نقابات المغرب تتهم الحكومة باستغلال ملف التقاعد للبقاء في الحكم

دخلت مساعي الحكومة المغربية نحو إصلاح نظام التقاعد منعطفا جديدا بعد أن أنهت لجنة المالية في البرلمان مناقشة مشاريع القوانين في انتظار ما ستقدمه من تعديلات يرتقب أن توضع على طاولة اللجنة الأسبوع المقبل، حيث هددت النقابات بالدخول في إضراب للتضييق على الحكومة، وذلك في أكثر الملفات الاجتماعية إثارة للجدل.
الجمعة 2016/06/24
أزمة على صفيح ساخن

تأخذ علاقة التوتر بين النقابات العمالية المغربية وحكومة عبدالإله بن كيران منحى تصاعديا متجددا بلغ أوجه مع العزم على تمرير مشروع قانون إصلاح التقاعد للمصادقة عليه من البرلمان، مبررة ذلك بحرصها على وقف النزيف الذي يتهدد صناديق التقاعد في البلاد.

وفي حين ترفض النقابات الخطوة، التي تعتبرها أحادية الجانب وأن منهجية الحكومة تهدد السلم الاجتماعي برمته، يقول المتابعون إن الأجندة السياسية والخلاف الحاصل بين الطرفين يجريان في سياق محكوم بزمن انتخابي.

وقال علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، في تصريح لـ”العرب” “نحن لازلنا مستمرين في نضالنا واحتجاجاتنا ما دامت الحكومة مصرة على القضاء على مكتسبات المغاربة”.

وأكد أنه من خلال تمرير قوانين تراجعية تضرب الاستقرار في العمل وبالوظيفة العمومية وتعمق أزمة نظام المعاشات المدنية وتكرس التمييز ضد عاملات البيوت والنساء، بالإضافة إلى رفض تطبيق مخرجات الاتفاقات المبرمة، ستدخل البلاد في أزمة حقيقية لا محالة.

وأشار المسؤول النقابي في الوقت ذاته إلى أن رئيس الحكومة بن كيران يحاول استغلال ملف نظام التقاعد انتخابيا وهذا لا يمكن القبول به.

ويتهم البعض الوزراء والبرلمانيين باستنزاف موارد الدولة، وتساءلوا؛ هل يعقل أن مدير المؤسسة المسؤولة عن التقاعد يتقاضى راتبا يصل إلى 24 ألف دولار، في حين أن تسييره فاشل والمؤسسة على حافة الإفلاس.

ولا يزال مسلسل الاحتجاجات ضد سياسة الحكومة الإسلامية مستمرا، حيث أعلنت النقابات المركزية في المغرب عن تنظيم وقفة احتجاجية غدا السبت أمام البرلمان، وذلك بمبادرة من الاتحادات الجهوية والمحلية في العاصمة الرباط.

ويأتي هذا القرار تنفيذا لـ”البرنامج النضالي” الذي سطرته النقابات المركزية الأكثر تمثيلية في البلاد والمتمثلة في الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين في المغرب والفدرالية الديمقراطية للشغل والنقابة الوطنية للتعليم العالي.

وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق استعدادها لقبول أي تعديلات تراها “معقولة”، يقدمها البرلمانيون في مجلس المستشارين، بعد أن أظهرت النقابات المقاطعة تمسكا بموقفها من هذه المشاريع “العقيمة”.

وتصف النقابات المشاريع الجديدة لإصلاح التقاعد بـ”الثالوث الملعون”، وهي الرفع من سن الإحالة على التقاعد والرفع من نسبة مساهمة الأجراء وتقليص المعاشات، مستنكرة تحميل الأجير ضريبة الإصلاح الحكومي لصناديق التقاعد التي يتهددها الإفلاس.

وأوضحت النقابات المركزية في بلاغ لها، الخميس، أن إضراب السبت يندرج ضمن ما وصفته بتعنت الحكومة وتجاهلها للمطالب المشروعة للطبقة العاملة المغربية واستفرادها باتخاذ القرارات، بالإضافة إلى “تدهور القدرة الشرائية للأجراء والمواطنين جراء الارتفاع المهول للأسعار وجمود الأجور”.وانتقدت النقابات في البلاغ ذاته تردي الخدمات الاجتماعية، من تعليم أساسي وثانوي وعالٍ وصحة وسكن ونقل وتفشي ظاهرة البطالة وغياب الحماية الاجتماعية لجل المواطنين والأجراء بالقطاع الخاص وضعفها بالنسبة لأجراء القطاع العام.

ودعا النقابيون الطبقة العاملة في المنطقة، وعموم المواطنين والمواطنات ومختلف مكونات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية وهيئات المعطلين عن العمل إلى الانخراط المكثف في هذا الإضراب دفاعا عن المكتسبات ولتحقيق المطالب.

ويؤكد مراقبون أن رئيس الحكومة يسعى إلى الإسراع في تمرير إصلاح التقاعد، قبل نهاية ولايته، بالرغم من أن هذا التصور الإصلاحي الذي يسعى إلى تنفيذه لن يحل مشكلة التقاعد، التي أصبحت تتطلب إصلاحات هيكلية وشاملة تهم كل مكونات منظومة التقاعد.

وقالوا إن في ذلك دوافع سياسية وراء إصراره، حيث يريد أن يوظف هذا الإصلاح من أجل تأكيد شعبية حكومته وحزبه، من خلال الترويج لفكرة أن الحكومة تمكنت من فتح ملفات لم تجرؤ أي حكومة أخرى على فتحها مثل صندوق المقاصة وإلغاء الدعم وملف التقاعد.

واعتبر لطفي أن إصلاح التقاعد المقترح من قبل الحكومة، لن يمكّن من حل المعضلة التي يعيشها الصندوق.

كما حمل الحكومة المسؤولية عن عدم تحقيق أي تقدم في إصلاح هذا الملف، سواء من خلال الحوار الاجتماعي أو من خلال معالجة الملف.

وفي آخر جلسة عقدها البرلمان لمساءلة رئيس الحكومة قبل أسابيع بشأن مآل الحوار مع النقابات، قال بن كيران حينها أمام أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان إن “حكومته حريصة على انتظام الحوار وظلت منفتحة على دراسة المطالب الواقعية للنقابات بما يراعي التوازن المالي للدولة وتنافسية الشركات والاقتصاد الوطني”.

وأضاف أن “تحقيق السلم الاجتماعي يتأتى من خلال إدماج الفئات المقصية ضمن الدورة الإنتاجية والتنموية، وجعلها في صلب الاستفادة من ثروة البلاد وخيراتها”.

وتتهم الحكومة بعض المركزيات النقابية بإفشال الحوار الاجتماعي عمدا، حتى لا يحسب لصالحها، على مشارف الانتخابات، كما تتهم أيضا بعض مكوناتها بأنها

“مدفوعة من طرف بعض الجهات بغرض التحكم”.

يذكر أن تصعيد النقابات المركزية ضد الحكومة يأتي قبل أشهر قليلة تفصل عن الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في السابع من أكتوبر المقبل، والتي يراهن الحزب الحاكم على تصدر نتائجها.

4