أفليس بالخبز وحده يحيا الإنسان؟

الأحد 2016/07/24
رغيف الخبز ذلك الشيء المقدس.. والفني أيضاً

يسعى منظمو المعرض الذي تستضيفه حالياً في القاهرة مؤسسة درب للفنون المعاصرة تحت عنوان “خبز 2” إلى تلمّس المعاني المختلفة التي يثيرها الخبز في حياة الناس، فمن خلال أكثر من خمسة عشر عملاً فنياً يحاول المشاركون الكشف عن التأثيرات النفسية والثقافية التي يعكسها الخبز في حياة الناس.

المعرض هو الثاني الذي ينظم تحت نفس الثيمة، فقد نظم المعرض الأول في عام 2010 وجاء بعد وقت قصير من أزمة الخبز التي شهدتها مصر وقتها، وركّز فيه المشاركون على الأبعاد الاقتصادية والسياسية المتمثلة في الخبز.

غير أن المعرض في نسخته الثانية قد وسّع من دائرة البحث هذه المرة لتشمل أغلب المثيرات الحسية والمعنوية التي يثيرها الخبز في حياتنا. الخبز كمثير للحنين والذكريات الدافئة، أو كباعث على إعادة التفكير في المكون الثقافي والمعرفي للشعوب، أو حاضن للقيم.

ماذا يعني لك الخبز؟ طُرح هذا السؤال ضمن تساؤلات عدة تضمنها البيان الخاص بالدعوة للمشاركة في هذا المعرض، وكان على المشاركين البحث عن تلك الإجابة المناسبة واضعين في الاعتبار أن الخبز رمز حيوي يحمل الكثير من المعاني، فهو يمثل الترابط، والأماني الطيبة، والتضحية. وحين يصبح الخبز نادراً، يصبح واحدا من أهم الشعارات والمطلب الأول للثورات.

في عملها التصويري تشير الفنانة أروى عزمي إلى تلك المكانة التي تقترب من القداسة التي يحتلها رغيف الخبز في ثقافتنا الشرقية، فالخبز هو نعمة من الخالق، وغالباً ما نتعامل معه بنوع من التبجيل ونبعده عن التدنيس، وهي في عملها المكون من ثلاث مساحات تقارب بين رغيف الخبز وبذرة الحياة

وهو على الرغم من أهميته القصوى يحتل مكاناً هامشياً من اهتماماتنا، رغم ارتباطه بالروتين اليومي لمئات الملايين من البشر على وجه الأرض.

كما أن الخبز يرتبط ارتباطاً بالتطور الحضاري للبشر، فقد صنعه الناس منذ فجر التاريخ، فبخليط بسيط من الدقيق والماء ينتج واحد من أقدم وأهم الأغذية التي عرفتها البشرية.

وللخبز وجود قويّ في جميع الحضارات، يأكله الجميع سواء قُدّم على طبق من فضة أو ملفوف في أوراق الصحف القديمة. الخبز يسد حاجة الناس إلى الطعام، وإذا كان الغذاء لغة عالمية، فالخبز هو أسهل كلماتها.

يلفت الملصق الخاص بالمعرض انتباهنا إلى اختلاف المفهوم الخاص بالخبز طبقاً للاختلافات الطبقية والثقافية والمعرفية للأفراد، فالملصق يمثّل صورة مطبوعة للوحة مرسومة للملكة الفرنسية “ماري أنطوانيت” رسمتها الفنانة الفرنسية إليزابيث لويز المعروفة برسومها للطبقة الأرستقراطية خلال القرن السابع عشر، بتغيير بسيط تم إجراؤه على اللوحة عن طريق برامج الجرافيك وضع رغيف خبز خلف رأس الملكة، كرابط يذكّر بالمقولة المنسوبة إلى ماري أنطوانيت حين اندلعت الشرارة الأولى للثورة الفرنسية “إذا لم يجدوا خبزاً فليأكلو الكعك إذن” ورغم ضعف الأدلة التاريخية على صحة هذه العبارة ونسبها للملكة الفرنسية، إلا أنها ظلت تمثل في الثقافة الشائعة مرادفاً للتسلط والحمق وعدم الفهم للدوافع الحقيقية التي ينطوي عليها معنى الخبز.

في عملها التصويري تشير الفنانة أروى عزمي إلى تلك المكانة التي تقترب من القداسة التي يحتلها رغيف الخبز في ثقافتنا الشرقية، فالخبز هو نعمة من الخالق، وغالباً ما نتعامل معه بنوع من التبجيل ونبعده عن التدنيس، وهي في عملها المكوّن من ثلاث مساحات تقارب بين رغيف الخبز وبذرة الحياة، ففي بؤرة التكوين داخل المساحات الثلاث عنصر وحيد يتشكل وسط فراغ أشبه بالرحم. هي تستمد من المفردة تلك الصلة التي تربطها في الوعي الجمعي بفكرة الخلق والتكوين والنماء.

بوستر المعرض المستمر حتى نهاية أغسطس

أما الفنان محمد إسماعيل فقد التفت إلى تلك العلاقة الوطيدة بين الخبز وقيمة العمل، فالخبز في العامية المصرية هو “العيش” أو لقمة العيش، وهي عبارة تشير في معناها إلى العمل والجهد المبذول من أجل الحصول على الرزق.

في العمل المعروض للفنان محمد إسماعيل -وهو تجهيز في الفراغ- رصّت مجموعة من الأدوات التي يستخدمها المزارعون وعمال الإنشاء على مساحة رمادية كبيرة على نحو يوحي بالتقدير والتبجيل، عكس النظرة الشائعة لأصحاب هذه المهن والتي تحط من قدرهم، فالأداة هنا تشير إلى صاحبها، هذا المسئول الأول عن إنتاج المكونات الرئيسية لطعامنا أو خبزنا.

أمام الفنانة هناء الديغم وهي تعرض لوحة كبيرة تمزج فيها بين الفوتوغرافيا والرسم والتلوين فقد اختارت أن تُضمّن عملها بعداً سياسياً من خلال تتبعها لمسار الأحداث في مصر خلال الأعوام الخمسة التي تلت الثورة المصرية، فهي ترى أن ثمة علاقة تربط هذه الأحداث جميعاً برغيف الخبز، فأبرز مطالب الثورة هو تحسين الحياة الاجتماعية، وكان الخبز هو أحد المفردات الرئيسية للشعارات التي رفعها المحتجون، لذا فقد اتخذت الفنانة من رغيف الخبز في هيئته الفوتوغرافية عنصراً أساسياً للربط بين عناصر العمل المرسومة.

فبين أعمال التصوير والتجهيز والفوتوغرافيا التي يضمها معرض “خبز 2″ طالعتنا الفنانة آية صبري بعمل مغاير عن جملة الأعمال المعروضة، فقد اكتفت الفنانة بكتابة نص على أحد حوائط القاعة تعرض فيه تجربتها في اكتشاف الخبز كقيمة ثقافية مرتبطة بالنشأة، فهي ترى أن تلك المفردة التي قد نتعامل معها بهامشية رغم أهميتها تتواصل مع خيوط التاريخ والثقافة والخبرة المعرفية للأفراد والشعوب. فالخبز ليس مجرد طعام نتناوله على المائدة كما تقول، بل هو حالة معرفية وثقافية أكثر تعقيداً مما نظن.

كاتبة من مصر

14