرارا فرديا نابعا من ذاكرتها الذاتية وإن كان صدى انعكاسات لحاجيات تجربتها الواقعية وتحولاتها الكثيرة، وهذا من شأنه أن يجعل الذاكرة الجمعية داخل أهوائها لا خارجها، فهي التي تحمل فرشاة هي مدونتها، فرشاة صنعتها من أشجار كردستان وجباله، مغموسة بلغتها وجمال مفرداتها، وبألوان بيئتها الغنية بتنوعها كتنوع ملاحمه وأغانيه.
والرسامة تدرك جيدا أنها مجبولة بقيم وأخلاق وحضارة الشمال الجميل والعريق والأشبه بنوتات موسيقية، فتصيغ وتشتق كل ذلك في تجربتها العذبة وبعناصر تحددها هي، تمر بالضرورة من أنماط ترسمها هي لتكون أبجديتها في تحديد طبيعة وحدات بحثها الذي يتطلب المغامرة حينا لاختراق مسارات سائدة وصولا لمسار يخصها هي، وحينا استثارة خيالها استجابة إلى رغبة التجديد في داخلها، فتطلعاتها البعيدة كثيرة، وما الأبواب والنوافذ التي تعشق في استخدامها لتتجلى في حلقتها الإبداعية إلا اعتراف صريح وبحب زائد بأن لحظات ميلادها الجديد تكمن في تراثها الثقافي والحضاري غير المحدود وفي رحم التجريب كمظهر مهم من محاولاتها.
وتتوج الفنانة محاولاتها التشكيلية بسلالة إبداعية تحاكي جرأتها في شق الطرق بين توهج ألوانها وبين تجلياتها كآيات حزن تباغت ريشتها، والحال أن مشهدها البصري المتشظي على بياضها هو وجود في ذاته، يكون محوره ضمن حيّز فضائي له علاقة عميقة بكل أجزائها المنفصلة منها والمتفاعلة، من خلال خلق المزيد من الحكايات، كل منها تسرد كل جزيئات الحياة فالرغبة لا تموت بل تشكل صراخا لصالح الفعل الإبداعي.
ورغم أن آشنا أصيبت بمرض المفاصل أبعدها عن نشاطها لفترة زمنية ليست قصيرة إلا أن روح الشمس بقيت تنبض فيها، وأكملت تعليمها الجامعي في الهندسة المدنية مع ممارستها للرسم كنوع آخر من التحدي للحياة وبأنها تستحق أن تعاش ولهذا بقيت مقولتها “على الإنسان ألا ييأس مهما تعرض لظروف قاسية، عليه الصبر والتحمل والكفاح ” تسبقها إلى الحياة لتفتح لها نوافذها مشرعة للريح وأبوابها تسرد وجعها لينابيع العشق واللون وطريقها لحقول الأمل العذب وطموحها تحلق فيها رويدا رويدا عصافير نجاح وتوفيق.
والفنانة التشكيلية آشنا أحمد دولت مولودة في بيت لعائلة سياسية سنة 1969، دخلت مدرسة “روناكي” الابتدائية في السليمانية وهناك شخصت إحدى معلماتها قدراتها الفنية، وعند انتقالها إلى متوسطة “آشتي”، كانت معلمة مادة الجغرافيا تطلب منها رسم خارطة الدول التي سيتم تدريسها، وكذلك معلمة العلوم، وكان هذا نوع من التشجيع لتمضي قدما بقدراتها الفنية، التي بدأت مع تقليد رسوم ابن خالتها الفنان هيره ش، رغم أنه لم يدرس الفن، وبعد المتوسطة حالفها الحظ لتقبل في معهد الفنون الجميلة في السليمانية، وبدأت في المعهد حياة فنية جديدة، وساهمت في العديد من المعارض السنوية المشتركة.
وعملت الفنانة معلمة لمادة الفن ومواد أخرى لعدم توفر معلمين في رانيه، ومن ثم انتقلت إلى السليمانية كمدرسة رسم. وبعدها هاجرت الفنانة إلى ستوكهولم، وفي مسيرتها نحو 35 معرضا تشكيليا.