الجري خلف الجوائز

الخميس 2013/10/31

تبرز في الحياة الثقافية العربية ظاهرة سعي الكثير من المبدعين العرب للحصول على الجوائز الغربية .. وهي ظاهرة غير حميدة لتأثيرها السلبي على دفع المبدع إلى محاكاة الثقافة الغربية مما يسبب وقوع المادة الإبداعية في التغريب وابتعادها عن واقعها ويفقدها ميزاتها الاجتماعية والبيئية.

وكأن الجائزة هي التي باتت تفرض على الكاتب صياغة عالمه الروائي. وقد تحوّل الروائي إلى آلة إنتاج تعبيرية بيد منظمي الجوائز الذين لهم أهداف غير مرئية تتخطى الفوائد الأدبية إلى مدائح أخرى.

لو تمعنّا قليلا في أعمال روائية عربية يصلنا صداها باحتفاء في الإعلام الغربي وهي على غير ذي بال في التقييم العربي، فإننا سنجدها طافحة بتمجيد القيم والمعايير الغربية. وهي هنا وكأنها تُكافَأ على هذا الأساس بغضّ النظر عن نضجها البنيوي أو تحقيقها لشروط الفن.

وهذه الروايات لا شيء يميّزها عن روايات تصدر في الغرب وتحمل أسماء مؤلفين محليين وهي تُكتب بإخلاص عاكسة بيئتها وواقعها الاجتماعي وبالتالي فهي لا تنال جوائز تذكر، حتى يبدو الأمر أن الاحتفاء بالأسماء العربية في الغرب إنما هو احتفاء بالحضارة الغربية التي اكتسبت أصواتا قادمة من الشرق المشدود ببنيان ديني له قدسيته. بما معناه أن الجوائز هي لهتك هذه القدسية.

وهنا نسارع ونقول على أن الأمر ليس هو كذلك دائما، فعندما نال الأديب نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب عام 1988 وهي الجائزة الأكثر رزانة في العالم، فإن اللجنة المانحة هي التي ذهبت إلى مصر وتوغّلت في عوالم محفوظ، والمعروف أن عالم الأديب الكبير لم يغادر الحارة المصرية بتاتا. ولا نظن أن محفوظ في يوم من الأيام قد وضع نصب عينيه جائزة أو تقديرا يأتيه من الغرب.

كثيرون اليوم يتحدثون عن انحطاط يشوب الثقافة العربية، ويذهب البعض بعيدا حينما يقيّمون حالتها بالاحتضار، وهي شأنها شأن الواقع العربي المزري على كثير من الصعد حيث تنعدم الرؤية، وفي الطريق إلى استشفاف المستقبل يوجد ضباب كثيف.

إن المرء يقف اليوم مشدوها وهو يرى عدم تطابق حال زماننا مع مقولة "ابن خلدون" في مقدمته التي رأى فيها: أن الثقافة تزدهر في عهد انهيار الدولة. وقد شهدنا ونشهد اليوم انهيار العديد من الدول العربية ولم نشهد ازدهارا للثقافة في هذه الدول.

إذا صح التعبير في حال احتضار الثقافة العربية، وإذا كان الكثيرون من صنّاع الثقافة العربية تعنيهم الجوائز، وهذا حقهم العادل في نهاية المطاف. فلماذا تتقاعس المؤسسات الثقافية العربية عن بناء غرف إنعاش لهذه الثقافة؟

إن إنعاش الثقافة يكون بتأسيس المزيد من الجوائز العربية من أجل تحفيز الإبداع ووضعه على قيمة عالية في الحياة العربية، وبما يحدّ من اندفاع الكتّاب العرب نحو محاكاة ثقافات أخرى .. فإن أجمل الإبداعات هي تلك التي حافظت على خصوصيتها وقدمت بيئتها بكل صدق.


* كاتب وشاعر فلسطيني

14