عادل إمام مأمون البخيل يحاكم المجتمع المصري

الأحد 2016/06/19
خمسة مواسم رمضانية يحضر فيها زعيم المشاغبين

بروكسل - يُعتبر الفنان المصري عادل إمام أكثر الفنانين العرب شهرة. حيث يتلقّف المتابعون أعمالَهُ السينمائية والمسرحية ومؤخراً الدرامية باهتمام منقطِع النظير، ويتداولها النقاد مُقلّبين الرأي فيها مُطلِقين الألقاب العديدة على إمام الذي بات يعرف بالزعيم عقب مسرحيتِه الشهيرة التي حملت ذات الاسم.

مهما تعددت الألقاب بين الزعيم ونجم النجوم وصانع البهجة، تبقى لعادل إمام مكانَته الفنية التي لا ينازعه فيها أحد، فالرجل المولود في السابع عشر من مايو لعام 1940 في قرية شها التابعة لمركز مدينة المنصورة ضمن إقليم الدقهلية، تخرّج من كلية الهندسة الزراعية في جامعة القاهرة بتخصص علم الإنتاج النباتي، ليبدأ مع خطوات تحصيله العلمي العمل في المسرح في بداية ستينات القرن الماضي، ظهر إمام بداية بأدوار صغيرة ما لبثَ أن أثبت موهبته من خلالها ليتبوّأ الصدارة مع منتصف سبعينات القرن العشرين بأفلام سينمائية وأعمال مسرحية خالدة تحظى حتى اليوم بحضور ومتابعة واسعين.

درامياً شارك عادل إمام في بداياته ببعض الأعمال الدرامية ربما كان أشهرها “دموع في عيون وقحة” الذي لعِب فيه إمام دور الجاسوس المصري “جمعة الشوان” ليتوقف بعد ذلك عن المشاركة في مسلسلات درامية حتى نهاية عام 2010 حيث تم الإعلان عن عودة الزعيم إلى الكادر الدرامي بعد غياب قارب الثلاثة عقود، تلك العودة كانت في قالب جديد قادَه ابنه البكر رامي إمام الذي وقف مخرجاً خلف الكاميرا ليقدِّم أباه للجمهور.

فرقة ناجي عطا الله

النص الذي كتبه يوسف معاطي عالج حالة خاصة جداً بطلُها موظَّفٌ إداري في السفارة المصرية بتل أبيب، ناجي عطا الله الذي كان ضابطاً في سلاح الطيران المصري. ثم أحيل إلى التقاعد ليكون في السلك الدبلوماسي الخارجي تقوده الأقدار إلى تل أبيب ليبني شبكة من العلاقات المتداخلة والتي تحتكم إلى العديد من الظروف مع المجتمع الإسرائيلي مختلف المنابت والمشارب والأصول.

نشاطُهُ الاجتماعي يثير ريبة جهاز الموساد الذي يقوم بتجميد أرصدة حساباتِه المالية في بنك “ليومي” ويطلُب من ناجي عطا الله مغادرة البلاد تحت ذريعة أنه شخص غير مرغوب فيه هناك عقب تصريحات أدلى بها الرجل بصفته الدبلوماسية لقناة فضائية مصرية خلال الاحتفالات بذكرة ثورة يوليو.

يقرر عادل إمام سرقة البنك الذي يحتوي على رصيده المالي، وذلك بعد عودته إلى القاهرة حيث يبدأ بجمع نخبة من عناصره القدامى خلال سنوات خدمته العسكرية.

يعتمد البطل في اختياراتِه على خطة مدروسة مبنية على العديد من الأعمدة تتوزّع بين وجود الرياضي والقادر على التعامل مع التكنولوجيا وصانع المتفجرات والقادر على تحدث اللغات المتنوعة.

وبعد إخضاع المجموعة إلى سلسلة من التدريبات المكثفة تنطلق الفرقة عبر العريش المصرية إلى رفح المصرية ومنها عبر الأنفاق إلى رفح الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر، بسهولة ويُسر تقتحم فرقة ناجي عطا الله البنك الإسرائيلي وتسطو على كل ما في الخزينة من أموال وسبائك ذهبية وتلوذ بالفرار.

البحث عن صورة الفنان عادل إمام في الدراما الرمضانية يربك المشاهد
إلا أن الخطة المرسومة لطريق العودة لا تكتمل فتدفع الأقدار بالفرقة إلى لبنان حيث تقع في قبضة عناصر ميليشيا حزب الله وبتنسيق أمني رفيع يخرجون إلى سوريا ومنها إلى العراق وعبر مطار أربيل يتجه الجميع نحو القاهرة لتتعرض الطائرة للاختطاف من قبل مقاتلين صوماليين، وبالتالي تحط بهم الرحال في الصحراء الصومالية بالقرب من مقديشو، وبعد سلسلة من الأحداث الفانتازية تتخلى الفرقة عن الأموال المسلوبة لصالح المجاعة في تلك البلاد.
رغم تعرض المسلسل الدرامي لأزمة إنتاجية إلا أن الشركاء استطاعوا تجاوزها بالكامل رغم ضخامة فريق الممثلين. حيث طرحتُ السؤال على المنتِجَ صفوت غطاس عن عدد الفنانين المشتركين بذلك العمل فقال إنّ العدد يفوق 200 ممثل، وهذا ربما كان أحد الأسباب التي أدَّت لظهور العمل متأخراً عاماً كاملاً إلى جانب الأوضاع السياسية التي واكبت ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 وما تلاها.

مغامرات العراف

دخول عادل إمام إلى السباق الرمضاني في ذلك العام ونجاحه فيه، دفعه إلى تكرار التجربة في العام التالي مع فكرة جديدة تقوم على شخص لقيط، تدور أحداث المسلسل دون أن يعرف المشاهد اسماً له، بحيث يظهر في الاسكندرية باسم وفي الصعيد باسم وفي المنصورة باسم ثالث وفي القاهرة باسم جديد.

هو رجل يلاعب البيضة والحجر كما يقال في المثل الشعبي، يتقِنُ كل الصنعات ويتحدث عدة لغات، يمارس النصب بأشكال احترافية، يحاول أن يعيد جمع شمل أبنائه الذين يحملون أسماءً مختلفة تبعاً لأسمائه الوهمية أصلاً، أربعة أبناء وابنة واحدة. لهم اتجاهات مختلفة في الحياة بين الضابط والتاجر ورجل الدين ورجل الأعمال، ينجح تارةً في ذلك ويفشل أطواراً تحت إلحاح دافع النصب والسرقة لديه، كل هذه الأحداث تدور على مسافة واحدة من مطاردة ضابط متقاعد للرجل ذي الأسماء المتعددة حيث يُوقِع به أخيراً وهو يحضر عرس ابنته الوحيدة في المنصورة. فيقوده إلى السجن حيث يُحكَم عليه بسنوات ثلاث.

وخلال محكوميته الأولى يلتقي بسجين سياسي يطلعه على مكمن أسراره، حيث أخفى أوراقاً تدين رموزاً في الدولة، الدولة التي تنهار بعد أشهر قليلة نتيجة قيام الثورة وفتح أبواب السجون ليخرج عادل إمام من جديد إلى الحرية بسلاح واحد ينقذه من كل التهم الجاهزة، فيبدأ ظهوره الإعلامي والسياسي وصولاً للترشح لرئاسة الدولة في فانتازيا تشبه إلى حد بعيد ما حدث من تخبط سياسي في مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير.

لمصائر في أعمال عادل إمام التلفزيونية الرمضانية تتنوع وتتعدد

لتنتهي الحبكة الدرامية بموت البطل وعودته إلى الحياة تحت اسم جديد، وفي هذا دليل على عدم موت الفكرة، حيث يسرق البنك المركزي المصري ويستمر بممارسة حياتِه الطبيعية.

نجح عادل إمام في هذا العمل بكاريزما الظهور الخاصة به، بجعل الجمهور يتعاطف مع حالة النصاب التي أوجدتها ظروف خارجة عن إرادته تتعلق بالعقد الاجتماعي ككل، وتؤطرها العلاقة بين الفرد والدولة بصورة متعاكسة طبعاً.

صاحب السعادة الأكاديمي

في العامين اللاحقين قدَّم عادل إمام عمَلين دراميين أيضاً حملا توقيع وحيد حامد للسيناريو ورامي إمام للإخراج. في الأول “صاحب السعادة” لعب دور رب الأسرة الحنون القريب من بناته سارداً سيرة درامية لعائلة تتنوع لعبة المصائر فيها لتنتقل من الحياة في الرغد إلى الحياة في الحيّ الشعبي، حيث اقترب إمام من محاكمة الواقع الاجتماعي في مصر ضمن قالب كوميدي قدّم فيه التناقضات المقبولة في الشارع.

أما في الثاني فقد جلس الزعيم على كرسي أستاذ الجامعة في كلية الهندسة الزراعية، “أستاذ ورئيس قسم” أكاديمي ذو ميول يسارية يؤمن بالثورة سبيلاً للتغيير. في هذا العمل أبحر إمام في الفترة الواقعة بين الخامس والعشرين من يناير 2011 والثالث من يوليو لعام 2013، متناولاً أخونة الدولة المصرية منحازاً إلى التغيير بكل الوسائل الممكنة، يساريَّتهُ في ذلك الدور لا تُشبِه اليسار الذي عرفناه أو قرأنا عنه، كانت صورة ملتبسة أيضاً عن العمل السياسي في مصر بالمطلق، شاب ذلك العمل أيضاً العديد من الإشكاليات أهمّها تعدد المحاور التي سار بها و ضياع الناظم الدرامي بين الأطراف المتعددة و اشتغال الصدفة التي تمثِّل المَخرَجَ العظيم في حال عدم توفر مخارج أخرى باعتبارها الحل السحري للأزمة السردية.

مأمون وشركاه

في هذا العام يطل عادل إمام في مسلسل درامي جديد، يلعب فيه دور مأمون باشا، الرجل البخيل على أهل بيته المؤلّف من زوجة والعديد من الأبناء الذين تطوفُ بهم بلدان الشتات بعد أن انقطع بينهم وبين والدهم التواصل بسبب بخله.

نجم الكوميديا عارف بخبايا اللعبة الفنية وقادر على تمرير الرسائل السياسية والاجتماعية

تتكشف الحلقات الأولى من العمل الدرامي عن ثروةٍ مختبئة يملكها مأمون ويضِنُّ بها عن الأقربين، بالطبع هناك شبكة من العلاقات الاجتماعية المتداخلة كما حال أعمال عادل إمام السابقة، لكن هذه المرة يتم تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه السفارة الأميركية في القاهرة بصورة تدخُّلِها في أدق التفاصيل الحياتية التي لا يتم الانتباه إليها، ورَدَ هذا في صورةِ النزاع على البيت الأثري الذي تسكنه عائلة مأمون، وما تزال الأحداث في بدايتها لكنها لا تشي بغير المألوف سوى بإطلالة عادل إمام المميَّزة.

لا شك أن عادل إمام أدرك متأخراً ضرورة تواجده في السباق الرمضاني الذي دخله منذ أعوام طويلة وغادره إلى السينما. فالصورة التي كرّسها الزعيم خلال السنوات الماضية في أعماله الدرامية أثبتت أنه قادر على الرغم من التقدم في السن على المنافسة والتربع على عرش النجومية في أيّ دور يلعبه، ويُلاحظُ هنا أنَّ الرابط بين الأعمال الخمسة الأخيرة التي أُنتِجَت ببطولة الفنان عادل إمام، تجمعها مقاربتها للحياة وتعقيداتها، على خلاف ما يتم تقديمه اليوم من وجبات سريعة جاهزة تعتمد على الإثارة واصطناع الدهشة سواء من خلال ترويج الحشيش أو المخدرات أو تعويم الحالات نادرة الحدوث باعتبارها حالات طبيعية وواقعاً معيشاً، ويؤخَذ أيضاً على الزعيم في إطلالاته اعتماده على فريق مؤلف من ركائز معينة لا يقوم بتغييرها أبداً، ولهذا سلبيات كما له إيجابيات عديدة.

البحث عن صورة الفنان عادل إمام في الدراما الرمضانية مُربك، لما يمثِّله الرجل في ذهنية المتلقي العربي الذي ساهمَ الفنان إلى حدٍّ كبير بصناعة العديد من أفكاره عبر نجوميته المتفردة، فالزعيم عارف بخبايا اللعبة الفنية وقادر على تمرير الرسائل السياسية والاجتماعية التي يريد بحنكة عالية المستوى والتقنية، حدَث ذلك بصورة واضحة في “فرقة ناجي عطا الله” و “أستاذ ورئيس قسم”، وأمام التنوع الذي قدّمه إمام بعد خمس سنوات في الأعمال الدرامية التي كانت ضيفاً دائماً على قائمة المتابعة العربية، تجتاح الوسط الفني أخبار تؤكد نية الزعيم التوقف عن تأدية أدوار درامية في الأعوام المقبلة، وهنا يبرز تساؤلان في حال كان هذا الطرح ثابتاً: هل اكتفى الزعيم بما قدّم من نماذج درامية كانت كافية ومحيطة لما يحمله العمل الفني من رسائل، أم أنَّ توقُّفَهُ ناجمٌ عن خوفِه من الوقوع في تكرار الأدوار؟

9