تشريع قانوني للعدالة الانتقالية.. مصالحة محفوفة بالمخاطر مع الإخوان

القاهرة - مع كل مرة طرحت فيها فكرة المصالحة بين النظام والإخوان المسلمين في مصر، كان الطرح يأتي عبر مبادرات وقنوات فردية من سياسيين، مدنيين وإسلاميين. وكانت المبادرات التي تطرح، همسا أو صراحة، تواجه بصمت رسمي من قبل النظام الحاكم. أما هذه المرة فإن الطرح جاء صريحا ومن خلال قناة رسمية، ما ينبئ بأن الفكرة ذاتها لم تعد مستبعدة من جانب النظام المصري، ولم يتبق سوى بلورتها في شكلها النهائي.
مردّ هذا التوقّع التصريحات التي أدلى بها المستشار مجدي العجاتي، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، حين قال إنه “لا مانع من التصالح مع أفراد جماعة الإخوان المسلمين ممن لم تتلوث أياديهم بالدماء”، مردفا “لماذا لا نتصالح معهم ويدخلون ضمن نسيج الشعب المصري؟”.
لكنه، قال أيضا “ليس من السهل التصالح، لكن الدولة ستستعين بتجارب من دول أخرى”. وأضاف العجاتي، في تصريحات نشرتها على لسانه صحيفة “اليوم السابع″ المصرية، أن الدستور يلزم بالمصالحة، ونصوصه تحث على إنهاء تلك المسألة الخلافية، وأن نعود نسيجا واحدا، ليس هناك إخوان وغير إخوان، ومرسي وغير مرسي.
وأوضح أن قانون العدالة الانتقالية الذي يجري إعداده في الحكومة وتقديمه إلى البرلمان سوف يتيح المصالحة، لكنه سيأخذ وقتا طويلا لإعداده لأنه ليس سهلا. وكشف الوزير المصري أن القانون “لا بد أن يحدد ماذا حدث، ومن المسؤول، ومن أضير وكيفية تعويض الضرر، وأطر المصالحة الوطنية، فالموضوع شائك ويحتاج مجهودا”.
تتجدد فكرة المصالحة من حين إلى آخر مع كل موقف إيجابي من النظام تجاه الإخوان، سواء بالإفراج عن مسؤولين بارزين في الجماعة من السجون، أو تبرئة شبابهم من بعض التهم، وإعادة محاكمة آخرين كانوا يواجهون عقوبة الإعدام، ما يعتبره البعض مقدمات لتهدئة الأجواء قبيل المصالحة.
وقد لا تخلو فكرة المصالحة من تدخل جهات غربية وعربية لدى النظام لحثه على إبرام مصالحة وطنية، تضم الإخوان، تقضي على الانقسام الحاصل في الشارع المصري، وتفتح أفقا سياسيا للإخوان، باعتبارهم أكثر اعتدالا، من وجهة نظر الجهات الضاغطة، لكن النظام لمصري يلقي دوما الكرة في ملعب الشعب والبرلمان للخروج من هذا المأزق، خاصة أن إعلان المصالحة مع الإخوان غير مأمون العواقب.
قد تؤدي الفكرة، بحسب بعض المراقبين، إلى المزيد من التآكل في شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي استمد جزءا كبيرا منها من خلال تصدّيه لحكم الإخوان، عندما كان على رأس المؤسسة العسكرية، كوزير للدفاع.
ولم يصرّح الرئيس المصري أنه سوف يبعد الإخوان عن العمل السياسي رغم تصنيفهم قضائيا بأنهم تنظيم إرهابي، وقال أكثر من مرة إن نظامه وحكومته ليسا في إشكالية مع الإخوان، هم مواطنون، ومشكلتهم مع الرأي العام في مصر.
الصمت الموحي
يعتبر بعض المتابعين أن الصمت الموحي من جانب مؤسسات الدولة ورموز الإخوان على مبادرات الصلح التي يعرضها "متطوعون" من حين لآخر، ومنهم سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات، تعني بشكل أو بآخر أن هذا الصمت ليس علامة رفض، وقد يكون على الأقل انفتاحا أوليا على الفكرة.
أبرز الشواهد على ذلك، التقارب الذي تم تسجيله بين حركة حماس والنظام المصري، بعد حالة شبه القطيعة بينهما منذ ثورة 30 يونيو 2013 والإطاحة بنظام الإخوان. وتجسّدت “المصالحة” بين النظام المصري وحماس من خلال زيارات متكررة من قيادات الحركة إلى القاهرة، في تناقض ظاهر مع اتهام وزارة الداخلية المصرية لحركة حماس بالتورط في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.
|
وترى مصادر مصرية سياسية أن المصالحة قادمة لا محالة، حتى وإن طال موعدها، لأسباب تتعلق بالتزام قطعه النظام المصري على نفسه في بيان 3 يوليو 2013 (خارطة الطريق) بأنه سوف يتصالح مع كل من لم تلوث أياديهم بالدماء، وثانيها أن الصراع السياسي طال بين النظام والإخوان، ولم يعد بمقدور أحد الطرفين حسمه نهائيا لصالحه.
لكن حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أنه “لا مؤشرات إيجابية من النظام حتى الآن لإجراء مصالحة فعلية، وأن حديث وزير الشؤون البرلمانية لا يؤخذ على محمل الجد”. وقال لـ”العرب” “القضية ليست في مصالحة الإخوان بقدر ما ترتبط بوجود رموز أخرى، أصبح لا غنى عنها عند طرح فكرة المصالحة”.
وأوضح أنه من بين هؤلاء حركة شباب 6 إبريل، التي تعتبر إحدى أهم الحركات المؤيدة للإخوان، وغالبية شبابها في السجون، فضلا عن وجود شباب غير منضمين لحركات سياسية وثورية جرى حبسهم. وأضاف “الرغبة في المصالحة تبدأ بهؤلاء، وما دام الحديث لم يتطرق إلى هذه الفئة فإن ما يتردد عن المصالحة مجرد إيحاء للداخل والخارج بأن هناك توجها جديدا للنظام”.
وزاد على ذلك أن النظام المصري به “مراكز قوى كثيرة، كل منها يحاول الاجتهاد في محاولة لمسايرة أمور النظام، وهناك أيضا رجل واحد يمسك بكل مقاليد الأمور هو الرئيس عبدالفتاح السيسي، والمصالحة إن لم تخرج منه وحده بشكل مباشر أو غير مباشر، تكون كالعدم”.
صعوبات سياسية
حتى تكون هناك أرضية خصبة لإجراء مصالحة، يرى حسن نافعة ضرورة أن تكون لدى النظام رؤية سياسية للم شمل الشعب والشباب الغاضب، ونيّة لتحول ديمقراطي حقيقي، شريطة أن تكون أيضا لدى الإخوان شجاعة الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت وأن تحدث مراجعات فكرية وسياسية كجزء من ضمانات التحول الديمقراطي، مستبعدا حدوث هذا أو ذاك من الطرفين، على الأقل حاليا.
كشف محللون لـ”العرب” أن هناك صعوبات في توحيد كلمة الإخوان أنفسهم في حال اقتراب إتمام المصالحة، بيد أن بعض رموز الجماعة لا يرفضون التصالح أو يغلقون الباب أمام التفاوض مع الدولة. أما شباب الإخوان “فيرفضون أي حديث عن المصالحة من قبل الجماعة، وسقف مطالبهم لا يزال مرتفعا، ويطالبون بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي”.
ويعتقد عبدالجليل الشرنوبي، الباحث والمتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، أن القضية ليست في إتمام مصالحة أم لا، ومتى يحدث ذلك، بقدر ما تتعلق بتساؤل مبهم ترفض الحكومة المصرية الإجابة عليه، وهو: هل حسمت الدولة موقفها من تنظيم الإخوان أم لا؟.
وقال في تصريحات لـ”العرب” إن النظام يؤمن بحق المواطنة للإخواني ولا يريد أن يعلن موقفه من التنظيم، أو يكشف عن رؤيته في هذا الصدد، وبالتالي فهناك علامات استفهام كثيرة حول الفلسفة القانونية لمحاسبة الإخوان على خطاياهم.
ولفت إلى أن النظام المصري في مأزق، لأنه يلمح إلى مصالحة مع من تلوّثت أياديهم بالدماء، رغم أنه أمام تنظيم متكامل “غالبية قياداته تلوثت بالدماء بإدارتهم مؤامرات ومخططات لإنهاك وإرباك الشارع ومؤسسات الدولة”.
وجزم بأن اتجاه النظام إلى عقد مصالحة دون وضع ضوابط حاكمة لمستقبل تنظيم الإخوان وقياداته ومصيرهم ومحاسبة مجرميهم، سيكون في نظر المجتمع “غير أمين، وسوف يدفع فاتورة باهظة”. وشدد على أن السيسي لن يرضي الخارج ويقبل بمصالحة إلا بإطار يرضي جميع الأطراف.