أراضي النوبيين لها أصحاب هم أولى بالاستثمار فيها

علق محتجون نوبيون جنوبي مصر، الأربعاء (أمس)، اعتصامهم الذي بدأ قبل 4 أيام، استجابة لمفاوضات مع نواب بالبرلمان لتمكين أهالي المنطقة من تنمية أراضيهم التي خرجوا منها منذ ستينات القرن الماضي، ومنحهم الأولوية المطلقة في استثمار الأراضي المعروضة للبيع.
الخميس 2016/11/24
الأرض تاج رأسك يا ولدي

القاهرة – لم يحدث في تاريخ العلاقة بين الأنظمة الحاكمة المتعاقبة في مصر وأهالي النوبة (جنوب مصر) أن وصل الصدام بينهما، إلى حد قطع الطرق والاعتصام واستدعاء قوات الشرطة لمواجهتهم، كما هو الحال هذه الأيام، على خليفة قرار للحكومة يقضي بأن يكون جزء من أراضي النوبة، بينها توشكى وقرية خورقندي، ضمن مشروع الـ1.5 مليون فدان، المقرر طرحها على المستثمرين للاستزراع.

غضب أهالي النوبة من هذا القرار الذي رأوا أنه يهدد تاريخهم وأراضيهم، مشددين على أن قضيتهم تتعلق برغبتهم في الحفاظ على ما بقي من أراضيهم.

وذكروا بما حدث عند إقامة السد العالي، كيف تم ترحيل عدد كبير من أهالي النوبة إلى خلف السد، في هضبة “كوم امبو”، وكيف تعهد جميع رؤساء مصر السابقين بإعادة المهجرين إلى مناطقهم، وهو ما لم يحدث؛ ليأتي طرح الحكومة الحالية لأراضيهم على المستثمرين، ليشعل فتيل الأزمة من جديد.

في متابعتها لتطورات القضية، أشارت دوائر سياسية إلى أن الأزمة يمكن حلها بقرار حكومي، يتيح لسكان النوبة تملك الأراضي بالمنطقة، بعيدا عن دخول مستثمرين غرباء، إلا أن الحكومة لم تكن تريد أن تظهر أمام الرأي العام بصورة الخاسر، كي لا تعطي الفرصة لباقي سكان المناطق الحدودية، لانتهاج نفس أسلوب الضغط، حتى لا تفلت الأمور من يديها.

لكن، مع وصول التصعيد إلى مستويات غير مسبوقة، واعتصام النوبيين في الأراضي المعروضة للاستثمار، وتعطل حركة السياحة، وحركة التجارة بين مصر والسودان، اضطرت إلى الإعلان عن البدء في وضع تشريع قانوني لتنمية المناطق الحدودية.

واللافت استعانة الرئيس عبدالفتاح السيسي بالمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق، (وهو من أصول نوبية)، للمرة الأولى منذ خروجه من المنصب في عام 2012، لعقد لقاءات مع قيادات النوبة، لتهدئة التوتر واحتواء الموقف ودراسة المطالب.

ما صعّد من وتيرة غضب أهالي النوبة، أن بعض التيارات تحاول تصدير صورة سلبية عنهم للرأي العام، وترويج أنهم يسعون إلى “الانفصال” عن الدولة المصرية، الأمر الذي نفاه النوبيون بشدة. وسارع قادة النوبة إلى إصدار بيان إعلامي موحد من مختلف القبائل، أكدوا فيه أن “تلويح البعض بتدويل القضية النوبية والمتاجرة بها مرفوض، لأنها قضية قومية مصرية بالأساس، ولا تهم أي طرف خارجي”، وشددوا على أن “كل من يحاول اللعب بالتدويل، عليه الخروج من أرض النوبة”.

وقال عبدالصبور حسب الله، عضو لجنة المتابعة النوبية لما يسمى بقضية “حق العودة”، إن ترويج بعض الدوائر السياسية والإعلامية، لفكرة أن النوبيين يطالبون بالانفصال، شائعات هدفها جر الجميع إلى منعطف آخر يقضي على مطالب النوبيين بالحصول على حقوقهم المشروعة بإعادتهم إلى أراضيهم السابقة.

وأضاف لـ”العرب” أن التجاهل الحكومي على مدى سنوات عديدة هو سبب وصول الأزمة إلى طريق مسدودة، لأن عرض الأرض للمزاد يعني ضياع حقوق أصحاب الأرض الأصليين، لافتا إلى أن أهالي النوبة ليس من طبعهم قطع الطرق، لكن تصاعد الغضب جاء ردا على اعتداء الأمن على البعض منهم، ما دفعهم إلى التمسك بكل المطالب.

ولم تفلح مساعي المشير طنطاوي ولجان البرلمان، وعلى رأسها علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، الذين سافروا إلى النوبة، في الوصول إلى حل للأزمة. وأرجع رامي يحيى، منسق ائتلاف “عائدون للنوبة”، سبب ذلك إلى أن المحتجين لا يريدون وعودا حكومية بل قرارات فعلية تضمن تنفيذ ما يطالب به سكان المنطقة النوبية، بعيدا عن المماطلة ومحاولة البعض أخذ القضية لمسار الانفصال.

وأشار رامي يحيى لـ”العرب” إلى أن سكان النوبة “لا يطلبون المستحيل، فهم خرجوا من مناطقهم الأصلية وموطنهم قبل سنوات تحقيقا للمصلحة العامة، ويريدون العودة مرة أخرى، فهل يُعقل أن أكون ابن الأرض ويأتي مستثمر أو مواطن من خارج المنطقة ليستثمر فيها.. ونحن أولى بذلك؟”.

ورأى البعض من المراقبين أن ما ساعد على تصعيد موقف النوبيين ضد الحكومة هذه المرة، أن المقيمين في الخارج من أصول نوبية، والعديد من الأحزاب والسياسيين، أعلنوا تضامنهم معهم، ما منحهم الشعور بأن قضيتهم رابحة، والفرصة أصبحت سانحة لتحقيق المزيد من المكاسب.

وذهب هؤلاء إلى أن التصعيد النوبي وعدم التجاوب الحكومي والبرلماني معه بجدية، قد يفتحان الباب أمام موجة جديدة من التصعيد لسكان المناطق الحدودية الآخرين.

وشدد محمد الغول، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، على أن بعض الأطراف تحاول استغلال أزمة النوبة، مشيرا إلى أن “تصاعد الأزمة يرجع بالأساس إلى عدم ثقة النوبيين في الحكومة”. وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة والبرلمان سيحلان الأزمة بالتجاوب مع مطالب المحتجين لقطع الطريق على مثيري الفتن.

7