آرابيسكُ فنان دمشقي يروي حكايات خيالية

معرض فني للفنان التشكيلي السوري محمد العلبي بعنوان "قصص من الخيال".
السبت 2020/02/22
زخرفة الحاضر على سجاد الماضي

في عصف نحو الماضي والحنين إليه، يرحل الفنان التشكيلي السوري محمد العلبي عبر معرضه التشكيلي الجديد “قصص من الخيال” نحو عوالم مليئة بتفاصيل الأمس وغناه، ليرسم من خلال لوحاته أطيافا من الذكريات، وربما المواجع.

 دمشق – “قصص من الخيال”، هو عنوان المعرض الفني الذي يقيمه غاليري “زوايا” بالعاصمة السورية دمشق للفنان التشكيلي السوري محمد العلبي.

معرض يقدّم حالة فنية متفردة على الصعيد العالمي، حيث يقوم صاحبه بالرسم على السجاد وليس على القماشة البيضاء كما هي العادة. وهو الذي يرى بأن ثقافتنا في المنطقة العربية تقوم على التعامل مع السجاد، وليس اللوحة الفنية، والبيوت القديمة في المنطقة كانت تحتفي بالسجاد الذي يحمل لوحات فنية مختلفة.

عن عنوان معرضه “قصص من الخيال”، يقول الفنان محمد العلبي لـ“العرب”، “في حياة كل منا ماض جميل فيه الكثير من التفاصيل والأشياء التي نفتقد وجودها بين الحين والآخر، لذلك نحاول دائما العودة إليها”.

ويضيف “ما قمت به كان غريبا، لكنه جميل ومفيد وخلاّق، كما أراه. أردت أن نعود لما هو موجود في منازلنا من قطع للسجاد التي شوّهها الزمن وبدّدها. حاولت أن أعيد الحياة إليها من جديد، وذلك عبر صياغة لونية تخلق من شبه العدم قيمة فنية متجدّدة”.

ويؤكّد العلبي أنه يحاول في هذه التجربة أن يأخذ الزخارف الجميلة في رحلة عبر التشكيل، مستبدلا القماشة البيضاء المتداولة في رسم اللوحات بمادة أقوى، هي السجاد، قائلا “هي حالة من الحنين للماضي والعمل على استعادة أجزاء من تفاصيل حياتنا السابقة. ما دفعني لهذا العمل بقوة كبيرة، أنني وبسبب الحرب في سوريا خسرت في بيتي المئات من الآثار الشخصية والعائلية التي كانت تغني حياتي اليومية، وبهذه الفكرة استطعت أن أحيي عددا بسيطا منها”.

محمد العلبي يعيد للسجاد بريقه عبر صياغة لونية تخلق من شبه العدم قيمة فنية متجدّدة ومواكبة للعصر
محمد العلبي يعيد للسجاد بريقه عبر صياغة لونية تخلق من شبه العدم قيمة فنية متجدّدة ومواكبة للعصر

وعن فرادة هذا الأسلوب في العمل، وهو الرسم على السجاد، يؤكّد العلبي لـ“العرب”، أنه يتشارك مع فنان فرنسي هذه الحالة، إلاّ أن الفنان الفرنسي يرسم بشكل انطباعي، وهي رسومات دينية في مجملها، لكنه الوحيد في العالم الذي يرسم زخارف على السجاد، وهذا ما يعطيه فضاء أكثر رحابة.

في المعرض تناول لقصص ماضوية، يعرفها معظم الناس كونها مخزونا تراثيا تم تناقله عبر الأجيال عبر قصص الخرافات والجدات أو من خلال كونها جزءا من القص الديني، لذلك ظهرت في المعرض لوحات جسدت قصصا عن بعض الأنبياء مثل محاولة حرق النبي إبراهيم، وكذلك قصة النبي نوح مع الطوفان.

كما جسدت بعض اللوحات العديد من الحالات الإنسانية أو حتى القصص الخرافية. ففي لوحة حملت عنوان “أمونة” يجسّد العلبي حكاية روتها له جدته منذ كان طفلا، فيقول “أمونة هي قصة فتاة جميلة أرادت أن تدخل إلى حمام النساء في السوق، وفعلت ذلك، فدخلت خلسة إليه، ولكنها أساءت التوقيت، إذ صادف أن كان الجن يستحمون في ذلك الوقت، فشاهدتهم، وقد عرفوا بوجودها وانكشف أمرها، لذلك أرادوا التخلص منها، فهربت من أحد مصارف المياه في الحمام.

ويسترسل “لكن خصلة شعر أبيض بقيت عالقة فيه، وكانت النساء يشاهدن هذه الخصلة في الحمام كلما زرنه. أردت أن أجسّد القصة في هذه اللوحة، فرسمت كل تفاصيلها كي أوثق هذه الخرافة للأجيال اللاحقة”.

ولا يقتصر اشتغال الفنان السوري محمد العلبي في رسمه على السجاد فحسب، بل له محاولات أيضا في الحفر والنقش على الخشب، أو ما يصطلح على تسميته بفن الأرابيسك، معتمدا على عناصره الأصيلة، مع إضافات حداثية تجعله معاصرا.

وفن الأرابيسك، هو فن الزخرفة بنماذج من الطبيعة وأشكال هندسية متداخلة ومعقدة، وهو أحد عناصر الفن الإسلامي القديم، ورمز للعمارة الإسلامية، حيث كان يُزيّن جدران وأعمدة المساجد والقصور أيام الإمبراطورية العثمانية، ثم انتشر في بعض الدول الأخرى، لكنه بقي يعبّر عن الهوية العربية الإسلامية الخالصة، وازدهر في سوريا ومصر.

عن المعرض، تقول رولا سليمان، صاحبة ومدير غاليري “زوايا”، “أعجبتني الفكرة منذ أن تم طرحها عليّ، فالرسم على السجاد حالة أكثر من نادرة، البعض حاول إقناعي أنها مغامرة غير محسوبة العواقب، لكنني تابعت العمل عليها ولم أفاجأ بحجم التفاعل معها، لأنني كنت مقتنعة بها وبأهميتها”.

وتضيف “الفنان محمد العلبي متميز في ما يقوم به خاصة في أنه يوجد صيغته في التعبير الشكلي واللوني مهما اختلفت المادة الخام التي يعمل عليها. فمن يشاهد أعماله في الأرابيسك أو على السجاد سيجد أن طريقته في رسم الشكل ودرجة اللون واحدة، فهو يقولب المادة كما يريد ولا تقيّده في شكل محدّد”.

والفنان محمد العلبي تشكيلي سوري، درس الفن في مركز أدهم إسماعيل، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، أقام العديد من المعارض الجماعية داخل سوريا وخارجها، كما قدّم في سوريا العديد من المعارض الفنية الفردية. وله مشاركات في منتديات فنية في سوريا وأوروبا، وهو مُدرّس في كلية الفنون الجميلة بدمشق.

13