حزمة الإصلاحات الاقتصادية تعمق الفجوة بين الرئيس المصري وحلفائه السياسيين

الأحد 2016/11/06
وضع يثير القلق

القاهرة - يبدو أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في طريقه لفقدان المزيد من الحلفاء السياسيين بالداخل عقب القرارات الاقتصادية الأخيرة، والتي قوبلت بتحفظات واسعة من تيارات سياسية واجتماعية مختلفة.

وتبلور هذا الرفض في مواقف معلنة لعدد من الأحزاب، علاوة على موجة غضب انتابت قطاعا كبيرا من المواطنين، لكنها لم تتحول إلى فعل سياسي حـقيقي في الشـارع.

وكان السيسي شيد شعبيته، التي جعلته يحسم فوزه بمقعد الرئاسة قبل عامين بنسبة تخطت 97 بالمئة، على التيار الناصري الذي دعّمه في مواجهة الجماعات الإسلامية، وعدد من أحزاب اليسار والأحزاب الليبرالية، إلى جانب الطبقات المتوسطة والفقيرة والتي كانت ترى فيه مخلّصا من أزماتها الاجتماعية الصعبة.

واتخذ البنك المركزي المصري الخميس قرارا بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، وبعدها بساعات اتخذت الحكومة قرارا برفع دعم الوقود جزئيا، لكن تلك القرارات سبقتها موجة غير مسبوقة في ارتفاع أسعار السلع دون أن تكون هناك إجراءات واضحة من الحكومة لضبطها.

وأصدر العديد من الأحزاب والقوى السياسية بيانات مناوئة لقرارات حكومة شريف إسماعيل منها التحالف الشعبي، والكرامة، والعربي الديمقراطي الناصري، بالإضافة إلى عدد كبير من نواب البرلمان المحسوبين على الحكومة، الذين رفضوا إقرار تلك الاجراءات دون عرضها عليهم، فيما اتخذ نواب آخرون موقفا أكثر تشددا بعد أن اشترطوا التراجع عن القرارات الأخيرة وإقالة الحكومة أولاً قبل مناقشة سبل الخروج من الأزمة الراهنة.

فيما عقد حزب التجمع (اليساري)، والذي يعد أحد المؤيدين للرئيس المصري، اجتماعا عاجلا لمناقشة القرارات الأخيرة، لأنها في نظره ضد الثوابت الاشتراكية التي يقوم عليها الحزب.

وقال مدحت الزاهد القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الاشتراكي (المعارض) لـ“العرب” “إن القرارات الاقتصادية الأخيرة يمكن أن تؤدي إلى انفجار مجتمعي وقد تمهّد لثورة جديدة، كما أن سيناريو انتفاضة الخبز الذي واجهه الرئيس المصري الراحل أنور السادات في سبعينات القرن الماضي قد يتكرر هذه الأيام”.

وأضاف أن “القرارات تم اتخاذها في توقيت سياسي خاطئ، وأغلقت جميع السبل أمام إعادة وحدة الصف السياسي في مواجهة الأزمات التي تواجهها الدولة”، لافتا إلى أن هناك مشاورات بين العديد من القوى السياسية لعقد اجتماع عاجل لاتخاذ موقف موحد خلال الفترة المقبلة.

تفاقم الأوضاع السياسية من عدمه يتوقف على نجاح القرارات الاقتصادية في تحقيق المرجو منها، وقد يكون الغضب المسجل اليوم مؤقتاً ويزول إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية شيئاً فشيئا

واعتبر الزاهد أن فشل تلك القرارات في انتشال الوضع الاقتصادي من أزمته الراهنة يصب في صالح الاتفاق على مرشح قويّ لخوض الانتخابات الرئاسية في العام 2018 ليكون بديلاً للرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو ما يتم التجهيز له خلال الفترة الحالية.

وأكد مراقبون أن الإجراءات الأخيرة تساهم بشدة في القضاء على ما تبقى من تحالف 30 يونيو، إذ أن تحالف “دعم مصر” والذي يعد ظهيراً سياسياً للحكومة داخل البرلمان يعاني التفكك والانقسام اللذين زادت حدتهما بعد الإجراءات الأخيرة.

ومع أن الرفض السياسي لعدد من الأحزاب والقوى السياسية يعد تطوراً ملحوظاً في علاقتها بالرئيس المصري، إلا أنها لا تمثل قلقاً بالغاً بالنسبة إلى النظام والذي يدرك جيداً أن تلك الأحزاب ليست لها قواعد شعبية تستطيع من خلالها حشد المواطنين لاتخاذ مواقف سياسية معارضة.

وما يشغل النظام المصري تحديداً هو الرفض الشعبي من قبل الطبقة المتوسّطة لتلك القرارات والتي ستؤثر بصورة مباشرة عليها، كما أن الحكومة تدرك جيداً أن تلك الطبقة تتخذ ردود فعل سياسية عنيفة حينما تتم محاصرتها اقتصادياً، فهي ترفض الاستسلام للأمر الواقع، لكنها في العديد من المرات السابقة قادت عملاً ثورياً بالتعاون مع الطبقات الدنيا.

وقال سياسيون إن النظام المصري لم يراع النتائج السياسية والاجتماعية عندما أقدم على اتخاذ الإجراءات الاقتصادية، وحجم القطاعات التي ستتأثر بها، كما أنه لم يشرك الشعب حينما أقبل عليها لدرجة أنه تم اتخاذها بعيداً عن أعين البرلمان، وبالتالي فإن تلك القرارات سوف تؤثر حتماً على علاقات النظام بقطاعات سياسية واجتماعية واسعة.

ويذهب البعض للتأكيد على أن الأوضاع الحالية تخلف بيئة مواتية لأمرين، الأول يتعلق باستغلال مناهضي النظام وتحديداً جماعة الإخوان وحلفائها لحالة الغضب الشعبي الحالي لتحقيق مكاسب سياسية، والثاني هو مزيد من اهتزاز الثقة بين مؤيدي النظام للسلطة المصرية الحالية والتشكيك في جميع الإجراءات التي يتم اتخاذها، ما يؤدي لعدم تحقيق الهدف من تلك الإجراءات، وفي تلك الحالة فإن النتائج ستكون وخيمة على الجميع.

ويرى محمد كمال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تفاقم الأوضاع السياسية من عدمه يتوقف على نجاح القرارات الاقتصادية في تحقيق المرجوّ منها، وقد يكون هذا الغضب مؤقتاً ويزول إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية شيئاً فشيئاً.

وأضاف محمد كمال في تصريحات لـ”العرب”، إن القرارات المرتبطة بزيادة الأسعار دائماً ما يصاحبها رفض مجتمعي واسع، لكن العبرة في النهاية بالنتائج، كما أن حالة الأمل في تحقيق النظام المصري رواجاً اقتصادياً على إثر السياسات الإصلاحية مازالت موجودة لدى الكثيرين وهو ما يصب في صالح استقرار السلطة الحالية.

2